صحة

متلازمة سلامة الهوية الجسدية : أريد أن أبتر ساقي

“لا تكتمل سلامة جسدي إلا من خلال نقصها”.

تختصر هذه الجملة متلازمة سلامة الهوية الجسدية. فما هي هذه المتلازمة؟ وما هي أسبابها؟

ما هي متلازمة سلامة الهوية الجسدية؟

هي متلازمة نفسية نادرة ناتجة عن اختلاف بين صورة الجسد العقلية والجسد المادي، تجعل الشخص المُصاب بها يرغب ببتر أو تعطيل أحد أعضائه أو يرغب بالشلل. تصيب عادةً الأشخاص منذ مرحلة الطفولة، وفي كثير من الأحيان تصل حالتهم إلى مرحلة خطرة تتضمن محاولات لإيذاء النفس أو إجراء عملية جراحية للبتر.

تاريخ المتلازمة

وُصف اضطراب سلامة الهوية الجسدية لأول مرة عام 1977، من قِبل الباحث في علم النفس و علم الجنس «جون نوني-John Money». وقد سُميت وقتئذٍ بال«أبوتيمنوفيليا-Apotemnophilia»، وهي تعني بالإغريقي “حب القطع/ البتر”. وبيّن موني في دراسته أن الأشخاص المُصابين بمتلازمة سلامة الهوية الجسدية ينجذبون جنسيًا الى أشخاص مشلولين أو مبتورين أو حتى إلى أغراض معينة مرتبطة بالإعاقة الجسدية كالكرسي المتحرك والعكاز والأطراف الاصطناعية. لذلك اعتُبرت متلازمة الهوية الجسدية نوع من ال«بارافيليا-Paraphilia» التي كانت تُعرف باسم الانحراف الجنسي.

يقترح أيضًا تسميتها بالxenomelia.

عام 1997، قام الطبيب ريتشارد برونو المتخصص في الأمراض الجسدية-النفسية بدراسة متلازمة سلامة الهوية الجسدية، وصنف الأشخاص المُصابين بها إلى ثلاثة أنواع:

1) الأشخاص الذين يرغبون البتر رغبةً بالإعاقة الجسدية نفسها، وتكون رغبتهم غير مرتبطة بهواماتهم الجنسية.
2) الأشخاص الذين يتظاهرون بالإعاقة الجسدية (من خلال استخدام كرسي متحرك مثلاً) ويقصدون الحصول على الانتباه.
3) الأشخاص الذين يُثارون جنسيًا بالجسد المبتور/المشلول، لذلك يرغبون بالظهور بهذا الشكل الجسدي.

حالياً، يُعتقد أن الأبوتيمنوفيليا هي اضطراب في الهوية، لذلك أصبح الاسم الأكثر شيوعًا لها هو متلازمة “سلامة الهوية الجسدية”.

Related Post

أعراض المتلازمة

تبدأ عادةً الإشكالية الجسدية بالظهور منذ الطفولة. وقد يقوم الطفل بمحاولات لإيذاء الطرف الذي يرغب ببتره.

العارض الوحيد الذي يظهر هو الرغبة الحقيقية ببتر طرف معين، أو الشلل (من خلال قطع الحبل الشوكي) أو تعطيل عضو معين (مثل العيون مثلًا) بهدف خلق إعاقة جسدية. فيشعر الشخص المُصاب بالمتلازمة أن عضو معين بشع، ومن خلال التخلص منه يحصل على جسد أجمل. وأحيانًا يشعر بخط فاصل (بين العضو الذي يرغب ببتره و باقي جسده) يؤلمه.

وقد يحاول بكل الوسائل تحقيق رغبته من خلال إما إقناع الطاقم الطبي بالقيام بعملية بتر أو يقوم بها بنفسه (مثلًا اطلاق النار على قدمه، نشر يده بالمنشار، وضع مواد كيميائية مؤذية في عيونه،…).

أسباب متلازمة سلامة الهوية الجسدية

تصعب دراسة متلازمة سلامة الهوية الجسدية كونها نادرة في العالم، ولصعوبة تشخيصها كونها غير مصنفة في الدلائل التشخيصية العالمية المُعتمدة من قبل الأطباء النفسيين. لذلك لم تُدرس بشكل كبير الأسباب المؤدية لها.

ترتبط المتلازمة عادةً بأمراض نفسية أخرى: اضطرابات المزاج،  واضطراب القلق، واضطرابات الأكل، وتعاطي المخدرات وغيرها. لكن هذه الأمراض لا تُعتبر مسببة للمتلازمة.

تُظهر صور الرنين المغناطيسي أن الأشخاص المصابين بالمتلازمة يظهرون خللًا في الفص الجداري من الدماغ. فيكون الفص الجداري أقل نشاطًا ويحمل كمية أقل من المادة الرمادية الدماغية. من الجدير بالذكر أن الفص الجداري هو المسؤؤل عن تكوين صورة الجسد العقلية، وبالتالي أي خلل في هذه المنطقة الدماغية يؤدي إلى اضطراب في الهوية الجسدية.

علاج المتلازمة

لم ينجح أي علاج دوائي أو نفسي حتى الآن بمعالجة هذه المتلازمة. ولكن العلاج النفسي يساهم في فهم الشخص المصاب لحالته المرضية.

الطريقة الوحيدة لعلاج الرغبة الحقيقية بالبتر هي بتحقيقها! وقد خلقت هذه الطريقة “العلاجية”  جدلًا كبيرًا في المجال الطبي النفسي، بين اعتبار الشخص المصاب مستقل في قراره ومسؤول عن هذا القرار أو اعتباره مريضًا نفسيًا غير قادر على أخذ قرار يؤدي إلى إعاقته.

ولكن تجارب عدة مع أشخاص مصابين بالمتلازمة المذكورة أثبتت أنهم يرضون تمامًا بعد إجراء عملية البتر، ولا يبدون أي ندم حتى مع الصعوبات التي تنتج عن الإعاقة بعد العملية.

متلازمة سلامة الهوية الجسدية واحدة من أكثر المتلازمات غرابةً، ولا شك أنها تستحق تصنيفًا طبيًا واضحًا، تساهم في تعميق الدراسات حولها، وتبيان أسبابها ووسائل علاجها. ولكنها تثبت أن، في بعض الأحيان، الجسد السليم في الدماغ السليم.

المصادر:

Taylor and Francis Online
NCBI
Independant
Research Gate

Author: Riham Hamadeh

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Riham Hamadeh

Share
Published by
Riham Hamadeh

Recent Posts

البحث العلمي كقاطرة للجمهورية الجديدة: حصاد منظومة البحث العلمي والابتكار في مصر لعام 2025

مع نهاية عام 2025، يبرز البحث العلمي في مصر كأحد المحاور الرئيسية في استراتيجية التنمية…

يومين ago

وداعًا لأسطورة “الحواس الخمس”: أجسادنا “مفاعلات حسية” تعمل فيها عشرات الحواس الخفية بتناغم مذهل

تخيل أنك تستيقظ في غرفتك المظلمة تماماً. دون أن تفتح عينيك، ودون أن تلمس الجدران،…

4 أيام ago

حصاد العقول والعدسات: “نيتشر” تكشف عن الشخصيات والصور التي صاغت وجه العلم في 2025

من أعماق المحيط إلى حدود الكون: هؤلاء هم أبطال العلم لعام 2025 لم يكن عام…

أسبوع واحد ago

على خطى الاستدامة.. “علوم القاهرة” ترسم خارطة الطريق نحو “الحرم الجامعي الأخضر” وتفك شفرة “البصمة الكربونية”

في ظل تسارع وتيرة التغيرات المناخية التي تعصف بكوكبنا الأزرق، لم يعد دور المؤسسات الأكاديمية…

أسبوع واحد ago

عيد العلم المصري: من “ريشة جحوتي” المقدسة إلى منارات العلم الحديث

في الحادي والعشرين من ديسمبر، لا تحتفل مصر بمجرد مناسبة عابرة، بل تستحضر روح هويتها…

أسبوع واحد ago

بعد صمت دام 1.5 مليون عام: أحفورة “غونا” تكشف الحلقة المفقودة في قصة التطور

أحجية ثلاثية الأبعاد: علماء يعيدون تركيب وجه إنسان ما قبل التاريخ ويكتشفون مفاجأة تقنية مذهلة.…

أسبوعين ago