نبذة عن تاريخ المعلومات: ما هو شيطان ماكسويل؟ وما هي نظرية شانون في الاتصالات؟ على مدى الثلاثمائة عامٍ الماضية، طورنا طرقًا جديدةً مذهلةً لتسخير الطاقة واستخدمنا هذه القدرة لتغيير بيئتنا ونمط حياتنا ولكن كل هذه المباني الضخمة والهياكل العملاقة التي نراها من حولنا هي مجرد نوع واحد من النظام المرئي الذي أنشأناه هنا على كوكب الأرض. هناك نوع آخر من النظام غير المرئي، شيء سخرته الطبيعة منذ مليارات السنين ذلك الشيء نسميه المعلومات. إن مفهوم المعلومات في غاية الغرابة وفي الواقع، إنها لفكرة صعبة للغاية حتى تستوعبها من أول وهلة. ولكن في رحلة محاولة فهمها، سيكتشف العلماء أن المعلومات هي جزء أساسي من كوننا. في هذا المقال سنسبر أغوار حكاية المعلومات وسنتعرف على القوة الهائلة التي تنبعث جراء التلاعب بها. وسنعرف كيف اكتشفنا قوة الرموز وكتابة الأكواد وكيف أحدثت أجهزة الحواسيب ثورة في فهمنا للكون. وسنتعرف على كيفية انهيار العالم إلى الفوضى وعن إمكانية استخدام المعلومات لإنشاء النظام وكل ما يحيط بنا.
محتويات المقال :
للوهلة الأولى، قد تتراءى لك أن المعلومات فكرة مباشرة للغاية؛ إذ توجد في كل مكان في عالمنا وتمتلئ أدمغتنا بها ونتبادلها باستمرار فيما بيننا. لكن المعلومات كانت من أدق التفاصيل وأصعب المفاهيم التي كان على العلم أن يتعامل معها ولقد كان فهمها وتسخيرها عمليةً طويلةً وصعبةً للغاية. يمكن إلقاء الضوء على قوة المعلومات لأول مرة منذ أكثر من 5000 عام، عندما ابُتكرت تقنية ثورية كانت هي الأساس لتكوين العالم الحديث. على مر السنين، توصلت البشرية إلى بعض الأشياء الرائعة ولكن من بين جميع الاختراعات البشرية، هناك اختراع مميز حقًا. إنه الأكثر تحويلًا وتدميرًا، يجمع بين الإبداع والبساطة، هذا الاختراع هو الكلمة المكتوبة. يكمن جوهر الكتابة في الإرسال وتخزين المعلومات، فالكلمات تسمح للأفكار أن تدوم عبر الزمن. كُتبت أقدم النصوص على ألواح من الطين في بلاد ما بين النهرين أو ما يُعرف حاليًا بالعراق
كانت فكرة الكتابة نابعة ثقافة السومريين؛ إذ بدأوا برسم علامات تصويرية للتعبير عن الأفكار واستمر هذا الوضع ردحًا من الزمن حتى قام شخص ما ربما عن طريق الصدفة، بكتابة الرموز الرسومية على ألواح الطين ليس لما يمثله بشكلٍ مرئي فقط ولكن بالنسبة لصوت ذلك الشيء المراد الكتابة عنه. ونتج عن ذلك قفزة العملاقة في تاريخ البشرية، فمن خلال الجمع بين الصور الصوتية المختلفة، كان بإمكان سكان بلاد ما بين النهرين القدماء التعبير عن أي فكرة يمكن تخيلها. كان جوهر هذا الاختراق هو الرؤية، على سبيل المثال، كيف يمكن كتابة الكلمات المجردة مثل: اعتقاد، وفكرة، علم؟ هذه كلمات لا يمكن التعبير عنها برموز لكن وفقًا للنظام السومري الذي يعتمد على الصور الصوتية يمكن التعبير عن تلكم الكلمات المجردة وللتوضيح أكثر بدمج صورة غزال-بالإنجليزية البريطانية النطق الصوتي دييا -وصورة العين –النطق الصوتي هو آي-نحصل على تعبير لكلمة (آيدييا idea) أليس هذا مذهلًا؟ فقط بنحت صورة للغزال وصورة للعين على اللوح الطيني جنبًا إلى جنب تمكن السومريون من كتابة كلمة “فكرة” على سبيل المثال وبهذه الطريقة استطاعوا تحويل الكلمات والأفكار المجردة إلى رموز.
لوح طيني للملك السومري “أور نامو” الذي عاش في عام 2100 قبل الميلاد
هذه كانت البداية فقط؛ إذ لم يدرك البشر بعد القوة الحقيقية للرموز. لمدة 4000 عام، كانت الكتابة إلى حد كبيرهي تقنية المعلومات الوحيدة التي يستخدمها البشر ولكن بحلول القرن التاسع عشر، خلال الثورة الصناعية الكبرى، بدأت الأمور تتغير. في خضم دوامة الأفكار والاختراعات، ستظهر سلسلة من التقنيات التي تبدو غير متصلة والتي بدأت جميعها في التلميح إلى القوة الهائلة للمعلومات. ستأتي كل هذه التقنيات من أصول عملية للغاية وغير نظرية للغاية. سيكتشف البشر في أن المعلومات كانت مفهومًا أعمق وأقوى بكثير مما كان يدركه أي شخص وستُطور واحدة من أولى سلالات تقنيات المعلومات الجديدة في مدينة ليون الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر على يد الحائك الشهير «جوزيف جاكارد-Joseph Jacquard».
كانت مدينة “ليون” الفرنسية في القرن الثامن عشر موطنًا لبعض أفضل الحرفيين في العالم وكانت أيضًا مكانًا للرفاهية والعظمة، وقبل كل شيء المال. بفضل الأرستقراطيين والمصرفيين الأثرياء والعصريين الذين عاشوا هناك، أصبحت موطنًا لأكبر صناعة حرير في العالم. ما جعل مدينة ليون مشهورة حقًا هو الديباج وهو نسيج جميل ومنسوج بشكل معقد ويتطلب إنتاجه عمالة مكثفة بشكل لا يصدق؛ إذ يمكن لفريق من رجلين يعملان بجدٍ ليوم واحد إنتاج حوالي شبر واحد من الديباج في أحسن الأحوال. كان الطلب على أقمشة ليون الفاخرة هائلاً ولكن عملية نسج الحرير كانت بطيئة ومؤلمة. ولكن بفضل جندي ونساج يدعى “جوزيف ماري جاكارد” طُور جهاز للمساعدة في تسريع عملية النسيج. هذا الجهاز سيكشفُ فيما بعد حقيقة أساسية فيما يتعلق بالمعلومات. في عام 1804، حاز جاكارد على براءة اختراع لواحدة من أكثر الآليات تعقيدًا التي بنتها البشرية على الإطلاق وأطلق عليه اسم ” منول جاكارد” أو”نَول جاكارد”. تُعد هذه الآلة معجزة إبداعية؛ إذ يمكن برمجتها لنسج أي نمط يمكن للمصمم التفكير فيه دون الاضطرار لتغيير تركيبها الهيكلي.
وسر هذه الآلة كان مجرد بطاقة مثقوبة. تحمل البطاقة المثقوبة بداخلها جوهر التصاميم التي ينسجها المنول. عندما تُدخل هذه البطاقات المثقبة في النول، فإنها تعمل على خفض ورفع الخيوط، أي تعمل على إعادة تشكيل النمط في الحرير. يمكن تقسيم أي تصميم يمكن أن يخطر ببالك وترجمته إلى سلسلة من البطاقات المثقوبة التي يمكن نسجها بعد ذلك بواسطة النول. تتم ترجمة المعلومات من الصورة إلى بطاقة التثقيب إلى القماش النهائي.
بطاقات جاكارد المثقوبة
إنها آلة لنسج المنسوجات وهذه هي مهمتها، لكن لا يوجد شيء محدد حول نوعية النسيج الذي يجب أن تنسجه. ما هو موجود في المعلومات المشفرة على البطاقات. لذا، إذا كنت ترغب في ذلك، قم ببرمجة البطاقات، وهذا يعني إرشادها إلى ما يجب القيام به. وهذا له صدى كبير لما جاء لاحقًا. أحدث منول جاكارد ثورة في صناعة الحرير. لكن في جوهرها كان شيئًا أعمق، شيئًا أكثر عالمية من أصولها الصناعية وقدرتها على تسريع النسيج. كشف النول الستار حول قوة استخلاص المعلومات. لقد أظهر أنه يمكنك أخذ جوهر شيء ما، واستخراج المعلومات الحيوية وتمثيلها في شكل آخر. كشفت الكتابة أنه يمكنك استخدام مجموعة من الرموز لالتقاط اللغة المنطوقة. الآن ، أظهر جاكارد أنه برمزين فقط – ثقب أو مساحة فارغة ، كان من الممكن التقاط المعلومات في أي صورة يمكن تخيلها. هذه صورة لجاكارد منسوجة بالحرير.
الصورة أدناه هي لجاكارد منسوجة بالحرير وهي مفصلة بشكل مذهل بالآلاف من الغرز. ومع ذلك، يمكن تخزين جميع المعلومات التي تحتاجها لالتقاط هذه الصورة الحية في سلسلة من البطاقات المثقوبة عددها 24000. هذه الصورة هي مثال رائع لفكرة بعيدة المدى حقًا. أن أبسط الأنظمة -في هذه الحالة، البطاقات التي تحتوي على سلسلة من الثقوب المثقوبة فيها -يمكنها التقاط جوهر شيء أكثر تعقيدًا. إذا كان باستطاعة 24000 بطاقة مثقوبة إنشاء صورة كهذه، ماذا سيحدث إذا كان لديك 24 مليونًا؟ أو 24 تريليون بطاقة؟ ما هي الأنواع الجديدة من المعلومات المعقدة التي يمكن التقاطها وتمثيلها؟ لقد عثر جاكارد على فكرة عميقة وبعيدة المدى بشكل لا يصدق. طالما لديك ما يكفي منها، يمكن استخدام الرموز البسيطة لوصف أي شيء في الكون كله.
صورة جاكارد منسوجة بالحرير ومطرزة بالالاف من الغرز
أثبتت ترجمة المعلومات إلى رموز مجردة لتخزينها ومعالجتها أنها فكرة قوية للغاية. لكن الطريقة التي تُرسل بها المعلومات لم تتغير منذ آلاف السنين. قبل ظهور تكنولوجيا الاتصالات، كانت تُرسل الرسائل بواسطة شخص يمكنه الركض بسرعة كبيرة، أو من خلال ركوبه يركب على ظهر حصان أو على متن سفينة. كانت النقطة هي أنه يمكنك فقط إرسال المعلومات بأسرع ما يمكن إرساله. ولكن في القرن التاسع عشر، زادت السرعة التي يمكن بها إرسال المعلومات بشكل كبير، وذلك بفضل وسيلة نقل معلومات جديدة لا تصدق وهي الكهرباء. بعد فترة وجيزة من اكتشاف الكهرباء، ازدادت الحماسة حول قدرتها كوسيلة لنقل الرسائل. تُعتبر الكهرباء هي الوسيط الأمثل لإرسال المعلومات فهي لا تتأثر بظروف الطقس السيئة وتمتاز بسرعة عائلة في نقل المعلومات ولكن كانت هناك مشكلة واحدة كبيرة تواجه هؤلاء في أوائل القرن التاسع عشر الذين أرادوا استخدام الكهرباء كوسيلة للتواصل. كيف يمكن استخدام مثل هذه الإشارة البسيطة لإرسال رسائل معقدة؟
في عام 1809، طور العالم «صموئيل سومرينج-Samuel Soemmering» جهازًا مذهلًا لنقل المعلومات فإذا أراد المرسل إرسال الحرف A، يرسل تيارًا عبر أحد الأسلاك. وعند المستقبل يوجد خزان مليء بالسائل، يعمل التيار الكهربائي على إحداث تفاعل كيميائي مما تسبب في ظهور الفقاعات فوق الحرف A. هذه العملية برمتها بارعة، وإن كانت شاقة بعض الشيء ولكن الشيء الممتع حقًا هو أن على المرسل إخبار المستلم بذلك إنه على وشك إرسال إشارة، يفعل ذلك عن طريق إرسال تيارات كهربائية إضافية حتى تظهر المزيد من الفقاعات، وتدفع ذراع لأعلى مما يؤدي إلى قرع الجرس.
آلة صاموئيل التي استخدمها لإرسال الحروف الأبجدية
بعد “سومرينج”، حاول الكثيرون حل مشكلة إرسال الرسائل باستخدام الكهرباء ولكنهم جميعًا عانوا من وجود رموز معقدة للغاية. في أربعينيات القرن التاسع عش، اسُتبدلت جميع الأجهزة القديمة بجهازٍ مذهل يستطيع إرسال الإشارات بطريقة التي لا تزال تُستخدم حتى يومنا هذا. طور الفنان ورجل الأعمال صموئيل مورس مع زميله ألفريد فالي جهازًا لم يكن مميزًا في تقنيته بل في الشفرة البسيطة والفعالة التي استخدموها لنقل رسائلهم. تمامًا مثل بطاقات جاكارد المثقوبة، تكمن عبقرية شفرة مورس وفيل في بساطتها.إذ يمكن كتابة أحرف الأبجدية باستخدام مجموعة من النبضات القصيرة والطويلة من التيار الكهربائي، اقترح فالى أن الحروف الأكثر تكرارا في اللغة الإنجليزية يُرمز لها بأقصر رمز. فمثلًا يتم إرسال الحرف E بهذه الشفرة (.) بينما يتم إرسال الحرف X بهذا الشكل (-..-) وهذا يعني أنه يمكن إرسال الرسائل بسرعة وكفاءة. كان مزيج الكود مع الجانب المادي لهذا الجهاز بما فيه من بطاريات وأسلاك هو البداية الفعلية لجهاز جديد تمامًا وهو التلغراف الكهربائي.
كشف التلغراف مرة أخرى عن قوة ترجمة المعلومات من وسيط إلى آخر. حُفظت المعلومات في البداية في أدمغة البشر ومن ثم حفر البشر هذه المعلومات في الطين والورق والبطاقات المثقوبة. الآن، بفضل مورس، يمكن للمعلومات أن تتواجد في الكهرباء وهذا جعلها أخف وزنًا وأسرع بشكل لا يمكن تصوره مما كانت عليه من قبل. في غضون سنواتٍ قليلةٍ فقط، انتشرت شبكة التلغراف في جميع أنحاء العالم لتضع أسس عصر المعلومات الحديث. ما بدأ باختراع الكتابة منذ آلاف السنين قد تُوج بربط الكوكب بأكمله في شبكة من الأسلاك تحمل معلومات مجردة للغاية بسرعات لا تصدق.
بالنسبة لأشخاصٍ عاشوا في نهاية القرن التاسع عشر، ربما بدا أن القدرة البشرية على التلاعب في المعلومات ونقلها كانت في أوجها. لا يمكن أن يكونوا أكثر خطًأ. سوف تكشف المعلومات عن نفسها على أنها مفهوم أكثر أهمية وأكثر جوهرية مما يمكن لأي شخص أن يتخيله. سرعان ما أصبح واضحًا أن المعلومات لا تتعلق فقط بالتواصل البشري. لقد كانت فكرة بعيدة المدى من ذلك بكثير. سيتم التلميح إلى الطبيعة الحقيقية للمعلومات أولاً بفضل مشكلة غريبة، يحلم بها عالم فيزياء اسكتلندي لامع بدا وكأنه يفكر في شيء آخر تمامًا. كان جيمس كليرك ماكسويل أحد أعظم العقول في القرن التاسع عشر ومن بين اهتماماته العديدة، انبهر ماكسويل بعلم الديناميكا الحرارية الذي يهتم بدراسة الحرارة والحركة التي نشأت مع ظهور المحرك البخاري. كان ماكسويل من أوائل من فهموا أن الحرارة هي في الحقيقة مجرد حركة للجزيئات فكلما كان الشيء أكثر سخونة، زادت سرعة حركة جزيئاته والعكس صحيح. ستقود هذه الفكرة ماكسويل إلى أن يحلم بتجربة فكرية غريبة جدًا لعبت فيها المعلومات دورًا مهمًا.
افترض ماكسويل ذلك ببساطة من خلال معرفة ما يجري داخل صندوق مليء بالهواء، راودته فكرة أنه سيكون من الممكن جعل نصف الصندوق أكثر سخونة والنصف الآخر أكثر برودة بمعنى آخر، تخيل بناء فرن بجوار الثلاجة بدون استخدام أي طاقة. يبدو الأمر جنونيًا، لكن حجة ماكسويل كانت مقنعة للغاية. وتيمكن تلخيص فكرته كالتالي: تخيل شيطانًا صغيرًا يجلس على الصندوق، ويمتاز برؤية جبارة بحيث يمكنه أن يراقب بدقة حركة جميع جزيئات الهواء داخل الصندوق.
الآن، وبشكل حاسم يتحكم شيطان ماكسويل بالصندوق ويقسمه إلى نصفين، وفي كل مرة يرى جزيئًا سريع الحركة يقترب من الحاجز من الجانب الأيمن، يفتحه ويسمح له بالمرور إلى اليسار. وفي كل مرة يرى جزيئًا بطيئًا يقترب من الحاجز الأيسر، يفتحه ويسمح للجزيء بالمرور إلى اليمين. وبمرور الوقت سوف تتراكم كل الجزيئات الساخنة سريعة الحركة على الجانب الأيسر من الصندوق وكل جزيئات الباردة بطيئة الحركة على اليمين. بشكل حاسم، قام الشيطان بهذا الفرز بدون أي شيء سوى معلومات حول حركة الجزيئات. بمعنى آخر، يقول شيطان ماكسويل يقول أنه بمجرد الحصول على معلومات حول الجزيئات، يمكنك إنشاء نظام من الفوضى ولكن سرعان ما تلاشت هذه الفكرة في القرن التاسع عشر. أظهر علم الديناميكا الحرارية بوضوح شديد أنه بمرور الوقت، ستزداد إنتروبيا الكون واضطرابها دائمًا إذ تتجه كل الأشياء في الكون إلى الانهيار. لكنّ شيطان ماكسويل اقترح أنه يمكنك إعادة الأشياء معًا دون استخدام أي طاقة على الإطلاق، فقط باستخدام المعلومات يمكنك إنشاء النظام. سيُثبَت مع مرور أنها مشكلة صعبة للغاية لحلها لأسباب ليس أقلها أنّ ماكسويل اللامع قد توصل إلى فكرة وُلدت قبل وقتها بكثير. إنه لأمر مدهش، التأثير الذي أحدثه على الفيزياء، وأنه توصل إلى هذا المفهوم المعقد للغاية وأنه توقع مسبقًا فكرة المعلومات بشكل ما. لم يكن هناك في الواقع في ذلك الوقت، لم يكن هناك شيء من هذا القبيل. لم يكن لدى ماكسويل حقًا حل، لقد طرحه كمصدر قلق وتركه مفتوحًا وتبع ذلك حوالي 120 عامًا من النقاش والتطوير المثير للغاية لمحاولة حل ومعالجة هذا الفكرة.
شيطان ماكسويل
قد يبدو الأمر بعيد المنال وخياليًا، لكن تخيل عزيزي القارئ الاحتمالات إذا استطعنا بناء آلة في العالم الحقيقي يمكنها محاكاة أفعال الشيطان. يمكننا استخدامها لتسخين فنجان من القهوة أو لتشغيل محرك أو تشغيل مدينة وكل ذلك باستخدام لا شيء أكثر من مجرد معلومات. يبدو الأمر كما لو أنه يمكننا إنشاء نظام في الكون دون بذل أي طاقة. شعر العلماء بشكل بديهي أنه يجب أن يكون هنالك خطأ في هذه الفكرة. كانت المشكلة أن الأمر سيستغرق أكثر من 100 عام لحل المشكلة. فبينما كان لغز ماكسويل محل جدل، حدث شيء غير متوقع تمامًا، إذ اُبتكر جهاز جديد يمكنه أداء مهام لا تصدق ومعقدة تمامًا عن طريق معالجة المعلومات ببساطة. هذا الجهاز هو ما يعرف باسم الحاسوب أو جهاز الكمبيوتر.
يُعد “آلان تورينج” أول شخص تصور الكمبيوتر الحديث وهي آلة وظيفتها الوحيدة هي التلاعب بالمعلومات ومعالجتها. ظهرت فكرة تورينج المذهلة لأول مرة في ورقة رياضية نشرت عام 1936. في حياته القصيرة، قدّم تورينج أفكارًا جديدة ورائدة لمجموعة كاملة من الموضوعات، بدءًا من التشفير وانتهاءً بعلم الأحياء. لكن بالنسبة لمعظم العلماء، تُعد المفاهيم التي قدّمها في الورقة العلمية ذات الست وثلاثين صفحة هي التي ميزته حقًا وجعلته يستحق لقب “العبقري”.
نشر تورينج ورقته العلمية عندما كان عمره 24 سنة فقط وكانت حول الأعداد المحسوبة مع تطبيق على «مسألة اينتشدينجسبر-Entscheidungsproblem» لحلها بناءً على أسس المنطق الرياضي. المدهش في ذلك هو أن فكرة الكمبيوتر الحديث ظهرت ببساطة كنتيجة لمنطق تورينج الرائع. شرع تورينج في فهم ما إذا كان يمكن إجراء عمليات معينة في الرياضيات ببساطة عن طريق اتباع مجموعة من القواعد. وهذا ما سيجعله يفكر في أجهزة الكمبيوتر. في عام 1936، كان لكلمة “كمبيوتر” معنى مختلف تمامًا عما تفعله اليوم؛ إذ كانت تعني شخصًا حقيقيًا بقلم رصاص وورقة يشارك في العمليات الحسابية. وظفت البنوك العديد من هؤلاء الأشخاص وغالبيتهم من النساء لتسديد مدفوعات الفائدة ووظفتهم دائرة الإيرادات الداخلية لتحديد مقدار الضريبة المراد تحصيلها كما وظفتهم المراصد لحساب البيانات الملاحية.
ما فعله تورينج في ورقته البحثية عام 1936 هو طرح سؤال بسيط ولكنه عميق: “ما الذي يدور في ذهن الشخص الذي يجري عملية حسابية؟” للقيام بذلك، كان عليه أولاً أن يتجاهل كل التفاصيل الزائدة عن الحاجة بحيث يبقى جوهر عملية الحساب فقط. تساءل تورينج، “ما الذي يدور في دماغ الكمبيوتر البشري؟” إنه نظام بيولوجي معقد للغاية قادر على الوعي والتفكير والبصيرة ولكن بالنسبة لتورنج، لم يكن أي من هؤلاء مهمًا لعملية الحساب أيضًا. أدرك تورينج أنه لحساب شيء ما، يجب اتباع مجموعة من القواعد بدقة. رأى عقل تورينج اللامع أن أي حساب له جانبان: البيانات والتعليمات الخاصة بما يجب فعله بالبيانات وسيكون هذا هو مفتاح رؤيته. كان على تورينج إيجاد طريقة لجعل الآلات تفهم التعليمات مثل الجمع والطرح والقسمة والضرب وهكذا، بنفس الطريقة التي يعمل بها البشر. بعبارة أخرى، كان عليه أن يجد طريقة لترجمة التعليمات هذه إلى لغة يمكن للآلات فهمها. ومن خلال منطق لا تشوبه شائبة، فعل تورينج ذلك بالضبط، فما قد يبدو لك كسلسلة عشوائية من الآحاد والأصفار، هو بالنسبة لآلة الحوسبة مجموعة من التعليمات يمكن قراءتها خطوة بخطوة وإخبار الآلة بالتصرف بطريقة معينة.
لذلك، بينما يمكن لجهاز كمبيوتر بشري(الإنسان) أن ينظر إلى رمز عملية الضرب (X) ويفهم العملية المطلوبة، يجب أن يفسر هذا الرمز لجهاز الكمبيوتر بالشكل التالي مثلًا (11000111) تُخزن هذه التعليمات فيما يُعرف حاليًا بذاكرة الكمبيوتر. وكلما أردت أن تجعل جهازك أكثر فاعلية، ينبغي أن تكون حجم الذاكرة أكبر. يمكن أن تحمل الذواكر الأكبر تعليمات معقدة ومتعددة الطبقات حول كيفية معالجة وطلب أي نوع من المعلومات التي يمكن تخيلها. بذاكرة كبيرة بما يكفي، سيكون الكمبيوتر قادرًا على تنفيذ عدد غير محدود من المهام تقريبًا. تكمن القوة الحقيقة لفكرة تورينج في تحويل التعليمات إلى رموز يمكن للآلة فهمها؛ إذ تسمح لك بإعادة إنشاء ليس فقط صورة أو صوت بسيط، ولكن يمكن إنشاء نظام يتغير ويتطور بل استطاع العلماء إنشاء محاكاة للكون كله ولسلوك الثقوب السوداء. من خلال التلاعب بالرموز البسيطة، تستطيع أجهزة الكمبيوتر قادرة على التقاط الجوهر وترتيب العالم الطبيعي نفسه.
سيكون من السهل جدًا التفكير في أنه بعد أن أصبحت أفكار تورينج حقيقية، سيُطلق إطلاق العنان للقوة الحقيقية للمعلومات ولكن تورينج كان نصف القصة فقط؛ إذ يتطلب عصر المعلومات الحديث فكرة أخرى، فكرة من شأنها تحديد طبيعة المعلومات أخيرًا وعلاقتها بنظام الكون وفوضى. هذه الفكرة كانت من إبداع من عالم رياضيات ومهندس موهوب وغريب الأطوار يُدعى«كلاود شانون-Claude Shannon».
في عام 1948، نشر كلاود شانون ورقة علمية حول النظرية الرياضية للاتصالات. قد يبدو العنوان جافًا بعض الشيء ولكنها تُعد واحدة من أهم الأوراق العلمية في القرن العشرين. لم يقتصر الأمر على وضع الأسس لشبكة اتصالات العالم الحديث، بل أعطانا رؤى جديدة للغة البشرية في أشياء نقوم بها بشكل حدسي مثل التحدث والكتابة. عمل شانون في مختبرات بيل في نيو جيرسي التي تُعد الذراع البحثية لمؤسسة “بيل للهواتف” الشهيرة.
واجهت شبكة هواتف بيل مشكلة كبيرة فقد كانوا ينقلون كميات هائلة من المعلومات يوميًا جميع أنحاء العالم ولكن لم تكن لديهم فكرة حقيقية عن كيفية قياس هذه المعلومات بشكل صحيح، أي أن كل عملهم بُني بالكامل على شيء ما لم يفهموه في الواقع. ولكن كل ذلك سيتغير بفضل موظفهم العبقري شانون، ففي ورقته العلمية توصل شانون إلى شيءٍ لا يصدق تمامًا؛ إذ استطاع تفسير المفهوم الغامض للمعلومات وتمكن من تحديده. الجدير بالذكر أنه لم يفعل ذلك باستخدام بعض التعريف الفلسفي المصاغ بذكاء بل وجد بالفعل طريقة للقياس
المعلومات الواردة في الرسالة بشكل مذهل، أدرك شانون أن كمية المعلومات في الرسالة لا علاقة لها بمعناها. بدلاً من ذلك، أظهر أن الأمر مرتبط فقط بمدى غرابة الرسالة. لذا فإن الأخبار التي نسمعها يوميًا بالتلفاز ونقرأها بالصحف هي أخبار لأنها غير متوقعة وكلما كانت غير متوقعة، زادت أهميتها. لذلك إذا كانت أخبار اليوم مماثلة لأخبار الأمس، فلن تكون هناك أخبار على الإطلاق. وسيكون محتوى المعلومات هذا صفرًا. بمعنى آخر، أصبح لدينا علاقة بين عدم التوقع والمعلومات.
ورقة شانون العلمية في تظرية الاتصالات
لم يتوقف شانون عند هذا الحد بل أعطى المعلومات وحدة قياس خاصة بها. ولكن كيف فعل هذا؟ أظهر شانون أن أي رسالة تهتم بإرسالها يمكن ترجمتها إلى أرقام ثنائية أي سلسلة طويلة من الآحاد والأصفار. لذلك يمكن كتابة تحية بسيطة مثل مرحبا “Hello” على الشكل التالي مثلًا (010010001000100). أدرك شانون أن تحويل المعلومات إلى أرقام ثنائية سيكون عملاً قويًا للغاية من شأنه أن يجعل المعلومات قابلة للتحكم فيها أظهر شانون في ورقته البحثية أن الرقم الثنائي الفردي – أحد هذه الآحاد أو الأصفار – هو الوحدة الأساسية للمعلومات. فكر في الأمر على أنها ذرة معلومات أي أنها أصغر قطعة ممكنة. ثم بعد تحديد هذه الوحدة الأساسية، أعطاها الاسم الشهير الذي نعرفه حاليًا “البت” والذي يعني خانة ثنائية. بفضل شانون، أصبحت البت اللغة المشتركة لجميع المعلومات.
يمكن تحويل أي شيء سواءً الأصوات والصور والنصوص إلى سلسلة من الخانات الثنائية. أسس شانون نظرية جديدة بعيدة المدى فالأفكار التي بدأ استكشافها ستشكل حجر الزاوية لما نسميه الآن “نظرية المعلومات”. لقد اتخذ مفهومًا مجردًا -معلومات -وحوله إلى شيء ملموس فما كان مجرد فكرة غامضة أصبح الآن قابلاً للقياس.
إن فكرة التحويل الأشياء إلى خانات ثنائية وإضفاء السمات الرقمية لها، من شأنها أن تغير بشكل جذري العديد من جوانب المجتمع البشري لكن المعلومات ليست مجرد شيء يصنعه البشر. كل “جزء” من المعلومات التي أنشأناها وكل كتاب وكل فيلم، بل ومحتويات الإنترنت بالكامل لا ترقى بحجمها عند مقارنتها بمحتوى معلومات الطبيعة وذلك لأنه حتى أكثر الأحداث الضيئلة تحتوي على كمية مذهلة من المعلومات. فعلى سبيل المثال، تخيل كم عدد أجزاء المعلومات التي ستحتاجها لوصف ذلك التفاعل الجميل والمعقد للقوانين الفيزيائية الي تجري في جداول وأطر زمنية عادةً ما تكون غير محسوسة بالنسبة لنا. لكن حتى هنا ما زلت ترى جزءًا بسيطًا فقط من تعقيد الطبيعة. تخيل التفاعل بين تريليونات تريليونات من الذرات كم هي كمية “البتات” التي ستحتاجها لوصف هذه العملية؟
لكن المدهش أنه بفضل أفكار تورينج وشانون يمكننا وصف النماذج ومحاكاة الطبيعة بتفاصيل أكبر. لكن هذه ليست نهاية القصة فالمعلومات على ما يبدو ليست مجرد وسيلة لوصف الواقع. في السنوات القليلة الماضية اكتشفنا أن المعلومات هي في الواقع جزء لا يتجزأ من العالم المادي. إنها فكرة يصعب حقًا التعامل معها ولكن جميع المعلومات، من سيمفونية بيتهوفن إلى محتويات القواميس حتى أفكارنا العابرة تحتاج إلى أن تتجسد في شكل من أشكال النظام المادي. بشكل مثير للدهشة، يعود الفضل لفهمنا للعلاقة الحقيقية بين المعلومات والواقع لشيطان ماكسويل.
كما ذكرنا سابقًا استطاع شيطان ماكسويل استخدام معلومات جزئيات الهواء لإنشاء نظام في صندوق من الهواء بدأ مضطربًا تمامًا. علاوة على ذلك، يمكنه القيام بذلك دون بذل أي جهد. يبدو أن المعلومات قادرة على كسر قوانين الفيزياء. حسنًا، هذا ليس صحيحًا. السبب وراء عدم تمكن شيطان ماكسويل من الحصول على الطاقة مجانًا يكمن في رأسه. ما تم اكتشافه هو الشيطان في الحقيقة لا يستخدم أكثر من المعلومات لإنتاج طاقة مفيدة. لكن هذا لا يعني أنه يحصل على شيء مقابل لا شيء. تذكر كيف يعمل الشيطان؟ يكتشف جزيئًا سريع الحركة على جانب واحد من الصندوق، ويفتح الباب ويسمح له بالمرور إلى الجانب الآخر. لكن في كل مرة يفعل ذلك، عليه أن يخزن معلومات حول سرعة هذا الجزيء في ذاكرته. سرعان ما تمتلئ ذاكرته وبعد ذلك لا يمكنه الاستمرار إلا إذا بدأ في حذف المعلومات. سيتطلب هذا الحذف بشكل حاسم منه بذل طاقة. يحتاج الشيطان إلى الاحتفاظ بسجل للجزيئات التي تتحرك وإذا كان جهاز حفظ السجلات محدود الحجم، في مرحلة ما سيضطر الشيطان إلى محوه. هذه عملية لا رجعة فيها وتزيد من إنتروبيا النظام.
ما تم اكتشافه هو أن هناك حدًا أدنى معينًا ومحدودًا من الطاقة، والمعروف باسم «حد لانداور-Landauer limit»، وهو كمية الطاقة المطلوبة لحذف جزء واحد من المعلومات وهذا الحد متناهي الصغر بل إنه أقل من تريليون تريليون من كمية الطاقة في جرام من السكر ولكنها حقيقية وهي جزء من النسيج الأساسي للكون. بشكل مثير للدهشة، يمكننا الآن إجراء تجارب حقيقية تختبر جوانب فكرة ماكسويل. باستخدام الليزر وجزيئات الغبار الدقيقة، اكتشف العلماء في جميع أنحاء العالم العلاقة بين المعلومات والطاقة بدقة لا تصدق. لا تزال تجربة ماكسويل الفكرية التي راودته في عصر المحركات البخارية في طليعة البحث العلمي اليوم.
يربط شيطان ماكسويل بين اثنين من أهم المفاهيم في العلوم وهما دراسة الطاقة ودراسة المعلومات ويظهر أن الاثنين مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. ما نعرفه الآن هو أن المعلومات، بعيدًا عن كونها مفهومًا مجردًا، تخضع لنفس قوانين الفيزياء مثل أي شيء آخر في الكون. المعلومات ليست مجرد فكرة مجردة وليست مجرد صيغة رياضية تكتبها على الورقة. المعلومات في الواقع تحملها شيء ما أي أن هناك ناقل حيث توجد المعلومات سواء كان خذا الوسط حجر طيني أو كتاب أو قرص مضغوط فهذا يعني أن المعلومات تتصرف وفقًا لقوانين الفيزياء. لذلك لا يمكن كسر قوانين الفيزياء. ما تعلمته البشرية خلال آلاف السنين الماضية هو أنه لا يمكن فصل المعلومات عن العالم المادي. لكن هذا ليس عائقا. ما يجعل المعلومات قوية للغاية هو حقيقة أنه يمكن تخزينها في أي نظام مادي نختاره. في الوقت الحالي، يستكشف العلماء طرقًا جديدة لمعالجة المعلومات باستخدام كل شيء بدءًا من الحمض النووي ووصولًا إلى الجسيمات الكمومية. يأمل العلماء أن يؤدي هذا العمل إلى دخول عصر معلومات جديد. ما نعرفه الآن هو أننا في بداية رحلتنا لإطلاق العنان لقوة المعلومات. كان من الواضح دائمًا أن إنشاء نظام مادي -الهياكل التي نراها حولنا – لها تكلفة. نحن بحاجة إلى القيام بعمل لإنفاق الطاقة لبنائها. لكن في السنوات القليلة الماضية، تعلمنا أن طلب المعلومات وإنشاء الهياكل الرقمية غير المرئية للعالم الحديث له أيضًا تكلفة لا مفر منها.
بقدر ما تبدو المعلومات مجردة وأثيرية، فإننا نعلم الآن أنه يجب دائمًا تجسيدها في نظام مادي وهذه فكرة مثيرة بشكل لا يصدق. فكر في الأمر بهذه الطريقة -يمكن استخدام قطعة من الصلصال لكتابة قصيدة ويمكن أن تحمل جزيئات الهواء صوت السمفونية. والفوتون الفردي يشبه فرشاة الدهان. يمكن اعتبار كل جانب من جوانب الكون المادي بمثابة لوحة بيضاء نستخدمها لبناء الجمال والبنية والنظام.
BBC
britannica
scientificamerican
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…
View Comments