الأنثروبولوجيا أو علم الإنسان؛ هي الدراسة المنهجية لحياة الإنسان. ترجع أصولها إلى مراحل تاريخية قديمة لكنها لم تتبلور وتصبح علمًأ ممنهجًا إلا في القرن الماضي. تتعدد المدارس الفكرية في الأنثروبولوجيا ولعل أكثرها تأثيرًا هي المدرسة الوظيفية.
محتويات المقال :
تعد من أبرز المدارس التي أثرت في علم الإنسان والاجتماع، وحاولت فهم المجتمع من خلال ملاحظة وظيفة كل مكون في هذا المجتمع. وتبحث عن الوظيفة أو الجزء الذي تلعبه المؤسسة أو الفرد في النسق الاجتماعي لتحافظ على هذا النسق. بالتالي هي تعتبر المجتمع كنظام أو نسق تعمل كل أجزاءه معًا لتعزز تضامنه واستقراره. [1]
نشأت النظرية الوظيفية كرد فعل على النظريات التطورية والانتشارية، وتعود جذورها إلى أعمال علماء الاجتماع مثل سبنسر ودوركهايم وكونت. وتبلورت في علم الإنسان في عشرينات القرن الماضي ولكنها تراجعت في الحرب العالمية الثانية بسبب التغيرات الثقافية التي سببتها الحرب. ولأنها لم توضح مفهوم التغيرات الاجتماعية استبدلت بنظريات تتعلق بالتغيرات الثقافية. [2]
تعد الوظيفية الثقافة كوحدة مترابطة وليست مجموعة من السمات المعزولة. وشبهت المجتمع بالإنسان، فكما لدى الإنسان أعضاء مختلفة تعمل بترابط لتحافظ على سلامته، كذلك المجتمع.
يدرس الوظيفيون كييف ترتبط مرحلة ثقافية معينة بجوانب أخرى من الثقافة. وكيف تؤثر على جوانب أخرى في الثقافة، أي تدرس السبب والنتيجة. كما يأخذ علماء الأنثروبولوجيا الترابط بين المجالات الثقافية المختلفة بعين الاعتبار عند تحليلهم للثقافات، مثلًا عند تحليل الروابط بين استراتيجيات المعيشة وتنظيم الأسرة والدين. [3]
يستند أسلوب الدراسة في الوظيفية على العمل الميداني والملاحظات المباشرة للمجتمع المدروس. يصف علماء الأنثروبولوجيا المؤسسات الثقافية المختلفة التي تشكل المجتمع، ويشرحون وظيفتها الاجتماعية، ومساهمتها في الاستقرار العام للنسق الاجتماعي . [3]
بما أن الوظيفية نشأت في علم الاجتماع قبل علم الإنسان. فإن أهم منظريّ هذه المدرسة ومؤؤسيها هم من كبار علماء الاجتماع.
في محاولته لضبط منهجية علم الاجتماع حاول كونت إحياء بعض المقارنات التي أجراها الإغريق. وفلاسفة آخرون من عصره مثل هوبز وروسو، وذلك بتشبيه المجتمع بالكائن الحي. وبذلك ربط كونت بين علم الاجتماع والبيولوجيا. وبرأيه فإن المجتمع يشبه الكائن الحي الذي ينمو، ونتيجة لذلك يمكن فحص أجزائه ودراستها للحفاظ على النسق الاجتماعي. كما يؤكد كونت على وجود تطابق حقيقي بين التحليل الإحصائي للكائن الحي في علم الاجتماع، والكائن الحي في علم الأحياء. وذهب أبعد من ذلك في تحليله البنية الاجتماعية تشريحيًا لعناصر وأنسجة وأعضاء. وتعامل مع المنظومة الاجتماعية على أنها مؤلفة من العائلات التي هي عناصر أو خلايا، تليها طبقات اجتماعية التي عدها بمثابة الأنسجة. وأخيرًا المدن والتجمعات التي هي الإعضاء الكبيرة الحقيقية. [4]
استخدم سبنسر المماثلة العضوية لإنشاء شكل واضح من التحليل الوظيفي، ويرى أن المجتمع متشابه مع الكائنات الحية وكذلك العمليات البيئية مثل المنافسة والاختلاف والتطور المجتمعي. صور مفهوم الأنظمة العضوية الفائقة على أنها تكشف التشابه في مبادئ الترتيب مع الكائنات الحية. وقدم من خلال ذلك مفهوم المتطلبات الوظيفية أو الاحتياجات. ورأى أن هناك ثلاث متطلبات أساسية للأنظمة فائقة العضوية وهي: 1- الحاجة لتأمين الموارد وتعميمها.
2- الحاجة لإنتاج مواد قابلة للاستخدام. 3- الحاجة إلى تنظيم ومراقبة وإدارة أنشطة النظام. بالتالي فإن أي نظام اجتماعي يمتلك هذه الفئات الثلاثة، والهدف من التحليل الاجتماعي هو معرفة كيفية تلبية هذه الاحتياجات في الأنظمة الاجتماعية التجريبية. [4]
يرى دوركهايم بأن التفسيرات الاجتماعية يجب أن تبحث بشكل منفصل عن السبب الفعال للظاهرة الاجتماعية والوظيفة التي تؤديها. لكنه عكس سبنسر، افترض شرطًا وظيفيًا واحدًا فقط وهو الحاجة للاندماج الاجتماعي، إذًا يتضمن التحليل الاجتماعي لدى دوركهايم تقييم أسباب الظواهر ونتائجها أو وظائفها لتلبية احتياجات الهيكل الاجتماعي. [4]
اقترح أن الأفراد لديهم احتياجات فيزيولوجية والمؤسسات الاجتماعية تتطور لتلبية هذه الاحتياجات. كما هناك أربع احتياجات مشتقة ثقافيًا أساسية وهي الاقتصاد والرقابة الاجتماعية والتعليم والنظام السياسي. وهذه تتطلب أجهزة مؤسسية لكل منها موظفين وميثاق وأجهزة المادية. يعتقد أن الاستجابات النفسية الموحدة ترتبط بالاحتياجات الفيزيولوجية. وتلبية هذه الاحتياجات حولت النشاط المادي الثقافي إلى دافع مكتسب من خلال التعزيز النفسي. [4]
أحد الموضوعات التي درسها هي التمييز بين السحر والدين والعلم في المجتمع. وبرأيه كان العلم معرفة تجريبية وعقلانية، بينما السحر كان منطقيًا بمقدمات خاطئة بالرغم من أن الاثنان يستخدمان كأدوات لفهم الطبيعة. وشدد على أهمية السلوك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية في سياقاتها الثقافية الملموسة من خلال الملاحظة المشاركة. واعتبر أنه من الأهمية النظر في الاختلافات الملحوظة بين القواعد والإجراءات؛ أي بين ما يقوله الناس وما يفعلونه في الحقيقة. ومن أهم مساهمات مالينوفسكي المفاهيمية كانت في مجالات القرابة والزواج مثل مفهوم الأبوة الاجتماعية. وفي السحر ولغة الطقوس والأساطير في دراسته للأسطورة كميثاق اجتماعي. [2]
من الأباء المؤسسين للوظيفية المرتبطة بالبنيوية الوظيفية. ركز على دراسة مساهمة الظواهر في الحفاظ على البنية الاجتماعية، وركز بشكل خاص على أنظمة القرابة والنسب، واقترح أنها على الأقل في المجتمعات القبلية، تحدد طبيعة تنظيم الأسرة والسياسة والاقتصاد والعلاقات بين المجموعات. [2]
تشمل أبحاثه العديد من المجموعات العرقية ودراسته لعدة قبائل مثل قبائل النوير، بالإضافة لعمله في التنظيم السياسي، حيث ساعد عمله على القرابة في تشكيل النظرية السياسية. أكد على ضرورة إدخال التاريخ في الدراسات الأنثروبولوجية الاجتماعية، ولكنه رفض فكرة الأنثروبولوجيا الاجتماعية كعلم واعتيرها تاريخًا مقارنًا. بالرغم من مساهمته في بشكل كبير في دراسته للمجتمعات الإفريقية، إلا أنه أهمل معاملة النساء كجزء من المجتمع ككل. على الرغم من أنه اتخذ منهجًا وظيفيًا إلا أنه تحول لاحقًا لنهج إنسانيّ. [2]
من أهم الانتقادات التي وجهت للوظيفية هي عجزها عن تفسير التغيير الاجتماعي. ولم تتمكن من تفسير عملية الصراع الاجتماعي، وأنها ذات طابع محافظ يحافظ على الوضع الراهن والقوة المهيمنة لطبقة النخبة، وأنها كانت تجريدية وغامضة في تفسيرها للعالم الحقيقي. من الطبيعي رؤية أن للمجتمع هياكل ووظائف حيوية ولكن ما هو غير منطقي افتراض أن الأنساق والأجزءا في هذا المجتمع هي الوحيدة التي يمكن إنشاؤها لتحقيق الأهداف التي تبتغي المحافظة على المنظومة الاجتماعية. [4]
المصادر
1- lkouniv
2- anthropology
3- lumenlearning
4- sumananthromaterials
توصل باحثون إلى اكتشاف رائد يمكن أن يحدث ثورة في عالم التكنولوجيا القابلة للارتداء. لقد…
مع تصاعد التوترات حول نهر النيل، الذي يشكل شريان حياة بالغ الأهمية لملايين البشر في…
من المتوقع أن تشهد البشرية في السنوات القليلة المقبلة تطورات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي.…
مقاومة المضادات الحيوية، التي تمثل تهديدًا صحيًا عالميًا متزايدًا، لها سبب مفاجئ وهي التربة. حيث…
في عالم الفلسفة الإسلامية، تم التغاضي عن مفهوم رائع لعدة قرون. لقد كانت الأحادية (monism)،…
من خلال إعادة التفكير في افتراضاتنا حول الحياة خارج الأرض، يتحدانا عالمان للنظر في إمكانية…