يعد العبقري المنسي، نيكولا تسلا، من أشهر وأهم العلماء المهضوم حقهم في التاريخ، ولولا إسهاماته لما كنا لنقرأ هذا المقال، ولما كنا في هذه الرفاهية من الأساس. لذلك حُق علينا أن نسأل أنفسنا: من هو نيكولا تسلا؟ وما قصة صراعه مع إديسون؟
محتويات المقال :
نيكولا تسلا: عالم من النور
تبدأ قصة نيكولا تسلا في عام 1856، بالتحديد في العاشر من يوليو، عندما ولد المهندس والعالم الفذ بقرية سميلجان، بكرواتيا. كان والد تسلا كاهنًا في الكنيسة الأرثوذكسية، وكانت ووالدته غير متعلمة، ولكنها متقدة الذكاء. فكانت تتمتع بذاكرة فوتوغرافية قوية ورثتها لولدها الاستثنائي. يوم ميلاد الطفل لم يكن عاديًا. كانت هناك عاصفة شديدة من البرق في ذلك اليوم جعلت الخادمة في بيت تسلا تتخذ من مولد العبقري نذير شؤم قائلة بأنه “طفل الظلام”، لتقاطعه والدة نيكولا “بل طفل النور”. [1] [2]
أراد والد تسلا من ابنه أن يصبح كاهنًا -مثله-، ولكن نيكولا كان مولعًا بالهندسة. أصُيب تسلا بالكوليرا في سن المراهقة، وكاد يموت، فقطع والده عهدًا على نفسه بأن يرسل ولده إلى كلية الهندسة إذا شُفي من المرض. تاعفى بعدها تسلا بأعجوبة وذهب إلى كلية جراتس، بالنمسا، ليدرس الهندسة. رأى تسلا هناك “آلة غرام”، وهي عبارة عن محرك يمكن تحويله إلى مولد كهربائي، ليبتكر طريقة يستخدم بها التيار المتردد ويبدأ رحلته في إنارة حياة البشر. [3]
توماس إديسون: مخترع المصباح الكهربائي
ولد العالم الشهير توماس إديسون في الحادي عشر من فبراير، عام 1847، بمدينة ميلان بولاية أوهايو الأمريكية. اشتهر إديسون بالكثير من الاختراعات مثل المصباح الكهربي، والفونوغراف (الجرامافون)، والمرسل الكربوني، وغيرها الكثير من الاختراعات.[4]
في عام 1854، انتقلت عائلة إديسون إلى مدينة بورت هورون بولاية ميشيغان، ليلتحق بالمدرسة العامة هناك لمدة 12 أسبوعًا. إديسون كان مفرط النشاط ويتشتت بسهولة ووصفه معلمه بأنه “صعب”.
أخرجته أمه من المدرسة في سن الحادية عشر، وعلمته في المنزل. امتلك إديسون شهية شرهة للتعلم وكان يقرأ الكثير من الكتب في مجالات مختلفة. بعدها بعام، أي في سن الثانية عشر، أقنع إديسون والداه ببيع الصحف في السكك الحديدة وأسس صحيفة صغيرة خاصة به. أطلق عليها Grand Trunk Herald.
انتهز إديسون فرصة العمل في السكة الحديدية، وأنشأ مختبر صغير في عربة إحدى القطارات ليختبر بعض التفاعلات الكيميائية. لسوء حظ إديسون، شب حريق في العربة مما جعل المحصل يهرع إلى مصدر الحريق ليجد إديسون ويصفعه على صدغه. يُعتقد أن تلك الصفعة هي من تسببت في إصابة إديسون بالصمم في إحدى أذنيه، ولكن ذلك لم يمنعه من صناعة المجد الذي نرى أثره إلى يومنا هذا. [5]
نيكولا تسلا وصراع مع إديسون
بدأت قصرة الصراع بوصول تسلا إلى بودابست، أوروبا، ليعمل كمهندس كهربائي في شركة للهواتف النقلة. وفي يوم عادي، وبينما كان يتنزه في إحدى شوارع المدينة، خطرت له فكرة توليد الكهرباء باستخدام التيار المتردد.
في عام 1882، عمل تسلا لدى الفرع الفرنسي لشركة توماس إديسون. كان عمله في البداية بسيطًا، فاقتصر على تركيب مصادر الإضاءة كالمصابيح، ولكن لاحظ مدراءه ذكاءه مبكرًا، فأوكلوه مهام أصعب مثل تصميم المولدات والمحركات. أصبح يتردد على الفروع المختلفة من شركات إديسون في جميع أنحاء أوروبا لإصلاح مختلف الأعطال. [6]
بعد عامين من العمل في فروع أوربا، طلب مدير تسلا منه أن يذهب إلى فرع مدينة نيويورك، ووافق تسلا على الحال. [6]
بدأت المشكلة من اختلاف وجهات النظر، وامتلاك كل عالم منظور وطريقة تفكير مختلفة عن الآخر؛ كان تسلا يرى أن التيار المتردد ACهو الأفضل، بينما ذهب إديسون مع التيار المستمر DC. هناك الكثير من الفروقات بينهم، أهمها هي قدرة التيار المتردد AC على تغيير اتجاهه، مما يمكنه من الاستخدام لمسافات بعيدة، على عكس التيار المستمر DC الذي يتميز بثبات اتجاهه، وفي نفس الوقت يحافظ على قيمته مع مرور الزمن. [7]
سبب تمسك إديسون بالتيار المستمر كان يتعلق بالمادة وفقط، فكان إديسون يمتلك الكثير من براءات الاختراع في التيار المستمر، فكان يرى أن اتجاهه للتيار المتردد سيخسره الكثير من الأموال.
إلى الآن، يمكن اعتبار الأمر طبيعيًا، مجرد اختلاف في وجهات النظر. بدأ الخلاف الحقيقي عندما طلب مدير تسلا منه أن يطور طريقة لجعل بعض الآلات تعمل بالتيار المستمر، وإذا نجح تسلا في ذلك، ستتم مكافأته ب 50 ألف دولار، وبالفعل تمكن تسلا من الأمر، ولكن المدير لم يف بوعده، فغضب تسلا وخرج من الشركة. [6]
وهناك رواية أخرى، وفيها يقول إديسون لتسلا “انت لا تفهم روح الدعابة الأمريكية”، أي أن المدير كان يمزح معه.
هبوط وصعود
بعدما استقال تسلا من شركات إديسون، قرر إنشاء شركته الخاصة. أسس نيكولا تسلا شركته الخاصة عام 1885، ولكن سرعان ما خسر تسلا شركته وبراءات اختراعه للمستثمرين. بعدما خسر شركته، اضطر تسلا لحفر الأنفاق في مقابل دولارين في اليوم الواحد ليستطيع مواصلة العيش. [8]
في عام 1887، تمكن تسلا من تصميم موتور يعمل بالتيار المتردد ACويحول الطاقة الكهربية إلى طاقة ميكانيكية. عرض تسلا اختراعه على العديد من المهندسين، وأثار انتباه أحد أهم الشخصيات وقتها، وهو جورج ويستنجهاوس.
طلب جورج من تسلا أن يستخدم المحرك الخاص به، ليكمل بذلك نظام متكامل من التيار المتردد يمكنه من منافسة توماس أديسون. وافق تسلا على الفور وتلقى 60 ألف دولار وبعض الملكيات في الشركة، وعينه ويستنجهاوس كمستشار للشركة مقابل 2000 دولار في الشهر، ما يوازي 50 ألف دولار حاليًا. [10]
عندما علم توماس إديسون بصعود شركة ويستنجهاوس، استشاط غضبًا وحاول إسقاط الشركة والتيار المتردد. استغل إديسون كرسي الإعدام الكهربائي والذي اعتمد على التيار المتردد للترويج لوحشية ذلك التيار، كما أعدم فيل يدعى “توبسي” باستخدام التيار المتردد، ولكن لم تسر الأمور كما خطط لها إديسون، ففي ذلك الوقت كان المعرض العالمي الكولومبي يستعد للانعقاد في مدينة شيكاغو للاحتفال بالذكرى ال 400 من وصول كريستوفر كولومبس واكتشافه لأمريكا، وكلت مهمة إضاءة ذلك المعرض إلى ويستنجهاوس وتسلا، وتم الاحتفالية بنجاح، وحازا على ثقة ال 27 مليون مواطن حضر الافتتاح وغيرهم الكثير ممن رأوا في التيار المتردد كل الأمل في إنارة المستقبل. [9]
جاءت الضربة الثانية بعدما فازا الشريكان -تسلا وجورج- مجددًا على تيار إديسون عندما أنشئا أول محطة لتوليد الكهرباء تعمل بالتيار المستمر بجوار شلالات نياجرا، لينيرا مدينة بافلو بنيويورك ويصبح تسلا رائدًا في الطاقة المترددة، ويتم تكريمه بتمثال خاص له على ضفاف شلالات نياجرا بعد ذلك.[9]
وفاء، ومعاناة، وإرث دائم
بعد النجاح منقطع النظير الذي حققه الشريكان، كانت شركة ويستنجهاوس تنهار، فكانت مدانة بأكثر من 10 مليون دولار. طلب جورج من تسلا أن يسترد منه بعض العائدات في محاولة بائسة منه لينقذ الشركة، وتسلا لم يكن ليبيع صديقه وأكثر من آمن بقدراته، فوافق على الفور وأعطاه 12 مليون دولار، ما يكافأ اليوم 300 مليون دولار. في المقابل أعطت الشركة 216 ألف دولار للعالم العبقري.
أنشأ تسلا سلسلة من المختبرات الخاصة به في نيويورك ليقوم ببعض الاختراعات. كان يزوره الكثير من المشاهير والعظماء، مثل مارك توين، أحد أشهر الأدباء في تاريخ أمريكا. اخترع تسلا الكثير وحاز على أكثر من 300 براءة اختراع. وكان رائدًا في التصوير بالأشعة السينية، وأول مخترع للريموت عن بعد، وملف تسلا، وغيرها الكثير من الاختراعات.[2]
في عام 1895، شب حريق في مختبرات تسلا، لتذهب الكثير من أبحاثه دون رجعة. كذلك ثروته، وسكن في فندق كان يدفع إيجاره من مرتبه كمستشار لدى ويستنجهاس. بمرور الوقت تدهورت حالة تسلا، وأصبح مهووسًا بالحمام، كما أصيب بالوسواس القهري.
في السابع من يوليو، عام 1943، وجدت الخادمة تسلا ميتًا في غرفة فندقه، بعمر السادسة والثمانين، لتشهد على ضربة موجعة تلقتها البشرية، بعدما فقدت العبقري. [11]
مات تسلا فقيرًا مديونًا. على الرغم من قدرته على العيش كمليونير. وبالمناسبة كان سيصبح أول بليونير في التاريخ لولا ولاؤه وإخلاصه لوستنجهاوس، ولكن العبقري لم يكن جشعًا، ترك لنا الكثير من العلم والقيم التي اندثرت مع الزمن. أضاء العالم بأفكاره وأفعاله، فمات جسدًا وبقي إرثه وخُلدت ذكراه.[11]
هناك الكثير من العباقرة، وهناك نيكولا تسلا.
المصادر
- PBS
- Britanica
- PBS
- Britanica
- BIOGRAPHY
- PBS
- Power & Beyond
- HISTORY
- HISTORY
- Smithsonianmag magazine
- BIOGRAPHY
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :