نانجيلي: تضحية فتاة من أرض السيدات ذوات النهود . هل سمعت يومًا عن أرض السيدات ذوات النهود؟ لا ليست مكانًا خياليًا ابتدعه كاتب في رواية ما، لكنها قرية تقع في جنوب الهند شهدت أحداثًا مريعة وظلمًا جسيمًا اكتسبت بسببه هذا الاسم. فما قصة هذه القرية؟
محتويات المقال :
تقع قرية «مولاتشي بورام-Mulachhipuram» أو أرض السيدات ذوات النهود ضمن مملكة «تراڤنكور-Travancore» قديمًا، ولاية «كيرالا-Kerala» حاليًا. وشهدت هذه القرية كما الحال مع أغلب مناطق جنوب الهند طبقية وظلمًا شديدين، عانى منه الرجال والنساء معًا.
قبل الحديث عن قصة هذه القرية، دعونا نسرد خلفية عن تاريخ النظام الطبقي في الهند، الذي ساهم بشكل مباشر في وقوع الظلم على كثير من الضحايا.
دخل الهنود الأوروبيون الهند في القرن الثاني قبل الميلاد. وجاءت معهم تعاليم «الڤيدا-vedas» وهي أقدم النصوص المقدسة في الهند ومنها نشأت الهندوسية.
حظي رجال الدين في الهند بمكانة مميزة. وبحلول القرن الثامن الميلادي استأثر رجال الدين/الكهنوت الهندوسي بالنفوذ والسلطة، وقضوا على معابد البوذية وتعاليمها ونشروا الهندوسية بدلًا منها.
ومن هنا بدأ النظام الطبقي في البلاد، الذي وصل ذروته في القرن التاسع عشر الميلادي. فنجد الهند تتبع نظامًا هرميًا يقع رجال الدين الذين عرفوا بـ «البراهميين-Brahmins» على قمته، يليهم الحكام والمحاربين، ثم المزارعين والتجار، وأخيرًا العمال والخدم والفلاحين.
قديمًا قبل سيادة رجال الدين لم يعرف الهند النظام الطبقي. وإنما صنف الأشخاص حسب وظائفهم إلى صيادين ومطربين ومزارعين وعمال وتجار. لكن بحلول القرن الثامن الميلادي وارتقاء البراهميين قمة الهرم الاجتماعي تغير كل شيء. فلم يكتفوا بالسلطة الدينية فحسب وإنما تدخلوا في شئون المجتمع والسياسة والاقتصاد. وساقوا لذلك الذريعة الأشهر على الإطلاق وهم أنهم مبعوثون من الآله، وأن تميزهم وسلطتهم تنفيذًا لرغباته.
بناءًا على ذلك فرضوا عددًا من القواعد الصارمة منها:
عُرفت الطبقة الأدنى في الهرم الاجتماعي بطبقة «الشودرا-Shudra» وهم كما ذكرنا من يشغلون أعمالًا متواضعة ويقع عليهم ظلمًا كبيرًا من أفراد الطبقات الأعلى.
لم تسلم سيدات هذه الطبقة من نفوذ الطبقات الأعلى، فأُمرت بالخضوع لرجال الدين وتلبية رغباتهم دائمًا. فكان يحق لأي رجل من رجال الدين أن يدخل أي بيت ويمارس الجنس مع أي من سيداته دون اعتراض، بل كان يُعد هذا نوعًا من المباركة التي تقع على العائلة. ومن تجرؤ على الاعتراض يعاقبها الحاكم وتوصم بالعار.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل بُنيت بيوت الطبقة الدنيا بحيث يؤدي السلم الخارجي مباشرة إلى الطابق العلوى حيث تعيش نساء البيت، وهكذا يُمكن لرجال الدين الصعود مباشرة دون الدخول. نتيجة لهذه الممارسات المهينة كان يصعب تحديد هوية والد أي طفل، وساد النظام الأمومي في المجتمع.
شهد القرن التاسع عشر ظهور قانون مجحف جديد، وهو منع سيدات الطبقات الدنيا من تغطية صدورهن في أي وقت وأي مكان. ومن تجرؤ على ذلك تفرض عليها ضريبة عُرفت بـ «ضريبة الثدي-Breast Tax» تم تحديد هذه الضريبة بناءًا على إجراء مهين، وهو تقييم شكل ثدي كل امرأة وحجمه، وكلما زاد حجمه كلما زادت الضريبة.
أُمرت السيدات بالالتزام بكشف أجسادهن لأنها بادرة احترام وتقديس، كذلك كتذكير بمكانتهن الأدنى من غيرهن. واُستثنى من ذلك بالطبع سيدات الطبقات الأعلى.
يقص أحد المؤرخين أنه عند مرور موكب الملك، يجب على جميع السيدات كشف النصف العلوي من أجسامهم ونثر الورود أمام الملك، يستثنى من ذلك نساء رجال الدين، أما بقية السيدات بما فيهن السيدات في شرفات المنازل فيجب عليهن ذلك.
شهدت هذه الضريبة عددًا من التغيرات على مدار النصف الأول من القرن التاسع عشر. فظهر قانون يمنح الحق للسيدات المسيحيات في وضع رداء علوي يغطي صدروهن، ونتيجة لذلك اعتنقت كثير من سيدات الطبقات الأدنى المسيحية للتمتع بهذا الحق. لكنهن للأسف لم يسلمن من الاعتداءات والظلم، فعمد رجال الطبقات الأعلى إلى إهانة هؤلاء السيدات وتمزيق ألبستهن، مستخدمين عصا طويلة مثبت بطرفها بسكين (ملتزمين بقاعدة النبذ)
وأخيرًا نتيجة لعدم رضا الطبقات الأعلى تم إلغاء هذا القانون. لأنه ينشر “التلوث” في المجتمع فلا يمكن التفريق بين أفراد الطبقات العليا والدنيا.
استمرت اعتراضات السيدات ورفضهن لضريبة الثدي. واستمررن بتغطية صدورهن -مسيحيات كُن أو هندوسيات- حتى بعد إلغاء القانون. أبرز قصص الاعتراض على هذا القانون المجحف هي قصة نانجيلي، فتاة من أرض السيدات ذاوت النهود.
عام 1859م رفضت «نانجيلي-Nangeli» إحدى فتيات قرية مولاتشي بورام، أرض السيدات ذوات النهود، دفع ضريبة الثدي حينما خرجت برداء يغطي نصف جسدها العلوي.
حينما سمع موظفو الملك ذلك ذهبوا إلى بيتها ليجبروها على دفع الضريبة. ضاقت نانجيلي بالإهانة وتملكها الغضب فأسرعت إلى السكين وقطعت ثدييها لتقدمهما إلى موظفي الملك. فقدت نانجيلي الكثير من الدماء، فضعف جسدها وماتت على الفور.
استبد الحزن بزوج نانجيلي ولم يطق فألقى نفسه في المحرقة مع جثتها، ولم يكن للزوجين أي أبناء. نتيجة لتضحية نانجيلي الفريدة، تم إلغاء ضريبة الثدي في اليوم التالي، وانتهت بعدها إلى الأبد.
الأمر المحزن أن قصة نانجيلي لم تصل إلى التاريخ. ولا يعرفها سوى أهالى قريتها والمناطق المحيطة. أما تضحية تلك السيدة الفريدة فلم توثق تاريخيا، ولم يحتفي بها أحد.
بل قامت الهيئة المركزية للتعليم الثانوي في الهند في قرار مهين، بمحو قصتها وقصص غيرها من ثوار الشودرا من المناهج الدراسية.
اقرأ أيضًا: التنافر المعرفي
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…