تخيّل أن يتمرد أحد أعضاء جسدك، ويتصرف باستقلالية تامة عن إرادتك. تخيل أن تقوم يدك بصفعك دون ان تستطيع السيطرة عليها. هذا بالضبط ما يحدث عند إصابتك بمتلازمة اليد الغريبة. فما هي هذه المتلازمة ؟ وما هي أسبابها؟
محتويات المقال :
متلازمة اليد الغريبة هي مجموعة من الاضطرابات العصبية التي تسبّب فقدان السيطرة على حركة اليد، فتظهر اليد (وفي حالات أقل شيوعًا القدم) كأنها تحت سيطرة طرفٍ ثانٍ وتقوم بنشاطات حركية هادفة لكن غير إرادية. تسبّب المتلازمة الكثير من الإزعاج والإحراج وحتى الأذى أحيانًا للأشخاص المُصابين بها، إذ تحرمهم القيام بالكثير من النشاطات اليومية. غالبًا ما تكون اليد الغريبة هي اليد غير المُهيمنة (Non-dominant hand). تصيب في العادة البالغين، إلا أنها قد تصيب الأطفال في حالات نادرة جدًا.
تُسمّى متلازمة اليد الغريبة أيضًا ب«متلازمة دكتور سترينجلوف-Dr Strangelove syndrome» وذلك تبعًا للفيلم الذي يحمل الاسم نفسه (صدر عام 1964) والذي تدور أحداثه حول رجل يعاني من اضطراب حركي غريب، يمنعه من السيطرة على يده اليمنى، فتارةً تقوم يده بالتحية النازية، وتارةً أخرى تحاول خنقه.
تُعتبر متلازمة اليد الغريبة ظاهرة نادرة ومُعقّدة، تتميز بعارض أساسي هو فقدان السيطرة على أحد الذراعين والاحساس بأن اليد مُسيطرعليها من قِبل طرف آخر.
ولكن المتلازمة تنتج أعراضًا أخرى تختلف بين شخصٍ وآخر، ويمكن تصنيفها في خانات ثلاث:
– الصراع أو التعارض بين اليدين، بحيث تتحرّك اليد “المتمردة” بعكس اليد الأخرى. ففي حين تبكل يد الأزرار مثلًا، تفكها اليد المتمردة بالمقابل.
– الحركات القهرية والمتكررة، فتقوم اليد “الغريبة” بتكرار تصرف أو حركة دون هدف، ولا يكون الشخص قادرًا على إيقافها.
– ردات الفعل تجاه تصرف اليد الغريبة، وهي تختلف بين الأشخاص المُصابين بالمتلازمة. وتتضمّن: النقد الذاتي المتوجه لليد المتمردة، عدم الإحساس بها ونكران انتمائها لجسده (هذه ليست يدي)، الدهشة من تصرفات اليد الغريبة، معاملة اليد الغريبة ك”شخص آخر” (مثلًا: ضرب اليد المتمردة عند التصرف بشكل خاطئ أو مؤذي، أو إعطائها اسم علم و تأنيبها، …) .
بالإضافة إلى هذه الأعراض، قد تترافق المتلازمة مع «العمه- Agnosia» (وهو العجز عن الإدراك الحسي) و«الحبسة-Aphasia» (وهي عجز التعبير الكلامي أو عجز فهم الكلام) وضعف اليد وفقدان الإحساس بمناطق من الجسد أو اليد. وتكون هذه الأعراض ناتجة عن الإصابة العصبية وغير مرتبطة بمتلازمة اليد الغريبة بشكل مباشر، لكنها قد تساهم في تعقيدها.
وُصفت متلازمة اليد الغريبة للمرة الأولى عام 1908 من قِبل الطبيب النفسي الألماني «كورت غولدشتين-Kurt Goldstein»، بحيث شخَّص حركات لاإرادية في اليد اليسرى طرأت عند مريض بعد إصابته بجلطة دماغية. وفي عام 1972، أطلق الطبيبان «بريون-Brion» و«جيديناك-Jedynak» اسم “متلازمة اليد الغريبة” بعد مراقبة ثلاثة مرضى يعانون من أعراض الحركات اللاإرادية ولا يتعرفون على يدهم، وذلك بعد إصابتهم بورم في الجسم الثفني في الدماغ (Callosal tumor).
منذ ذلك الحين، نُشرت العديد من التقارير والدراسات حول المتلازمة، وتبيّن أنها ناتجة عن العديد من الإصابات الدماغية والعصبية.
تنتج متلازمة اليد الغريبة عن إصابة دماغية في إحدى المناطق الدماغية المسؤولة عن الشروع في الحركة أو التحكم بها وتعديلها وتنسيقها. وهي تكون ناجمة عادة عن الإصابة في إحدى المناطق الدماغية الثلاثة التالية:
– الفص الجبهي الذي يتحكم بقوة الحركات الدقيقة ويعدل الحركات المعقدة، وتنتج إصابته عن الأورام أو الجلطات.
– الجسم الثفني (Corpus Callosum) وهو الذي يشكل صلة الوصل بين الجزئين الأيمن والأيسر من الدماغ ويلعب الدور الأكبر في التنسيق بينهما، وتنجم إصابته عن ورم أو جلطة أو صدمة دماغية وأحيانًا عن عملية استئصال الجسم الثفني (التي كانت تُعتمد كعلاج لداء الصرع).
– الدماغ الخلفي (تحديدًا «القشرة الجدارية والقذالية-Parietal and occipital cortices») التي قد تصاب بجلطات أو أمراض تنكسية.
للأسف لم يتوصّل العلماء بعد لعلاج جذري للمتلازمة، لكنهم يعملون حاليًا على علاجات للتخفيف من حدة العوارض. أعراض المتلازمة الناتجة عن الإصابات الحادة والجلطات تخف تدريجيًا مع الوقت، على عكس الأعراض الناتجة عن الأمراض التنكسية التي تكون غير قابلة عادةً للعلاج.
يعتمد الأطباء حاليًا العلاج بالأدوية كال«بينزوديازيبينات-Benzodiazepines» وهي نوع من المؤثرات العقلية، وحقن البوتوكس المخدرة. ولكن تبيّن الدراسات أن العلاجات السلوكية قد تكون أكثر فعالية.
من العلاجات المعتمدة أيضًا العلاج بالمرآة. وهي طريقة علاجية تعتمد وضع مرآة بين الذراعين وتحريك الذراع السليم مع النظر إلى المرآة، مما يخلق خدعة للعقل ويشجع الحركة السليمة في اليد المصابة. ويُنصح المصابون عادةً بالعلاج الفزيائي والوظيفي لتحسين أدائهم الحركي.
ختامًا، لم تقتصر متلازمة اليد الغريبة على الأشكالية الطبية، بل طالت أيضاً الفلاسفة الذين رأوا فيها مادة لنقاش الإرادة الحرة، فهل الانسان الذي يفقد قدرته على السيطرة على حركات يده، يملك السيطرة الحقيقية على أفكاره وتصرفاته؟
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…