Ad

تعد مملكة كوش واحدة من الحضارات القديمة في التاريخ، وبرزت في منطقة وادي النيل بجنوب مصر والسودان الحاليين. نشأت كوش كقوة إقليمية مؤثرة ما بين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد. واشتهرت بثقافتها المزدهرة، وهياكلها المعمارية المذهلة مثل الأهرامات والمعابد. هذه المملكة الغنية بالتاريخ تظل شاهداً على براعة الإنسان في بناء الحضارات المزدهرة في قلب أفريقيا. تابعوا معنا في المقال لنتعرف عليها اكثر

لمحة تاريخية عن كوش

كوش هو الاسم الذي أطلقه المصريون القدماء على بلاد النوبة العليا التي تقع في  أقصى شمالي السودان الحالي. وتمتد على جانبي نهر النيل من الشلال الثاني إلى دنقله في الجنوب. وقد قامت في هذه المنطقة مملكة حملت الاسم نفسه، وظهرت قوتها في مراحل ضعف الدولة المصرية.

ويتساوى تاريخ مملكة كوش مع مراحل التاريخ المصري القديم، وقد خضعت هي لنفوذ الدولة المصرية القديمة (2780-2230ق.م) والدولة المصرية الوسطى. وتذكر النصوص أن سنفرو مؤسس الأسرة المصرية الرابعة و(ساحورع) و(مزرع) من ملوك الأسرة الخامسة قد غزوا بلاد النوبيين وقبائلهم، ولكن هذه القبائل كانت تتمرد كلما أحسّت بضعف مصر.

حضارة كوش

تمتد حضارة “كوش” القديمة على سهل منبسط، خلال الحقبة التاريخية من عام 2500 قبل الميلاد حتى القرن الرابع الميلادي، واحتوت تلك الفترة الزمنية صعود وزوال ثلاث ممالك هي “كرمة”، و”نبتة”، و”مروي”، كإطار معبر عن حضارة “كوش”. وبين المعابد الصخرية والسهلية. ينفتح مسرح الفضاء الاحتفالي مازجاً بين الطبيعة التي يجسدها جبل “البركل” وجبال أخرى، تتضح براعة ملوك “كوش” باستلهام مبان حضرية تعكس تقدمهم على زمانهم.

انقسمت مملكة كوش إلى فترتين، الفترة الأولى هي الفترة النبتية، نسبة لمدينة نبتة، العاصمة الأولى لمملكة كوش، التي استمرت من عام 750 قبل الميلاد وحتى 270 قبل الميلاد. وامتدت الفترة الثانية من عام 270 قبل الميلاد إلى 300 ميلادية. حيث أصبحت مدينة مروي التاريخية عاصمة لمملكة كوش في هذه المرحلة. بدءاً من عام 750 قبل الميلاد اعتبرت مروي المركز الإداري الجنوبي لمملكة كوش، في وقت كانت فيه مدينة نبتة عاصمة لها، ولاحقا أصبحت مروي منطقة واسعة ومزدهرة. وسنتحدث عنها لاحقاً في هذا المقال.

بداية الحكم وأهم الملوك

يبدأ التاريخ الفعلي لمملكة كوش السودانية حوالي عام 2500 قبل الميلاد. ويذكر أن أول ملك لكوش والمعروف تاريخيا هو(كاشتا)، وفي عهده تم أول غزو كوشي معروف لصعيد مصر والذي أعقبته هيمنة كوشية كاملة على معظم أراضي مصر على يد خليفته (بعانخي). وبعد وفاة (بعانخي) اعتلى مقاليد العرش الكوشي عدد من الملوك أشهرهم اسبالتا و (تهراقة) الذي أشارت إليه النقوش الأشورية بملك مصر وكوش. وبعد إجلاء الكوشيين عن مصر بدأت ما تعرف بالفترة النبتية الثانية (540-663 قبل الميلاد) وهي الفترة التي اقتصر فيها حكم ملوك كوش على دولة كوش فقط.

كما ظهر فيما بعد الملك اركماني الاول، الذي نقل العاصمة الكوشية من مدينة نبتة إلى مروي بشكل تدريجي. ويُرجَّح أنه من عزّز مكانة مروي كمركز للحضارة الكوشية عندما أصبح أوّل ملك يُدفن فيها. وبعزيمة خوّلته أن يكون ملكاً، ويقع الهرم الذي دُفن فيه بالمقبرة الجنوبية. وقد اكتُشف بين عامي (1826-1827).

تمثال الملك الكوشي أسبالتا في العصر النبتي ( 580 _ 610 ) قبل الميلاد.

اللغة المروية

اللغة المروية هي واحدة من اللغات التي تخاطب بها الكوشيين في منطقة مروي. وقد تحدث بها ملوك وشعب نبته وإن لم يكتبوها. أسماء ملوك نبته تأخذ معاني وقواعد اللغة المروية مثل إسم الملك (كاشتا) أو (كاشتو) والذي يعني حرفياً، الكوشي. وكانت هذه اللغة مكتوبة بنظامين مختلفين من الكتابة الكتابة المروية الهيروغليفية، والتي كانت تستخدم للنقوش الملكية والدينية، والكتابة المروية الديموطيقية، التي كانت تستخدم للأغراض اليومية.

الدين والعبادة

من ناحية الديانة التعبدية، كانت للكوشيين معبودات بعضها مصري الأصل، مثل: (رع وآمون رع وأوزير وإيزيس وحور )وغيرها، بكل صفاتها وأدوارها كما في الديانة المصرية، وبعضها الآخر كوشي مثل: (دودن وأبديماك وسبويمكر) وغيرها.

أما في الجانب الجنائزي، فإنهم آمنوا بحياة آخرة وبضرورة التزود لها بالعمل الصالح والوسائل المادية أيضًا، وهي ما تعرف بالأثاث الجنائزي اصطلاحًا، حيث يودع مع الميت في قبره، وبرفقته أدوات الحياة الدنيا، المنزلية والمهنية منها والتَّرويحية التي ألفها الميت في حياته الدنيا ويعتقد بأنه سيحتاج إليها في حياته الآخرة.

وتميزت فترة كرمة بدفن الملوك وأرباب الأسر الكبيرة مصحوبين ببعض ذويهم وخدمهم ليرافقوهم ويخدموهم في الحياة الآخرة حسب اعتقادهم. بينما كانت القبور تتفاوت في أحجامها، فهي عبارة عن حفر عميقة واسعة للحكام من الملوك والملكات، كما شيدت للملوك والملكات ونسلهم أهرامات تعلو قبورهم، وهي أصغر حجمًا من الأهرامات المصرية. وقد أظهرت النقوش الدينية التعبدية والجنائزية التأثير المصري والطابع المحلي في آن معا في الأفكار الدينية والاعتقادات.

الإقتصاد والتجارة

كانت مملكة كوش غنية الموارد الطبيعية، وأشهرها الذهب، فقد كانت كوش أكبر مصدر للذهب الوارد إلى مصر، بل واشتهرت به إلى القدر الذي كان يطلق عليه ذهب كوش. ورسومات جلبه إلى مصر موثقة في الوثائق المصرية القديمة. إلى جانب الذهب عرفت كوش بالحديد وصهره في مصاهر توقد بالأخشاب. وكانت أهم دول شريكة لتجارة كوش الخارجية تشمل كلا من مصر شمالاً، ومملكة أكسوم شرق ووسط إفريقيا. لذلك فقد كانت تتقاطع في كوش عدة طرق تجارية، أهمها طريق النيل شمالاً إلى مصر، ودرب الأربعين من غرب كوش ليلتقي بالنيل في منطقة دنقلا في الشمال.

بالإضافة إلى ثلاثة طرق أخرى شرقية أحدها يمتد للبحر الأحمر وآخر إلى أكسوم وثالث إلى الجنوب. ويتفرع إلى أكسوم بجانب منطقة القرن الإفريقي بأسرها وذلك فضلا عن شبكات التجارة الداخلية البرية والنهرية.

حروب مملكة كوش

شهدت مملكة كوش عدة حروب وصراعات على مدى تاريخها الطويل، والتي لعبت دوراً محورياً في تشكيل مسارها التاريخي. من أبرز هذه الحروب الحروب مع مصر حيث كانت العلاقة بينهما معقدة ومتقلبة. تضمنت فترات من التعاون  التبادل الثقافي، وفترات من الصراع. ومن أشهر الحروب بينهما عندما غزا الكوشيون مصر واسسو الأسرة الخامسة والعشرين.

الحروب مع مصر كانت العلاقة بين كوش ومصر معقدة ومتقلبة، تضمنت فترات من التعاون والتبادل الثقافي، وكذلك فترات من الصراع. إحدى أشهر هذه الحروب. كانت عندما غزا الكوشيون مصر وأسسوا الأسرة الخامسة والعشرين، المعروفة أيضاً بالأسرة النوبية، في القرن الثامن قبل الميلاد. قام ملوك كوش بحكم مصر حتى تم طردهم على يد الآشوريين في القرن السابع قبل الميلاد.

إلى جانب آخر كانت في صراعات مع الإمبراطورية الآشورية. فقد واجهت مملكة كوش تحديات من قبل الآشوريين. خاصة في فترة حكم الملك تهارقا الذي خاض عدة معارك ضد القوات الآشورية بقيادة الملك (أسرحدون) ومن بعده (آشوربانيبال).

أبرز مدن مملكة كوش

كانت مملكة كوش تحتوي على عدة مدن بارزة ومهمة، والتي لعبت دوراً حيوياً في تاريخها وثقافتها. من أبرز هذه المدن:

نبتة إذ كانت العاصمة الأولى لمملكة كوش وتعد مركزاً دينياً وسياسياً مهماً. في نبتة، تم بناء العديد من الأهرامات والمعابد، بما في ذلك جبل البركل، الذي كان يعتبر مكاناً مقدساً. ومروي أصبحت مروي العاصمة الرئيسية لمملكة كوش بعد نبتة، وازدهرت كمركز تجاري وثقافي كبير. اشتهرت مروي بصناعة الحديد، والتي كانت متقدمة بشكل كبير، وبأهراماتها المميزة التي تختلف في تصميمها عن تلك الموجودة في مصر.

بالإضافة إلى كرمة التي تعد واحدة من أقدم وأبرز المدن في مملكة كوش، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل. كانت مركزاً سياسياً وثقافياً قبل صعود نبتة ومروي، واشتهرت بمبانيها الضخمة ومقابرها الكبيرة.

آثار مملكة كوش

تضم مملكة كوش آثار ذات طابع حضاري عريق يعود إلى آلاف السنين ومن أبرز هذه الآثار ما يلي:

أهرامات مروي

تتواجد الأهرامات في مدينة مروي التي تبعد عن العاصمة الخرطوم 200 كيلومتر، بُنيت أهرامات مروي قبل 300 عام للميلاد حيثُ تتواجد في مصر والسودان، إلا أنها أقل حجماً وشهرةً منها في مصر، ويصل عدد الأهرامات إلى 200 هرم وأكثر، يتراوح طول كل هرم منها ما بين 6 – 30 متراً.

تُعتبر الأهرامات في مروي، العلامة الأكثر لفتاً للنظر في المنطقة، حيث بُني العديد منها خلال الفترة ما بين عامي 720 قبل الميلاد و300 قبل الميلاد. ولم تكن كلها مخصصة للعائلة المالكة، فالنبلاء دُفنوا في الأهرامات أيضا. وتوضح النقوش المنحوتة داخل الأهرامات أن الملوك المرويين كانوا يدفنون بجانب بعضهم مع مجموعة من الكنوز، بما في ذلك المجوهرات الثمينة والأسلحة والأثاث والفخار، لكن هذه الأهرامات أصبحت خالية من الزخارف، بسبب عمليات التنقيب.

وفقد اشار الباحثين انها تختلف أهرامات مروي عن أهرامات مصر بأنها أكثر انحداراً، بسبب استخدام “آلة الشادوف” في بنائها (رافعة خشبية بسيطة تستند إلى القوة البدنية للعمّال وكانت توضع في الوسط ويتم بناء الهرم من حولها).

مملكة كوش

الهيكل الملوّن

يقع الهيكل على بعد مسافة 800 متر باتجاه الجنوب من معبد تهارقو، حيث يتكون الهيكل من 3 غرف تطل مداخلها على الغرب، ويتم الوصول للغرفة الأولى عبر درج واحد، بينما يتم الوصول للغرفة الثانية والثالثة من خلال درج صعود إلى الأعلى، ويوجد داخل الهيكل حجرة مقدسة ذات أرضية مصنوعة من الحجر الرملي الأبيض ذي السماكة العالية، بينما لون الجزء السفلي من الجدران باللون الأبيض المحاط بخطوط ملونة بالأزرق الغامق ثم الأحمر الغامق يليها الأزرق الغامق.

المعابد والمباني

أقدم مباني حضارة كوش الذي تم تجديده في حكم الملك تهارقو، وتقع المعابد قرب معبد توت عنخ آمون، وانشهرت حضارة مملكة كوش بتصاميم المنازل الفاخرة والمعابد والمباني الإدارية التي يصل طولها لحوالي 1.22  كيلومتراً بينما يبلغ عرضها 300 متر.

سقوط مملكة كوش

قام الملك المصري بسمتك الأول (663ق.م). مؤسس الأسرة السادسة والعشرين بطرد الآشوريين من مصر بمساعدة ملك ليديا؛ وبذلك انتهت السيطرة الكوشية على مصر. ثم غزا بسمتك الثاني مملكة كوش، مما جعل ملوك نباتا يتقهقرون إلى مدينة مروي التي تبعد عن الخرطوم الحالية نحو 200كم، وتعرف هذه الفترة من تاريخ كوش بالعصر المرويّ.

بعد أن احتل الفرس مصر عام 525ق.م بقيادة قمبيز. حاول قمبيز السيطرة على مملكة كوش، فقاد حملة عسكرية بنفسه وصلت إلى مروي، ولكن الحملة أخفقت إخفاقاً ذريعاً. كما حاول البطالمة تقوية ملكهم وتوسيع سلطانهم على حساب مملكة كوش، مما دفع الكوشيين إلى نقل عاصمتهم إلى مروى منذ 300ق.م إلى 350م تقريباً. وأخيراً غزت مملكة أكسوم فيما بعد (مملكة كوش). وقضوا عليها عام 350م. وتعدّ القبور الملكية؛ الأهرامات التي بنيت في العاصمتين نباتا ومروي أهم آثار المملكة الكوشية التي أدّت دوراً مهماً في تاريخ وادي النيل القديم.

المراجع:

1. Britannica.com
2. Worldhistory
3. History magazine
4. World history
5. Smarthistory

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تاريخ

User Avatar

Leen Mhanna

استخدم الكتابة كوسيلة لنشر المعرفة والوعي بالتاريخ والآثار.


عدد مقالات الكاتب : 19
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق