فيزياء

ما هي فلسفة التصميم الزلزالي؟

هل يجب أن نتخلّى عن تصميم المباني المقاومة للزلازل؟ أم يجب أن نصممها؛ بحيث لا يحدث ضرر في أثناء الزلازل القوية؟ من الواضح أن النهج الأول يمكن أن يؤدي إلى كارثة كبيرة، والنهج الثاني مكلف للغاية. وبالتالي، يجب أن تقع فلسفة التصميم الزلزالي في مكان ما بين هاتين الحالتين. [1]

فلسفة التصميم الزلزالي

يمكن تلخيصها كالآتي:

  1. عند الاهتزاز الطفيف، يجب ألّا تتضرر العناصر الرئيسية للمبنى؛ والتي تحمل قوىً شاقولية وأفقية، أما أجزاء المبنى غير الحاملة؛ فقد تتعرض لأضرار يمكن إصلاحها.
  2. وعند الاهتزاز المتوسط، قد تتعرض العناصر الرئيسية لأضرار يمكن إصلاحها، أما الأجزاء الأخرى للمبنى فقد تتضرر لدرجة أنه قد يتعين استبدالها بعد الزلزال.
  3. وعند الاهتزاز القوي، قد تتعرض العناصر الرئيسية لأضرار شديدة (لا يمكن إصلاحها حتى)، ولكن يجب ألّا ينهار المبنى.
أهداف الأداء الزلزالي: الحصول على أضرار قليلة قابلة للإصلاح عند الاهتزاز الطفيف، ومنع الانهيار عند الاهتزاز القوي

فبعد الاهتزاز الطفيف، سيعمل المبنى بكل قوته خلال زمن قصير، وستكون تكاليف الإصلاح قليلة. وبعد اهتزاز متوسط، سيعمل المبنى بمجرد الانتهاء من إصلاح وتقوية العناصر الرئيسية المتضررة. أما بعد حدوث زلزال قوي، فقد يصبح المبنى معطلًا غير قابل للاستخدام مرة أخرى، ولكنه يجب أن يبقى قائمًا حتى يمكن إجلاء الأشخاص واستعادة الممتلكات.

يجب أخذ عواقب الضرر في الحسبان في فلسفة التصميم الزلزالي. على سبيل المثال؛ تلعب المباني المهمة مثل المستشفيات ومحطات الإطفاء، دورًا مهمًا في أنشطة ما بعد الزلزال، ويجب أن تعمل فور حدوثه. يجب ألّا تتعرض هذه المنشآت إلّا لأضرار قليلة جدًا، وأن تصمّم لتوفير مستوى حماية أعلى ضد الزلازل. يمكن أن يسبب انهيار السدود في أثناء الزلازل حدوث فيضانات، يمكن أن تكون بذاتها كارثة ثانوية. لذلك، يجب تصميم السدود (وبالمثل، محطات الطاقة النووية) لأجل مستويات كبيرة من الحركة الزلزالية. [1]

لا مفرّ من الأضرار الزلزالية

يتضمن تصميم المباني لمقاومة الزلازل التحكم في مستويات مقبولة من الأضرار والتكلفة. تحدث أنواع مختلفة من الأضرار –تظهر بشكل رئيسي من خلال التشققات؛ خاصة في المباني الخرسانية والحجرية- في أثناء الزلازل. بعض هذه الشقوق مقبول (من حيث الحجم والموقع)، أما بعضها الآخر فغير مقبول. على سبيل المثال؛ في مبنى إطاري من الخرسانة المسلحة ذي جدران حجرية بين الأعمدة، تكون الشقوق بين الأعمدة والجدران الحجرية مقبولة، لكن الشقوق القطرية التي تمر عبر الأعمدة غير مقبولة.

تعرّضُ الشقوق القطرية في الأعمدة قدرة تحمّل الأحمال الشاقولية للخطر

Related Post

لذلك، يهتم التصميم المقاوم للزلازل بضمان كون الأضرار الزلزالية من النوع المقبول، وكذلك أنها تحدث في الأماكن الصحيحة وبالكميات المناسبة. يشبه هذا النهج كثيرًا استخدام «الصمامات الكهربائية-Fuses» في المنازل؛ فلحماية الأسلاك والأجهزة الكهربائية بالكامل في المنزل، فإنك تضحّي ببعض الأجزاء الصغيرة من الدارة الكهربائية، والتي تسمى الصمامات. تستبدل هذه الصمامات بسهولة بعد زيادة التيار الكهربائي. وكذلك، لإنقاذ المبنى من الانهيار، فإنك ستسمح لبعض الأجزاء المحددة مسبقًا بالخضوع لنوعٍ ومستوى مقبولٍ من الضرر. [1]

المطاوعة

لنأخذ قضيبَين بنفس الطول ونفس المقطع العرضي، أحدهما مصنوع من مادة «مطاوعة-Ductile» والآخر من مادة «هشة-Brittle». الآن، شدّهما حتى ينكسرا! ستلاحظ أن القضيب المطاوع يستطيل بمقدار كبير قبل أن ينكسر، بينما ينكسر القضيب الهش فجأةً عند الوصول إلى مقاومته القصوى مع استطالة صغيرة نسبيًا. بالنسبة للمواد المستخدمة في التشييد؛ يعتبر الفولاذ مطاوعًا، أما حجر البناء والخرسانة مادتان هشتان. [2]

يعرّف المهندسون الخاصة التي تسمح للمادة بالانحناء للخلف والأمام بمقدار كبير، بـ«المطاوعة-Ductility». يجب تحديد الأشكال المقبولة للضرر والسلوك المرغوب للبناء في أثناء الزلزال. كما يجب تصميم وتشييد «المباني المقاومة للزلازل-Earthquake-Resistant Buildings»، ولا سيما عناصرها الرئيسية، لتكون مطاوِعةً. تتمتع هذه المباني بالقدرة على التأرجح ذهابًا وإيابًا في أثناء الزلزال، ومقاومة تأثيراته مع بعض الأضرار، ولكن دون الانهيار. تعتبر المطاوعة من أهم العوامل المؤثرة في أداء المبنى. وبالتالي، يسعى التصميم المقاوم للزلازل إلى التحديد المسبق للمواقع التي يحدث الضرر فيها، ثم تقديم تفاصيل تصميمية جيدة في هذه المواقع لضمان سلوكٍ مطاوِعٍ للمبنى. [1]

تصميم الأبنية لمقاومة الزلازل

تنتقل قوى العطالة الزلزالية المتولدة عند مستويات أرضيات الطوابق عبر الجيزان والأعمدة المختلفة إلى الأرض. يجب أن تكون مكونات البناء الصحيحة مطاوِعةً. يمكن أن يؤثر «فشل أو انهيار-Failure» العمود على استقرار المبنى بأكمله، أما فشل الجائز فيسبب تأثيرًا موضعيًا. لذلك، من الأفضل تصميم الجيزان لتكون حلقاتٍ مطاوِعةً أضعف من الأعمدة (يمكن تحقيق ذلك بتحديد الحجم المناسب للعناصر، وتزويدها بالكمية المناسبة من فولاذ التسليح). تسمى هذه الطريقة في تصميم المباني الخرسانية المسلحة؛ طريقة العمود القوي والجائز الضعيف. [2]

العمود القوي والجائز الضعيف

المصادر

[1] What is the Seismic Design Philosophy for Buildings?

[2] How to make Buildings ductile for Good Seismic Performance?

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Zain Al-Abedien Hammoud

Share
Published by
Zain Al-Abedien Hammoud

Recent Posts

إنجاز عربي عالمي: الأردني-الأمريكي عمر ياغي يفوز بنوبل الكيمياء 2025

عمر ياغي ونوبل الكيمياء.. من تحديات شُحّ المياه إلى ثورة الأطر المعدنية العضوية (MOFs) الحلم…

أسبوع واحد ago

ثورة في عالم الاتصالات الكمومية: كيف تمكن عالم مصري من “ترويض” مبدأ عدم اليقين وتصويره في الزمن الحقيقي؟

ضوء كمومي مضغوط فائق السرعة: اختراق علمي يفتح آفاقاً جديدة للاتصالات المشفرة بسرعات "البيتاهرتز" على…

أسبوع واحد ago

نفق كمومي في يدك: نوبل الفيزياء 2025 تفتح آفاق الحوسبة الكمومية

مُنحت جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2025 (Nobel Prize in Physics 2025) لثلاثة من أبرز…

أسبوع واحد ago

مملكة دلمون: حضارة البحرين القديمة ومحطة التجارة الكبرى في الشرق الأدنى

تُعد مملكة دلمون واحدة من أقدم الممالك الحضارية في تاريخ الشرق الأدنى القديم، والتي ازدهرت…

أسبوع واحد ago

جائزة نوبل 2025 في الطب تكرم رواد “التسامح المناعي المحيطي”

الفرامل الخفية لـ "جيش المناعة": اكتشاف الخلايا التائية التنظيمية يفتح آفاق علاج أمراض المناعة الذاتية…

أسبوع واحد ago

“الساقية” الذكية: كيف تحولت عجلة الري المصرية القديمة إلى مصنع للطاقة النظيفة؟

السواقي المنسية: مصر تُحيي تراث الألفي عام لتوليد الكهرباء النظيفة.. طاقة المستقبل بين جنبات الماضي…

أسبوعين ago