ملخص كتاب التأملات لماركوس أوريليوس
محتويات المقال :
التأملات للإمبراطور الروماني والفيلسوف الرواقي ماركوس أوريليوس هي عبارة عن سلسلة من الكتابات والملاحظات الشخصية التي كتبها لنفسه كمصدر لتحسين ذاته و توجيهها. تتكون السلسلة من اثني عشر كتابًا عبّر فيها ماركوس عن خواطره حول الكثير من الموضوعات المتفرقة التي تتراوح بين القضايا الأخلاقية وممارسة الفضيلة إلى التعاملات مع الطبيعة والتفكر في حقيقة الكون. في هذا المقال سنعرض أهم ما ذكره ماركوس أوريليوس عن تلك الموضوعات في كتابه التأملات.
كانت رواقية ماركوس معتدلة إذا ما قورنت بمبادئ الرواقيين القُدامى. وكان أسلوبه في تدوينه لملاحظاته بسيطًا، متجنبًا المصطلحات المعقدة. رفض ماركوس زعم الرواقيين القُدامى بإمكان المعرفة اليقينية، ويرى أنه لا وجود لذلك الحكيم الذي يملك تلك المعرفة.
ففي كتابه الخامس يدون ماركوس “لكأنما أُلقِيَ على الأشياء حجابٌ كثيف حتى بدَت لعددٍ غير قليلٍ من كبار الفلاسفة غيرَ قابلةٍ للفهم على الإطلاق. وحتى الرُّواقيون أنفسهم بدَت لهم الحقائق عصيةً على الفهم، وبدا لهم كلُّ تصديقٍ عقلي لإدراكاتنا شيئًا عُرضة للخطأ؛ فليس هناك من هو معصوم …”.
كما رفض ماركوس اعتقاد الرواقيين القُدامى بأن الفضيلة لا تتجزأ، وذهب للاعتقاد بفكرة التدرج الأخلاقي. ذلك بالإضافة إلى أنه لم يكن معتدًا برأيه كما كان قدام الرواقيين.
أكّد ماركوس على أن العلاج الحقيقي للنفس والسلام الذي تنشده لا ينبع من الخارج بل من الداخل، ينبع من اللجوء إلى الذات والاحتماء بها. مصدر السلام الحقيقي هو الخلو إلى النفس من حين لآخر التماسًا للراحة والسكينة.
فيقول في كتابه الرابع “إنهم يبحثون عن منتجعاتٍ لهم؛ في الريف، على البحر، على التلال، وأنت بصفةٍ خاصةٍ عرضةٌ لهذه الرغبة المشبوبة، ولكن هذا من شيم الطَّغام، فما زال بإمكانك كلما شِئتَ ملاذًا أن تطلبه في نفسك التي بين جنبيك؛ فليس في العالم موضعٌ أكثر هدوءًا ولا أبعد عن الاضطراب مما يجد المرء حين يخلو إلى نفسه، وبخاصةٍ إذا كانت نفسه ثرية بالخواطر التي إذا أظلَّته غَمرَته بالسكينة التامة والفورية. ولستُ أعني بالسكينة إلا الحياة التي يَحكُمها العقل ويُحسِن قِيادها. فلتمنح نفسك دائمًا هذا الاستجمام، ولتُجدِّد ذاتك. ولتكن المبادئ العقلية التي سوف تعود إليها هناك وجيزةً وأساسيةً وكافية لأن تذهب بكل ألمِك في الحال وتُعيدَك إلى أُمورِكَ المستأنَفة خاليًا من السخط عليها أو التبرم بها”.
تأثر ماركوس أوريليوس بسقراط كثيرًا وأخذ عنه الفكرة القائلة بأن الفضيلة علم والرذيلة جهل. هذا يعني أن مرتكب الشر لا يرتكبه عن قصد بل هو جهل منه بحقيقة الخير والشر، لذلك من الواجب علينا تجاه مرتكبي الخطأ أن نعلّمهم ونوَجّههم ونبصّرهم بجهلهم، فإن لم نستطع فعلينا واجب تحمّلهم والتسامح معهم ولا نحملهم فشلنا وتقصيرنا في إرشادهم إلى الطريق الصحيح.
ويقول ماركوس عن ذلك في كتابه الثاني “قل لنفسك حين تقوم في الصباح: اليوم سألقى من الناس من هو مُتطفلٌ ومن هو جاحدٌ ومن هو عاتٍ عنيف، وسأقابل الغادر والحسود ومن يُؤثِر نفسه على الناس. لقد ابتُلي كلٌّ منهم بذلك من جرَّاء جهلِه بما هو خيرٌ وما هو شَر، أمَّا أنا وقد بَصُرتُ بطبيعة الخير وعَرفتُ أنه جميلٌ، وبطبيعة الشر وعرفتُه قبيحًا، وأَدركتُ أن مُرتكِب الرذائل لا يختلف عني أدنى اختلافٍ في طَبيعتِه ذاتها — فنحن لا تجمعنا قَرابة الدم والعِرق فحسب بل قَرابة الانتساب إلى نفس العقل ونفس القبس الإلهي — أمَّا أنا وقد بَصُرتُ بهذه القَرابة فلن يسُوءني أيُّ واحدٍ من هؤلاء ولن يُعديني بإثمه. وليس لي أن أَنقِم منه قرابتي أو أَسخَط عليه؛ فقد خُلِقنا للتعاوُن، شأننا شأن القَدمَين واليدَين والجفنَين وصَفَّي الأسنان. التشاحُن ضدٌّ للطبيعة، وضدُّها، مِن ثَمَّ، العداوةُ والبغضاء”.
روى ماركوس كثيرًا في تأملاته عن فكرة التغير الدائم للأشياء جميعها، وأن التغير هو جوهر الوجود وأنه يحفظ نظام الأشياء ويبقي العالم صبيًا.
فيقول في كتابه السابع “هل يخشى أحد من التغير؟ حسن، فأي شيء يمكن أن يحدث من دون تغير؟ أو أي شيء أعزُّ على طبيعة «الكل» وأقرب إليها من التغير؟ هل بوسعك أنت نفسك أن تغتسل إذا لم ينل التغير خشب الموقد؟ هل بوسعك أن تأكل دون أن يتغير ما تأكله؟ هل يمكن أن يتحقق أي شيء نافع في الحياة بدون تغير؟ ألست ترى، إذن، أن التغير بالنسبة لك هو الشيء نفسه، وأنه ضروري بنفس الدرجة لطبيعة الكل؟”.
أوصى ماركوس بدراسة الطبيعيات نظرًا إلى الصلة الوثيقة بين الإنسان والكون.
فيقول في الكتاب الثامن “من لا يعرف ما هو العالم لا يعرف أين هو، ومن لا يعرف لأي غاية وُجد العالم لا يعرف من هو ولا ما هو العالم، ومن يجهل أي شيء من هذه لا يمكنه حتى أن يقول لماذا وُجد هو ذاته، ما رأيك إذن في ذلك الرجل الذي يتجنب أو يطلب المديح من أناس لا يعرفون أين هم ومن هم؟”.
يرى ماركوس في تأملاته أن العالم كله ليس إلا كائنًا واحدًا حيًا متكامل الأعضاء، وأن أي تأثير يحدث للجزء فيجد صداه الكل والعكس صحيح.
فيقول في كتابه الرابع “انظر دائمًا إلى العالم على أنه كائنٌ حي واحد، يتكون من مادةٍ واحدة وروحٍ واحدة، انظر كيف يذوب الكل في هذا الوعي الواحد، كيف تخضع كل أفعاله لنزوعٍ واحد، كيف تتعاون الأشياء جميعًا في كل ما يحدث، انظر أيضًا الغزل الدائم لخيط الشبكة ونسيجها”.
يطلق الرواقيون على جميع تلك الأشياء التي ليست بذاتها خير أو شر لقب الأشياء اللافارقة. فالخير عندهم هو الفعل العقلاني الفاضل والشر هو الفعل الأرذل المنافي للعقل، فيما عدا ذلك فهو من الأشياء اللافارقة.
فيذكر في كتابه الثاني “… الموت والحياة، النباهة والخمول، الألم واللذة، الغنى والفقر … ليست هذه الأشياء في ذاتها حسنةً ولا سيئة؛ وبالتالي ليست في ذاتها خيرًا ولا شرًّا”.
يدعو ماركوس إلى السعي بتحفّظ في طلب الأشياء اللافارقة. أي السعي في طلبها بدون الإفراط في اللهفة، وذلك حماية من التعاسة التي قد تصيب المرء إذا فقدها. فيقول في الكتاب الثامن “بلا زهوٍ تقبَّل الرخاء إذا أتى، وكن مستعدًّا لفقدانه إذا ذهب”.
نرى في التأملات أن منظور ماركوس للعقبات مختلف وجميل. فقد رأى ماركوس في العقبات فرصة لممارسة الفضيلة، فإذا كان الخير هو السلوك العقلاني الفاضل، فإن العقبات التي تعترض طريق المرء وسعيه هي بدورها فرصة أخرى لممارسة الفعل الفاضل.
فيقول في الكتاب العاشر ” إن العقل لديه القدرة، بطبيعته وبإرادته، على أن يمضي خلال كل عقبة. في جميع الكائنات العضوية الأخرى فإن أي أذًى يلحق بأيٍّ منها يجعله أسوأ في ذاته، أمَّا في حالة البشر فإن الشخص في الحقيقة يُصبِح أفضلَ وأجدرَ بالثناء إذا استخدم الظروف التي تُصادفه استخدامًا صحيحًا”، و أيضًا في الكتاب السادس “فإذا اعترض أحدٌ سبيلك بالقوة فتذرَّعْ بالهدوء، وحوِّل العائق إلى تمرُّسٍ بصنفٍ آخرَ من الفضيلة”.
الاستقلال الذاتي ينبع من الاستقلال العقلي والفكري، عندما يكون العقل بانعزال عن متقلبات الرغبات والحواس، فيقول ماركوس في الكتاب السابع “فمِن الخصائص التي ينفرد بها العقل أنه يعزل نفسه ولا يتأثر بنشاط الحواس أو نشاط الرغبات؛ فهذان النشاطان حيوانيان، بينما غاية النشاط العقلي أن يتسيد عليهما ولا يُسلم قِياده لهما؛ لأن طبيعته ذاتها هي أن يضع كل هذه الأشياء تحت إمرته”.
وأنه لا يمكن أن يصيب الإنسان أذى خارجي عندما يدرك أن الأذى الوحيد الذي يمكن أن يصيبه هو ما يجره العقل على نفسه، فيقول في الكتاب الرابع “لا أذى لك يقبع في عقل غيرك، ولا حتى في أي تبدُّل أو تغيُّر لعطائك الجسدي. أين إذن يقبع الأذى؟ في ذلك الجزء منك الذي يضطلع بتكوين الأحكام عن الأذى. كُفَّ عن الحكم بأن بك أذًى تكنْ قد سَلِمتَ منه.”.
ينبع أيضًا الاستقلال الذاتي من تحمل المرء مسؤولية إسعاد نفسه بنفسه، دون انتظار شيء من الآخرين أو تحميلهم مسؤولية إسعاده.
يرى ماركوس أن كل ما يصيب الإنسان هو مقدر له منذ الأزل، وأنه خير له لأنه خير لطبيعة الكل. ومن ذلك المنطلق عليه أن يتقبل نصيبه ويتقبل قدره.
فيذكر في الكتاب الرابع “هل أَلمَّ بك شيء؟ حَسَن، كل ما أَلمَّ بك كان مُقدَّرًا لك من «الكل» منذ البداية ومنسوجًا من أجلك”. وفي الكتاب السادس “لا تحب إلا ما أَلمَّ بك ونُسج لك من خيط مصيرك، فأيُّ شيء أنسب لك من هذا؟”.
يؤكد ماركوس على قوله أن فعل الخير كالإحسان والرحمة غاية في ذاتها، وثواب ذاته. لا تنتظر ردًا من أحد أو تقديرًا من الآخرين.
فيقول في الكتاب السابع “ما دُمتَ فَعلتَ خيرًا وتلقَّاه آخر، فما لك ما تزال تترقب، كالأبله، شيئًا ثالثًا إلى جانب هذَين؛ أن تنال صِيتًا بفعل الخير، أو تتلقَّى مقابلًا؟”.
المرء لا يملك إلا اللحظة الحاضرة، وفيما عداها ماهو إلا ماضٍ ذهب أو مستقبل غير معلوم.
يترتب على الفكرة السابقة أن الحياة مهما طالت أو قصرت فذلك ليس بالشيء المهم مادمنا لا نملك إلا اللحظة الحاضرة.
يقول ماركوس في كتابه الثاني “حتى لو قُدِّر لك أن تعيش ثلاثة آلاف عام، أو عشرة أضعاف ذلك، فاذكُر دائمًا أنْ لا أحد يفقد أي حياةٍ غير تلك التي يحياها، أو يحيا أي حياة غير تلك التي يفقدها. ينتج من ذلك أن أطول حياةٍ وأقصرها سيَّان؛ فاللحظة الحاضرة واحدة في الجميع؛ ومن ثَمَّ فإن ما ينقضي متساوٍ أيضًا.”.
يتخذ ماركوس من الموت موقفًا محايدًا باعتباره من الأشياء اللافارقة فيقول في كتابه الثاني “وما الموت؟ إن من يتأمل الموت في ذاته، ويُعمل فيه التحليل العقلي ليُجرِّده مما يرتبط به من دلالات سوف يخلُص إلى أنه لا يعدو أن يكون وظيفةً طبيعية. ومن يرتاع لوظيفةٍ من وظائف الطبيعة فهو طفلٌ غرير. ليس الموت وظيفةً طبيعية فحسب بل إنه أيضًا لِخَير الطبيعة وصالحها”.
لتحميل كتاب التأملات
لمزيد من ملخصات الكتب
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…