انظر تحت قدميك، وابنِ! هذا ما يدعونا إليه المعماري حسن فتحي. مشيرًا إلى أهمية الرجوع إلى طبيعة الموقع، وانتقاء مواد البناء الأولية منها. فكيف تؤثّر مواد البناء المحلّية على الاستدامة؟ وما هي مواد البناء المستدامة في العمارة الخضراء؟
محتويات المقال :
مواد البناء المستدامة
يكاد يكون تعريف الاستدامة مهمّةً مستحيلةً بسبب جميع المفاهيم المسبقة المرتبطة بالمصطلح. إذ يعد أحد أكثر المصطلحات الشائعة في زماننا. مع ذلك نستطيع اعتبار العمارة القديمة البدائية (العمارة قبل المهندسين)، والتي بُنيت باستخدام التقنيات والموارد المحلية وحدها عمارةً مستدامةً. لكن وفي وقت لاحق، بعد مؤتمر ريو لعام 1992 ظهرت تعريفات أكثر تحديدًا للعمارة المستدامة. مثل تخطيط المساحات بكفاءة، وتحديد نسبة الإشغال، واعتماد مواد البناء المحلية، وإعادة التدوير. عمومًا مواد البناء المستدامة في العمارة هي المواد التي تُقلّل البصمة الكربونية للمباني، وانبعاث الغازات الدفيئة من قطاع الإنشاء. والتي تمثِّل حوالي 35-50% من انبعاث الغازات الدفيئة العالمي، وذلك بحسب كيفيّة الحساب في الدراسة. [1]
أهمية مواد البناء المستدامة
تساعد مواد البناء المستدامة في الحدّ من التأثير البيئي السلبي للمباني من خلال الكفاءة والاعتدال في استخدام المواد والطاقة. على سبيل المثال؛ تستطيع تنظيم درجة حرارة المبنى تقليل الحاجة إلى أنظمة التبريد والتدفئة. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تصنع المواد المستدامة من مواد طبيعية بديلة لا تحتوي على مواد كيميائية ضارة، فيؤدّي ذلك إلى الحدّ من البصمة الكربونية للمباني. [2][3] كما تشكِّل مواد البناء المستدامة منشآت جذّابةً بصريًا تنسجم وتتناغم مع محيطها، ونرى ذلك بوضوح في العمارة العضوية.
أنواع مواد البناء المستدامة
المواد المستصلحة
تشير «المواد المستصلحة- Reclaimed materials» إلى المواد التي سبق استخدامها في البناء، ويعاد استخدامها في مشاريع البناء الجديدة، وتشمل عناصر متنوعة كالصلب، والزجاج. تكمن أهمّيتها في خفض كمّية النفايات، والأثر البيئي السلبي للبناء، بسبب قدرتها على استغلال المواد من مدافن القمامة، وتقليل الحاجة إلى إنتاج مواد جديدة.[4]
على سبيل المثال؛ يعد الخشب موردًا متجدّدًا، وخيارًا شعبيًا في العمارة المستدامة، بالرغم من ذلك قد يَصعُب إعادة تدويره. وتميل البلدان التي تبني بالكثير من الخشب إلى حرقه في نهاية دورة حياته. لكن يعد اليوم إعادة الاستخدام خيارًا جيدًا للحد من الانبعاثات الناتجة عن عملية التصنيع. [5]
المواد المتجدّدة
يقصد «بالمواد المتجدّدة- Renewable resources» المواد التي يمكن تجديدها أو استبدالها بشكل طبيعي مع مرور الوقت دون استنزاف للموارد. وغالبًا ما تستعمل كبديل للمواد غير المتجددة من موارد محدودة. وتستخدم في مجموعة متنوّعة من التطبيقات بما في ذلك البناء، والتصميم الداخلي، والصناعات الغذائية. [6]
ومن الأمثلة؛ الخشب، حيث اعتمد عليه الإنسان لعدّة قرون، فبنى به المصريون القدماء أنوعًا من الأعمدة في عمارتهم السكنية. كما أن الخشب مصدر متجدد ذو تأثير بيئي منخفض. يطوّر العلماء حديثًا كذلك أسمنت عضوي صالح للأكل مصنوع من مخلّفات الطعام مثل قشور البرتقال، والبصل، والموز.
مواد البناء المعاد تدويرها
تضمّ إعادة التدوير مراحلًا أساسيةً وهي جمع النفايات، وتجهيزها، لتحويلها إلى منتجات جديدة من ثم يمكننا شراء هذه المنتجات وإعادة تدويرها لاحقًا. تشمل المواد المعاد تدويرها الحديد، والصلب، وعلب الألمنيوم، والورق، والزجاجات، والخشب واللدائن. وتعتبر بديلًا للمواد الخام التي نحصل عليها من الموارد الطبيعية والتي تزداد ندرتها. يساعد إعادة التدوير في الحدّ من كمّية النفايات الصلبة المترسّبة في مدافن القمامة، إذ يصبح التخلّص منها مكلّفًا، ويلوث البيئة. [7]
يمكن إعادة تدوير الحديد والصلب عن طريق إعادة الصهر والصقل، وهذه العملية أرخص بكثير من إنتاج معدن جديد. أما بالنسبة للزجاج فهو يشكّل حوالي 6% من وزن المواد في مجاري نفايات البلدية، بالرغم من ذلك لا يعاد تدوير قسم كبير منه حتى الآن. يرجع ذلك إلى أن مواد الزجاج الخام رخيصة الثمن إلى الحد الذي يجعل الدوافع الاقتصادية لإعادة تدويره ضئيلةً للغاية. بالإضافة إلى ذلك، يصعب فصل الزجاج عن غيره من النفايات وفرزه بحسب اللون (أي النقي، والأخضر، والبني). بالرغم من هذه الصعوبات تعمل بعض الدول اليوم على تدوير 35-90% من الزجاج المكسور. [7]
يمكن استعادة حطام البناء والهدم مثل الطوب، والخرسانة، والأسفلت، والمعادن وإعادة استخدامها. ويتألّف الحطام الخرساني في معظمه من الرمال والحصى التي يمكن سحقها وإعادة استخدامها كحصويات الطرق الفرعية. كما يمكن تكسير الخشب النظيف وصنع فرش للحيوانات منه. [7]
التصميم من أجل التفكيك DfD
تهدف حركة «التصميم من أجل التفكيك- Design for Deconstruction» إلى إدارة مواد البناء الهالكة، وتقليل استهلاك المواد الخام عند التشييد. ويتحقق ذلك من خلال تحسين المواد المزالة أثناء عمليات الهدم، واستكشاف سبل لإعادة استعمالها في مشروع بناء آخر، أو إعادة تدويرها لتحويلها إلى منتج جديد.[8]
وضع مجلس الحركة دليلًا عمليًا للهدم المستدام يسلّط الضوء على خطط عمل لمختلف أصحاب المصلحة. فيقترح الدليل بالنسبة للمهندسين تصميم مبانٍ مرنة، وقادرة على التكيُّف لأداء وظائف متنوّعة، وتعمل لأطول فترة ممكنة. ويسمح الدليل بتجميع وتركيب إنشاءات مسبقة الصنع إذ تعتبر أسهل عند الهدم. كما يدعم البناء المعياري موحّد القياسات، وهو عبارة عن لوحة مبسّطة من المواد والمكونات تعتمد على أدوات التثبيت الميكانيكية بدلّا من المواد اللاصقة. تضمن أدوات التثبيت الميكانيكية سهولة تفكيك عناصر البناء وإعادة استخدامها دون فقدان قيمتها. أما بالنسبة لمستخدمي المباني، فيوصي الدليل بالصيانة الاستباقية، وتوثيق التحديثات. وأخيرًا، بالنسبة لفرق التفكيك، فيوصي بإعداد الوسائل الشاملة، وخطّة العمل استنادًا إلى رسومات البناء الأصلية، والحالة الراهنة. [8]
من الأمثلة عن حركة DfD مبنى Triton square من تصميم ARUP الذي بني عام 1998، من ثم احتاج إلى تعديلات لأنه لم يعد يلبي الاحتياجات الوظيفية. احتفظ القائمون على العمل بجزء كبير من الهيكل القديم فشمل ذلك 88% من البنية التحتية، وأعيد تركيب 3000 متر مربع من ألواح الواجهة الأصلية. فوفر المشروع 40 ألف طن من انبعاثات الكربون، وخفض التكاليف بنسبة 43% مقارنةً بالمبنى التجاري النموذجي. [8]
تحديات البناء بمواد مستدامة
1. الحواجز الاقتصادية والتكاليف
تتراوح التكلفة المقدّرة للبناء المستدام بين 1-25% أكثر من البناء التقليدي، بسبب تعقيد عملية التصميم عندما تُقترن بالنمذجة والممارسات الخضراء. بالإضافة إلى أن مواد البناء المستدامة تكلّف أكثر بنحو 3-4% من المواد التقليدية. فتؤثّر هذه النفقات الباهظة على فريق إدارة المشروع لأنه سيعتبر مسؤولًا عن تسليم البناء في إطار ميزانية محدّدة مسبقًا. [9]
كما يعتقد الخبراء أن أساس تشكّل التحديات الاقتصادية يرجع إلى عدم وجود معلومات دقيقة وشاملة فيما يتعلّق بالآثار الاقتصادية للمباني الخضراء. ولا يوجد نماذج تكلفة تساعد المطوّرين على فهم التكاليف والفوائد الحقيقية لهذه المباني. حيث تعد التكلفة الأولية الشغل الشاغل للمؤسّسات المالية والمستثمرين. [10]
2. جمع المعلومات
لا تتوافق الآراء حتى الآن حول ما تعنيه الاستدامة، وهناك خلاف بشأن تحديد المعايير الدنيا للبناء المستدام، وكيفية تقييمه. زيادةً على ذلك، لدينا نقصًا في البحوث والدراسات حول أداء المباني الخضراء، لذلك ليس من الممكن دائمًا التنبّؤ بما إذا كان المبنى سيؤدي الدور الذي توقّعه المصممون. [10]
3. تحديات مرحلة التصميم والتشييد
يتعيّن على المعماري تحديد تقنيات البناء المستدام، والمواد اللازمة لكنه لا يمتلك معيار تقييم قياسي للمنتجات. بالتالي يتوجّب عليه استثمار الكثير من الوقت والجهد لتقييم المواد والتقنيات. [10] كما يلزم على إدارة المشروع أن تمر بعمليات ومعاملات طويلة للحصول على موافقات لعمليات البناء. [9]
تواجه مرحلة التشييد صعوبات لا تقلّ عن مرحلة التصميم، ومنها الافتقار إلى العمالة الماهرة اللازمة لتركيب وصيانة التقنيات الجديدة. أما بالنسبة للتفكيك فقد يكلّف أكثر من الهدم بسبب زيادة عدد العمّال الإضافيين، والوقت اللازم لإتمام العمل. [10]
اختيار مواد البناء المناسبة
تتأثّر جميع التحديات السابقة بانتقاء مواد البناء والتقنيات المناسبة للبناء بها. فلا يكفي اختيار مادة بناء مستدامة فحسب، بل يجب أن تكون صديقةً لبيئة موقع المشروع، ومن المهم أن تكون المادة متاحةً محلّيًا، إذ تخلق عملية نقل المواد عن طريق البر أو البحر أو الجو تلوثًا كبيرًا مما يجعل اختيار المواد صعبًا إلى حدّ ما. [10]
تستطيع ممارسات البناء المستدامة أن تحدث فرقًا هائلًا في الاستدامة البيئية العالمية. لكننا بحاجة ماسّة إلى زيادة الوعي العام لأهمية هذه الممارسات من أجل غد أفضل، بالإضافة إلى مواجهة التحديات وإيجاد حلول حقيقية لها.
المصادر
- MDPI
- IOP science
- IOP science
- Semantic scholar
- Semantic scholar
- Taylor and Francis
- Britannica
- archdaily
- Science direct
- Research Gate
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :