في سجلات الحضارات القديمة، تظهر مملكة ميتاني، ملتفة بالغموض والعظمة. إذ تقع ميتاني في قلب بلاد ما بين النهرين، وتتردد تأثيراتها عبر ممرات الزمن، صدى لقصص القوة مع تكشف تدريجي لرمال التاريخ عن عالم ميتاني الغامض. كاشفًا عن عالم شهد صراعات إمبراطوريات، وتشكلت فيه تحالفات، وازدهرت فيه حضارة وسط تيارات مضطربة في الشرق القديم.
محتويات المقال :
من هم الحوريون
الحوريون من الشعوب الغير سامية وقد ظهروا في التاريخ من منتصف الألف الثالث ق.م، حيث كانو ممثلين بأعداد قليلة في شمال بلاد النهرين شرقي نهر دجلة. ثم زاد عددهم منذ عهد سلالة أور الثالثة ، وزادت مساحة الأراضي التي شغلوها وأصبح لهم كيان سياسي. وفي ذلك الحين كان الساميون اكثرية في وسط الفرات وجنوب سورية وفلسطين.
تاريخ ونشأة مملكة ميتاني
بدأت مرحلة تكون دولة ميتاني بعد اغتيال الملك الحثي مورشيلي الأول. الذي بدأ حكمه نحو عام 1620ق.م، فمنذ ذلك الحين أخذ الحوريون والحثيون يتبادلون الغزوات. عبر المنطقة الجبلية الفاصلة بين سورية وبلاد الأناضول. ويبدو أن نشوء ميتاني حينذاك كان قائماً على تحالف من عدة كيانات سياسية حورية.
وفي مطلع القرن الخامس عشر قبل الميلاد. ظهر اسم ميتاني أول مرة في نقوش المقابر المصرية، أما النصوص الآشورية فقد كانت تشير إلى هذه المملكة باسم خانيغَلبات. كما أوردت المصادر المصرية القديمة الاسم السوري لهذه المملكة، وهو نهارينا أو نهريما.
أهم ملوك المملكة
لا يعرف سوى القليل عن الملوك الميتانيين الأوائل؛ بسبب تدمير ثقافتهم لاحقًا على يد الآشوريين. لكننا نعرف أسماءهم من المراسلات التي جرت بينهم وبين الدول الأخرى في زمانهم. ويبدو أن أهم ملوك ميتاني من القرن 16 ق.م هم: كيرتا وابنه شوتارنا الأول وباراتارنا ، أما الملك ( شوشتاتار). فقد وسع حدود دولته بفتحه ألالاخ ونوزي وآشور وكيزواتنا. هَزمت مصر (بقيادة تحوتمس الثالث الذي حكم نحو 1479-1425 ق.م) جيوشَ ميتاني في حلب بعد صراع طويل حول السيطرة على منطقة سوريا.
في عهد الملك شوتارنا الثاني، بلغت مملكة ميتاني قمة مجدها ونفوذها وصارت عضوًا في ما يُعرف اليوم بنادي القوى العظمى الذي يضم أقوى دول المنطقة حينها: مصر وبابل وحاتي (مملكة الحيثيين بالأناضول). وأكثر عهود ملوك ميتاني توثيقًا هي عهدي شوتارنا الثاني وابنه توشراتا، وسبب ذلك هو المراسلات المعروفة برسائل العمارنة، وحتى هذين العهدين ليسا مكتملين.
الحرب مع مصر
اتسع نطاق مملكة ميتاني، مما أثار القوى الكبرى المعاصرة، وسعى الحثيون والآشوريون إلى التحالف معهم ضدها. وتأثرت المملكة بذلك، واضطر ملكها سوشتتر نحو1420ق.م إلى عقد اتفاق سلام وتعاون مع مصر حفاظاً على وحدة مملكته. بل مدّ نفوذه إلى سهل كيليكية أيضاً، وهذا ما أثار الملك الحثي توتخاليا الأول، فقام بحملات على حلب وشمالي سورية.
توثق التحالف الحوري المصري أكثر في مطلع القرن الرابع عشر ق.م. بعقد مصاهرات سياسية، فاقتصرت السيادة المصرية على المناطق الساحلية إلى أوجاريت (رأس شمرا)، والداخلية إلى سهل حمص. ثم ظهرت صراعات دموية ضمن الأسرة الحاكمة في ميتاني حول وراثة العرش. بعد موت ملكها شترنا الثاني، فتوقفت الصلات مع مصر، واستقلت مناطق نينوى (الموصل).
كما ظهرت بوادر تحالف حثي آشوري ضد ميتاني، ثم أعاد حسن العلاقات مع مصر بمصاهرة جديدة دونت أخبارها في «رسالة ميتاني» المكتشفة في تل العمارنة جنوبي مصر، وتعد أهم وثيقة لغوية وأطول نص باللغة الحورية، حتى اليوم. وهي تتحدث عن المفاوضات المتعلقة بزواج ابنة الملك توشراتا (تادوخيبا). أو باللغة الحورانية تتو ـ خِبا (نفرتيتي) من الفرعون أمنوفس الثالث في أواخر عهده. وهناك بعض التكهنات في هذا الصدد تدعي أن نفرتيتي و تادو-هِبا هي امرأة واحدة.
اللغة والكتابة
اعتمد الحوريون الكتابة المسمارية في تدوين لغتهم الهندو ـ آرية، كما دونوا وثائق باللغتين الأكادية والحثية. انتشرت لغتهم على نطاق واسع عند اتساع مملكتهم في أواسط الألف الثاني ق.م، وصارت تأخذ مكانها ضمن المعاجم متعددة اللغات.
كما تم العثور على مجموعات من الوثائق الحورية في نوزي (جنوبي كركوك) ومحيطها. وفي ماري (تل الحريري) وإيمار (تل مسكنه) على الفرات الأوسط. وفي أوغاريت، وفي العاصمة الحثية حاتوشا (بوغازكوي شرقي أنقرة)، كما ترد تعابير ومفردات وأسماء أعلام حورية. في كثير من الوثائق المكتوبة المكتشفة في مناطق الشرق القديم المختلفة.
أهم الالهة
عبد الحوريين آلهة خاصة، طابقوها بمرور الزمن. مع آلهة معروفة في بلاد الرافدين وسورية، ومن أقدمها آلهة إيبلا ومنها (أشتبي، أدمّا، إشخارا). أما أبرزها فهو كمَربي أبو الآلهة، وقد صارت مدينة أوركيش المركز الرئيس لعبادته.
ومن الآلهة التي عبدوها : تشوب ملك الآلهة وإله الطقس، ثم في حلب وإبلا، وقرينته خِبات التي تمتعت بمكانة متميزة في شمالي سورية، والهة الحب والحرب شاووشكا (عشتار الحورية)، وشيميك إله الشمس. وكُشُخ إله القمر، وغيرها. كما أسهمت الهجرة الحورية الثانية التي أثمرت عن نشوء مملكة ميتاني في انتشار عبادة آلهة هندو ـ آرية قديمة (ميثرا، فارونا، إندرا، ناستيا) في المنطقة.
بالإضافة إلى أن الحوريين مارسوا شعائر دينية خاصة، وكانت لهم أعياد محددة الزمان. وقد احتفلوا بها في المعابد وفي غابات صغيرة مقدسة. وركزت الشعائر على مسائل تطهير الروح والبركة الإلهية والتفكير والتأثيرات السحرية، كما اهتم الحوريون بالتعويذات والنبوءات والكهانة والعرافة. وتأثر الحثيون وغيرهم بالمعتقدات الدينية الحورية.
آثار مملكة ميتاني
تعد آثار الحوريين المادية المكتشفة قليلة نسبياً، فالعاصمة وشّوكاني لم تكتشف بعد. والتنقيب في أوركيش مازال يركز على القصر الملكي العائد إلى 2250ق.م تقريباً.
إذ عثر على آثار حورية متفرقة وفي مواقع متباعدة، ويصعب الحديث حالياً عن خصائصها العامة المشتركة، ما نجده في النماذج الفخارية المعروفة بـ«فخار نوزي» المتميزة بأسلوب تشكيلها وزخرفتها وألوانها، وكذلك في «أختام كركوك» الأسطوانية المتميزة بموضوعات المشاهد المصورة عليها وبمادة صنعها وأسلوب النقش فيها.
نهاية مملكة ميتاني
بدأت علامات الضعف بالظهور على ميتاني في أواخر عهد الملك تشراتّا، إذ ازدادت الدولة الحثية المنافسة قوة في عهد ملكها سوبيليليوما الأول. الذي تمكن من الاستيلاء على كركميش نحو عام 1340ق.م.
في ذلك الحين دبت الخلافات بين أعضاء الأسرة الحاكمة. وأصبحت ميتاني تابعة للدولة الآشورية. ولم تستطع مصر مساعدة حليفتها السابقة ميتاني؛ بسبب الضعف الذي كانت تعانيه على أثر حركة أخناتون الدينية. وما ترتب عليها من مشكلات داخلية.
بذلك مهد كله الفرصة للملك الآشوري شلمنصـر الأول. لكي يوجه الضربة الأخيرة لميتاني ليلحقها بالدولة الآشورية ويهجّر 14400 نسمة من سكانها. أما بقية الحكام الميتانيين فقد انسحبوا إلى الشمال الشرقي. وهناك أنشؤوا مملكة صغيرة عرفت باسم حوري التي أصبحت نواة لدولة أورارطو في الألف الأول قبل الميلاد.
المراجع
1. britannica
2. Worldhistory
3. Britannica
4. Historyfile
5. Researcher
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :