في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة رسم خارطة الاقتصاد العربي، وفي رحاب المركز القومي للبحوث في مصر، انطلقت فعاليات علمية غير مسبوقة تدشن لمرحلة جديدة تعتمد على “العقول” بدلاً من “الحقول” التقليدية. حيث شهدت القاهرة إطلاق النسخة الأولى من “مسابقة الابتكار الحيوي العربي 2025“، وهي المبادرة الأضخم من نوعها الموجهة لطلاب المدارس والجامعات والباحثين العرب، وذلك خلال فعاليات “المؤتمر العربي الحادي عشر للتقانات الحيوية”، الذي لم يكن مجرد منصة لتبادل الأبحاث، بل كان نقطة انطلاق استراتيجية نحو مستقبل الاقتصاد القائم على المعرفة. فبينما كانت التحديات العالمية تتصدر الأجندة، تم إطلاق الحدث الأهم: “مسابقة الابتكار الحيوي العربي 2025”.
هذه المسابقة، التي تأتي بدعم من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا ورابطة التقانات الحيوية واتحاد مجالس البحث العلمي العربية، هي في جوهرها إعلان عن “التحول من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الإنتاج والابتكار” في قطاع يُعد عصب التنمية المستدامة. وجاءت المسابقة تحت مظلة حدث علمي استثنائي يعكس توجهاً عربياً استراتيجياً نحو توطين التكنولوجيا الحديثة، شهدت القاهرة انطلاق فعاليات علمية مكثفة تهدف إلى تحويل “الأفكار البحثية” إلى “ثروة اقتصادية”. حيث استضاف المركز القومي للبحوث، قلعة البحث العلمي في مصر، أعمال “المؤتمر العربي الحادي عشر للتقانات الحيوية”، الذي تضمن الإعلان الأبرز عن إطلاق النسخة الأولى من “مسابقة الابتكار الحيوي العربي 2025”.
هذا الحدث، الذي نظمته رابطة التقانات الحيوية بالوطن العربي (التابعة لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية)، لم يكن مجرد تجمع أكاديمي تقليدي، بل مثّل منصة انطلاق لجيل جديد من المبتكرين العرب، بدءاً من طلاب المدارس وصولاً إلى كبار الباحثين، لرسم ملامح مستقبل يعتمد على “الاقتصاد الحيوي”.
تفاصيل الحدث: أكثر من مجرد مؤتمر
عُقد المؤتمر بتنظيم من رابطة التقانات الحيوية بالوطن العربي، التابعة لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية، واستضافه المركز القومي للبحوث (NRC) – قلعة البحث العلمي في مصر. وقد حظي الحدث برعاية رفيعة المستوى من الدكتور محمد أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، وبحضور نخبة من قادة العمل الأكاديمي: أ.د. ممدوح معوض: رئيس المركز القومي للبحوث. أ.د. جينا الفقي: القائم بأعمال رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا. أ.د. عبدالمجيد بن عمارة: الأمين العام لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية. أ.د. أحمد جبر: أمين عام رابطة التقانات الحيوية ورئيس المؤتمر.
يأتي هذا الحدث في توقيت عالمي حرج، حيث يتسابق العالم نحو ما يسمى بـ “الاقتصاد الحيوي” (Bio-economy)، الذي يتوقع الخبراء أن تتجاوز قيمته 30 تريليون دولار بحلول عام 2030.
ما هي “التقانات الحيوية”؟ ولماذا نحتاجها الآن؟
للقارئ غير المتخصص، مصطلح “التقانات الحيوية” (Biotechnology) قد يبدو معقداً، لكنه ببساطة يعني: “استخدام الكائنات الحية (مثل البكتيريا، الخلايا، أو الإنزيمات) لتطوير منتجات تخدم البشرية“. تخيل أن نستخدم “بكتيريا” لتنظيف تسرب نفطي في البحار، أو نستخدم “جينات” معينة لإنتاج قمح يتحمل العطش الشديد في صحرائنا العربية. هذا هو سحر البيوتكنولوجي.
وينقسم هذا العلم إلى “ألوان” تعبر عن مجالاته، وقد غطت المسابقة والمؤتمر معظمها بشكل شامل مثل:
محتويات المقال :
تمثل “مسابقة الابتكار الحيوي العربي 2025” خطوة عملاقة نحو تفعيل منظومة الابتكار وريادة الأعمال في المنطقة. إنها ليست مجرد جائزة، بل هي آلية لـ “تحويل المعرفة إلى ثروة”.
من المتوقع أن تقدم نتائج المسابقة خريطة طريق واضحة للمستثمرين في القطاع الخاص والحكومات حول المجالات الحيوية الأكثر إمكانية للنمو والنجاح في العالم العربي. الرهان الآن على المبتكرين العرب لتحويل هذا الحدث إلى قصة نجاح تضع المنطقة على الخريطة العالمية للاقتصاد الحيوي.
يُعرَّف “الاقتصاد الحيوي” (Bioeconomy) بأنه الاقتصاد الذي يعتمد على الموارد البيولوجية المتجددة والأفكار المبتكرة لتحقيق الاستدامة. إن الحاجة العربية إليه لم تعد ترفاً، بل ضرورة ملحة. إن التحديات المشتركة، مثل ندرة المياه، والأمن الغذائي، ومكافحة الأمراض المستوطنة والمستجدة، تتطلب حلولاً غير تقليدية.
أكد الدكتور ممدوح معوض، رئيس المركز القومي للبحوث، على أن التقانات الحيوية باتت “ضرورة لمواجهة تحديات صحية وزراعية وبيئية واقتصادية متزايدة”. تكمن قوة المسابقة في أنها تتجاوز الأطر الأكاديمية الصارمة لتشمل الطلاب والباحثين ورواد الأعمال، مما يضمن تدفق الأفكار الإبداعية وتطبيقها التجاري.
يكمن الرهان الحقيقي على نتائج هذه المسابقة في قدرتها على توليد ملكية فكرية يمكن تسويقها. بخلاف المسابقات البحثية التقليدية، فإن تركيز المسابقة على رواد الأعمال يعني أن المشاريع الفائزة ستكون مشاريع قابلة للتطبيق وقابلة للتوسع.
في سياق تحديثنا للمعلومات الواردة، وبناءً على مخرجات المؤتمر الذي اختتمت فعالياته أمس، فقد شهدت المسابقة في نسختها الأولى تنافساً قوياً أسفر عن فوز ابتكارات مصرية واعدة. وقد حصل مركز بحوث الصحراء على الجائزة الأولى (فئة أعضاء هيئة التدريس) عن ابتكار قدمه الدكتور علي أحمد علي عبد العزيز، وهو عبارة عن “معقد عضوي معدني حيوي“ لمعالجة الأراضي الصحراوية المتدهورة. هذا الابتكار يمثل حلاً سحرياً لمشاكل الزراعة في الوطن العربي، حيث يعيد خصوبة التربة الرملية والجيرية، وهو ما يتماشى تماماً مع أهداف المسابقة في حل المشكلات البيئية والغذائية.
أحد أبرز مسارات المؤتمر كان يتعلق بـ المعلوماتية الحيوية (Bioinformatics) وتطبيقات الذكاء الاصطناعي AI في علوم الحياة. هذا الدمج هو مفتاح الثورة العلمية الحالية. في الماضي، كان اكتشاف دواء جديد يستغرق سنوات من التجارب في المختبر. اليوم، وبفضل خوارزميات الذكاء الاصطناعي، يمكن للكمبيوتر محاكاة ملايين التفاعلات الكيميائية في دقائق، مما يسرع من وتيرة الابتكار. وقد دعت المسابقة الطلاب العرب لتقديم حلول تعتمد على هذه التقنية الحديثة، لردم الفجوة الرقمية بيننا وبين الغرب.
بشمولها لطلاب المدارس والجامعات، تضمن المسابقة استدامة عملية الابتكار. هذا التركيز على الفئات العمرية المبكرة هو استثمار طويل الأجل في بناء “قاعدة عربية قادرة على قيادة مستقبل اقتصاد التقانات الحيوية”، كما جاء على لسان المنظمين.
نتائج على المدى البعيد: من خلال تحفيز طلاب المدارس (فئة “بذرة الابتكار”)، تضمن المسابقة خلق جيل واعٍ لأهمية البحث العلمي التطبيقي، مما يغذي الجامعات والمؤسسات البحثية بكوادر مؤهلة وموجهة نحو حل المشكلات الحقيقية بدلاً من الاكتفاء بالدراسة النظرية.
أصوات من المؤتمر: رؤية للمستقبل
في كلمته، وضع الدكتور ممدوح معوض يده على الجرح، مؤكداً أن التقانات الحيوية لم تعد رفاهية علمية، بل هي “طوق النجاة” لمواجهة تحدياتنا الاقتصادية والصحية. وأشار إلى أن المسابقة ليست مجرد توزيع جوائز، بل هي محاولة لغرس ثقافة “ريادة الأعمال“ لدى الطلاب، ليتحول الطالب من “باحث عن وظيفة” إلى “مبتكر يخلق وظائف”.
من جانبها، أكدت الدكتورة جينا الفقي على دور أكاديمية البحث العلمي في تحويل هذه الأفكار البحثية إلى “منتجات صناعية”، مشيرة إلى أهمية ربط المختبر بالمصنع. بينما أوضح الدكتور عبدالمجيد بن عمارة أن هذا الحدث يأتي ضمن برنامج “الروابط العلمية” الذي يهدف لتوحيد الجهود العربية، فبدلاً من أن تعمل كل دولة في جزيرة منعزلة، يتم بناء “شبكة بحثية عربية موحدة”.
دعوة لشبابنا العربي
إن إطلاق هذه المسابقة هو بمثابة صافرة إنذار إيجابية، تعلن أن المستقبل لا مكان فيه للتقليد. الرسالة الموجهة اليوم لكل طالب عربي في مدرسة أو جامعة هي: “فكرتك قد تنقذ حياة، أو تطعم جائعاً، أو تحمي بيئة“. الفرصة الآن متاحة أمامكم للمشاركة في النسخ القادمة، فالعالم العربي يمتلك العقول، ويمتلك الموارد، ولم يتبقَ إلا الإرادة لتحويل هذه الأحلام إلى واقع ملموس يقود قاطرة التنمية المستدامة.
قمة العلماء العرب تنطلق الأحد القادم.. "التقانة الحيوية".. بوصلة العرب نحو استدامة المستقبل أعلنت رابطة…
تمكن علماء من تحقيق إنجاز علمي باهر عبر عزل وتحديد تسلسل أقدم حمض نووي ريبوزي…
هرم يوناجوني": الحقيقة الكاملة للغز الياباني الذي يتحدى الأهرامات منذ اكتشافه صدفة عام 1986، تحوّل…
وداعاً "أيقونة الحمض النووي": جيمس واتسون ببالغ الحزن والتقدير، أعلن العالم عن رحيل أحد أبرز…
ببالغ الحزن والأسى، ودعت الأوساط الأكاديمية والعلمية في مصر والعالم العربي قامة من قامات الوراثة…
الحياة منظومة تتجدد ذاتياً لا آلة عشوائية! في إنجاز تاريخي هزّ أركان علم الأحياء التطوري،…