طب

هل تستطيع البكتيريا والفيروسات الكامنة في المومياوات المصرية أن تتسبب في وباء؟

على مدى قرون، فتنتنا المومياوات المصرية القديمة بشكلها الغامض، ومقابرها المتقنة. ولكن هل تساءلت يومًا ما إذا كانت هذه الآثار من الماضي يمكن أن تطلق العنان لأمراض كانت كامنة لفترة طويلة، مثل الجدري أو السل أو الجذام، على البشرية الحديثة؟ قد تبدو الفكرة وكأنها من أفلام الرعب، لكنه سؤال أثار الجدل بين علماء الآثار. فهل تستطيع البكتيريا والفيروسات الكامنة في المومياوات المصرية أن تتسبب في وباء؟

الأوبئة في مصر القديمة

لم تكن الحضارة المصرية القديمة غريبة عن الأوبئة المدمرة. في الفترة من حوالي 1550 قبل الميلاد إلى 1069 قبل الميلاد، ابتليت مصر بالعديد من الأوبئة، بما في ذلك بعض الأمراض الأكثر شهرة في تاريخ البشرية. كان الجدري والسل والجذام من بين الأمراض العديدة التي اجتاحت الشعب المصري القديم، مخلفة الموت والدمار في أعقابها.


تعد مومياء الفرعون رمسيس الخامس من الأمثلة الواضحة على تأثير هذه الأمراض. حيث توفي حوالي عام 1145 قبل الميلاد. ويحمل جسده المحنط ندوب الجدري الواضحة، وهي شهادة على وجود المرض في مصر القديمة. إن وفاة الفرعون المفاجئة هي تذكير صارخ بالقوة المدمرة للأمراض المعدية، التي شكلت تاريخ البشرية لعدة قرون.


في مصر القديمة، كان عدم فهم أسباب المرض يعني أن الناس غالبًا ما كانوا عاجزين عن مواجهة انتشار العدوى. وبدون الاستفادة من الطب الحديث، اعتمد المصريون على العلاجات الروحية والسحرية لمكافحة الأمراض. وعلى الرغم من هذه الجهود، استمرت الأمراض في اجتياح السكان، مخلفة وراءها سلسلة من الموت والدمار.

كيف تنتشر الأمراض المعدية؟

عندما نفكر في الأمراض المعدية، فإننا غالبًا ما نتخيل قوة غامضة وغير مرئية تنشر المرض من شخص لآخر. ولكن الحقيقة هي أن الأمراض المعدية تعتمد على آليات محددة لنشر نفسها. في حالة الجدري، لا يمكن لفيروسات الجدري أن تتكاثر إلا داخل خلايا مضيف حي. وهذا يعني أن الفيروس يحتاج إلى جسم الإنسان ليتكاثر وينتشر. وبالمثل، فإن البكتيريا المسببة لمرض السل والجذام تحتاج إلى مضيف حي للبقاء على قيد الحياة.


لا تنتشر هذه الأمراض من خلال الاتصال العرضي أو الاقتراب من شخص مصاب. وبدلاً من ذلك، يعتمدون على طرق انتقال محددة. حيث ينتشر الجدري عن طريق اللمس، في حين ينتقل مرض السل والجذام عادة من خلال الرذاذ عن طريق الأنف والفم، وغالبًا عن طريق العطس أو السعال. ويتطلب الجذام، على وجه الخصوص، التعرض لفترة طويلة لشخص مريض حتى ينتشر، وذلك بسبب معدل التكاثر البطيء للبكتيريا المسببة للمرض.

Related Post

لماذا لا تطلق المومياوات العنان للجدري أو الأمراض الأخرى

عندما نفكر في المومياوات القديمة، فمن الطبيعي أن نتساءل عما إذا كانت لا تزال تحمل أمراضًا كامنة لفترة طويلة، في انتظار أن يتم إطلاق العنان لها في العالم الحديث. ومع ذلك، فإن فرص حدوث ذلك منخفضة للغاية. وفقا للدكتور بيرس ميتشل، مدير مختبر الطفيليات القديمة بجامعة كامبريدج، فإن معظم أنواع الطفيليات تموت في غضون عام أو عامين دون وجود مضيف حي لتلتصق به. وهذا يعني أنه حتى لو أصيبت المومياء بالجدري أو السل أو الجذام خلال حياتها، فإن الطفيليات قد هلكت منذ فترة طويلة. ولهذا يؤكد الدكتور ميتشل أنه إذا انتظرت أكثر من 10 سنوات، فسيموت كل شيء.


علاوة على ذلك، فإن عملية التحلل ومرور الوقت قد أثرت أيضًا على أي مسببات أمراض محتملة. وكما يوضح الدكتور ميتشل، فإن الحمض النووي لهذه الطفيليات قد تدهور بمرور الوقت، وانقسم إلى أجزاء قصيرة وغير صالحة للاستعمال. وهذا يعني أنه حتى لو كان أحد الباحثين على اتصال بمومياء، فإن خطر الإصابة بمرض قديم يكاد يكون صفرًا. ببساطة، لم يعد الحمض النووي قابلاً للحياة، مما يجعل من المستحيل على الطفيليات أن “تستيقظ” وتسبب الضرر.

وفي حين أن بعض الديدان المعوية الطفيلية يمكنها البقاء على قيد الحياة لعدة أشهر أو حتى سنوات بدون مضيف، إلا أن هذه الكائنات القوية لا تشكل مصدر قلق كبير. حيث تموت الغالبية العظمى من الطفيليات عندما يموت مضيفها، مما لا يترك لها أي فرصة للانتشار أو التسبب في العدوى. باختصار، فإن الجمع بين عدم وجود مضيفين أحياء وتدهور الحمض النووي بمرور الوقت يجعل من غير المرجح أن تطلق المومياوات العنان للجدري أو أي أمراض أخرى.

الحماية من البكتيريا والفيروسات الكامنة في المومياوات المصرية

عندما يغامر علماء الآثار والباحثون بدخول عالم المومياوات القديمة، فإنهم يرتدون الأقنعة والقفازات وغيرها من المعدات المصممة لمنع تلوث هذه الآثار الهشة. لكن هذه الملابس الواقية تخدم غرضًا مزدوجًا: فهي لا تحمي المومياوات فحسب، بل تحمي الباحثين أنفسهم أيضًا من مسببات الأمراض القديمة المحتملة.


وهنا، تصبح شبكة الأمان الخاصة بمعدات الحماية هي خط الدفاع الأول ضد هؤلاء الغزاة القدماء. حيث تعمل الأقنعة على تصفية مسببات الأمراض المحمولة جواً، بينما تمنع القفازات ملامسة الجلد للأسطح التي يحتمل أن تكون ملوثة. وهذه الاحتياطات ليست مجرد إجراء شكلي؛ فهي تشكل حاجزًا حاسمًا بين العالم الحديث وأمراض الماضي المدفونة منذ فترة طويلة.

المصادر:

Could bacteria or viruses lurking in ancient Egyptian mummies unleash a plague today? / live science

أخبار علمية

Share
Published by
أخبار علمية

Recent Posts

إنجاز في تحويل ثاني أكسيد الكربون الكامن إلى وقود أخضر

في خطوة هامة نحو السعي لتحقيق الحياد الكربوني، نجح باحثون من جامعة طوكيو متروبوليتان في…

22 ساعة ago

من الأسوأ في قيادة السيارات، الرجال أم النساء؟

توصل باحثون في كلية العلوم الاقتصادية في الجامعة الوطنية للبحوث المدرسة العليا للاقتصاد في روسيا…

يوم واحد ago

منظمة الصحة العالمية توافق على أول لقاح لجدري القرود

أعلنت منظمة الصحة العالمية (WHO) أن لقاح (MVA-BN)، الذي تصنعه شركة (Bavarian Nordic A/S)، هو…

يوم واحد ago

السعودية تتوقع الحصول على رقائق إنفيديا عالية الأداء خلال العام المقبل

تقف المملكة العربية السعودية على أعتاب إنجاز كبير في مجال الذكاء الاصطناعي. حيث أن هناك…

يومين ago

هل تجاوز الزمن وكالة ناسا؟

تواجه ناسا، وكالة الفضاء الأمريكية الشهيرة، تهديدًا خطيرًا لمستقبلها. وقد دق تقرير حديث صادر عن…

يومين ago

كيف يتحول النفط إلى بلاستيك، وما هي أضراره على البيئة؟

في منتصف التسعينيات، عثر عالم المحيطات الكابتن تشارلز مور على اكتشاف مثير للقلق. حيث يوجد…

يومين ago