متلازمة كوتارد أو الجثة المتحركة: توهم الموت
“أنا عايش ومُش عايش”. تحوّل متلازمة كوتارد المُصابين بها إلى زومبي أو أحياء-أموات، فهم يعتقدون أنهم فقدوا حياتهم بالفعل، وبأن أجسادهم تحوّلت إلى جثث، وكل شيئ يفقد معناه ويُصبح عدمًا بالنسبة لهم. فما هي متلازمة كوتارد؟
محتويات المقال :
متلازمة وهم كوتارد، التي تسمّى أيضًا بمتلازمة “الجثة المتحركة”، هي متلازمة نفسية نادرة يتوهّم الشخص المُصاب بها أنه قد مات أو اختفى أو فقد أعضاءً من جسمه، وصولًا الى الاعتقاد بأنه غير موجود أصلًا.
سُمّيت المتلازمة نسبةً لطبيب الأعصاب الفرنسي «Jules Cotard-جول كوتارد» الذي قام بتوصيف هذه الحالة للمرة الأولى عام 1880، لمرأة تبلغ من العمر 42 عامًا، حيث كتب أنها “تؤكد أنها فقدت دماغها وأعصابها وصدرها وأحشاءها، وأنه لم يتبقَ منها سوى جلدها وعظامها من جسدها المتحلل… كما تقول أنها ليست بحاجة للطعام، وهي ستبقى الى الأبد إن لم تُدفن، وقد يكون حرقها بالنار هو الحل الأفضل لها.” وهي امتنعت عن تناول الطعام حتى توفيت.
لم يتم تصنيف هذه المتلازمة كمرضٍ مستقل، بل هي حالة ترافق حالات مرضية عصبية – نفسية أخرى، وبشكل خاص الاكتئاب الحاد و«اضطراب ثنائي القطب-Bipolar disorder» (وهو تغير شديد في الحالة المزاجية للمريض بين نوبات اكتئاب يشعر فيها بالحزن وفقدان الرغبة والاهتمام بأي شيء، ونوبات هوس يصاب فيها بالنشاط الزائد وكثرة الكلام) وأمراض «الذهان-Psychosis» و«الفصام-Schizophrenia» (وهي حالات مرضية يفقد فيها المريض ارتباطه بالواقع ويعاني من الهلوسات البصرية والسمعية). في حالات أكثر ندرة، تنتج المتلازمة عن إصابة دماغية، أو أمراض الشقيقة (الصداع النصفي)، أو الخرف، أو باركنسون وغيرها من الأمراض العصبية.
تُصيب المتلازمة النساء بنسبة أكبر من الرجال، وتزيد احتمالية الإصابة مع التقدّم بالعمر. نادرًا ما تصيب الأطفال أو المراهقين، ولكن الإصابة بها تحت عمر الخامسة والعشرين ترتبط إجمالًا بمرض اضطراب ثنائي القطب.
كما يدل اسمها، يتوهّم الشخص المُصاب بمتلازمة “الجثة المتحركة” بأن جسده مات أو لم يكن موجود أصلًا، وهذا ما يسمّى ب«الوهم العدمي-Nihilistic delusion». وقد يتخذ هذا الوهم أشكالًا مختلفة:
إلى جانب هذا الوهم، يكون معظم الأشخاص مُصابين باكتئاب حاد.
تختلف العوارض بين شخص وآخر بحسب المرض الأساسي الذي ترافقه المتلازمة، ولكنها تشمل التخشُّب (Catatonia، وهي حالة من الجمود النفسي-الحركي بحيث يعجز المريض عن الحركة بشكل طبيعي)، وإحساس كبير باليأس أو الذنب، والقلق الحاد، والميول الانتحارية وأحيانًا هلوسات بصرية وسمعية، واضطرابات الادراك الحسي (عدم الاحساس بالألم، أو انخفاض الاحساس بالجوع والعطش). وكنتيجة لكل هذه العوارض، يرفض المريض تناول الطعام والشراب ويهمل نظافته الشخصية.
يمر مريض متلازمة وهم كوارد بثلاثة مراحل:
بسبب ندر متلازمة كوتارد وارتباطها بأكثر من مرض نفسي آخر، تشكل هذه المتلازمة صعوبة لعلماء النفس والأطباء النفسيين لدراستها. غير أن تقنيات التصوير العصبي سمحت للعلماء بمقارنة أدمغة الأشخاص المُصابين بها بالدماغ السليم، وقد بيّنت فروقات ملحوظة خصوصًا في الفصين «الصدغي-temporal» و«الجبهي-frontal».
كما يوجد أسس نفسية متعلّقة بالشخصية، بحيث بينت دراسات عدة أن الأشخاص الذين يلقون اللوم على أنفسهم عند حدوث أي حدث سيئ (الاحساس بالذنب) معرّضون أكثر من غيرهم للإصابة بمتلازمة كوتارد. ولكن ما تزال المعلومات متضاربة وغير ثابتة فيما يخص الأسباب الفيزيولوجية والنفسية للمتلازمة، وهي بحاجة لمزيد من الدراسة.
تختلف طريقة العلاج من مريض لآخر بحسب الحالة المرضية الأساسية المسبّبة للمتلازمة، وهو إجمالًا يشمل واحدًا أو أكثر من العلاجات التالية:
تكون هذه العلاجات غالبًا كافية لتتغلب على عوارض المتلازمة.
ختامًا، تشكل هذه المتلازمة معضلة علمية وطبية وهي بحاجة للكثير من التعمق في دراستها لمعرفة أسبابها والطريقة الأفضل لعلاجها، ولكنها أيضًا تتداخل مع الفلفسة العدمية، فالأفكار التي نشرها الكتاب العدميون أمثال جاكوبي ونيتشه وغيرهم، تتشابه مع أوهام النفي والأوهام العدمية التي بعبّر عنها الأشخاص المُصابون بمتلازمة كوتارد، فهل عانى هؤلاء من حالات نفسية مرضية؟
مصادر:
المزيد:
في اكتشاف رائد، كشف باحثون من جامعة أتينيو دي مانيلا عن أدلة على وجود شكل…
درس العلماء الأسماك الغضروفية الحديثة، مثل أسماك القرش وأسماك الزلاجات. وقارنوها بنظيراتها عديمة الفك، مثل…
تحول دماغ شاب إلى زجاج منذ ما يقرب من 2000 عام، وهي ظاهرة يعتقد العلماء…
لطالما راود البشر حلم قراءة العقول، لكن ما كان يُعتقد أنه محض خيال علمي أصبح…
إذا كنت تريد القيام برحلة ذهاب فقط إلى المريخ، فستستغرق حوالي تسعة أشهر، ولكن الرحلة…
حقق العلماء طفرة في تكنولوجيا التبريد، حيث قاموا بتطوير جهاز تبريد قابل للإرتداء يمكنه ضخ…