ما هي تقنية الوراثيات البصرية؟
لطالما أدهشتنا هوليود بما تقدمه في أفلامها من أفكار إبداعية وثورية ولا سيما في أفلام الخيال العلمي التي أسهمت كثيرًا في نشر أفكار علمية بطريقة مبسطة وفي قالب فني تشويقي، ولاهتمامنا بالسينما العربية أيضًا قررنا أن نقدم للمنتج العربي قصة قد تصلح لفيلم خيال علمي.
تبدأ قصتنا في مختبر علمي معزول تحت الأرض يديره عالم مهووس مختص في البيولوجيا العصبية. يجلس العالم أمام الشاشة مراقبًا سير تجربته الفريدة القائمة في الغرفة المجاورة .
في الغرفة يُحتجَز شاب عشريني كان قد خُطفَ من أحد شوارع المدينة. كل شيء طبيعي إلى أن يحرك العالم مفتاح جهاز يحمله في يده، فيدخل الشاب في نوبة ضحك هستيرية غير مبررة لكنه يتوقف عن الضحك تمامًا حين يعيد العالم المفتاح إلى الوضع الأول. يدير العالم مفتاحًا آخر، فيبدأ الشاب بالصراخ والبكاء ليعود ويخمد مرة أخرى بإجراء مشابه من العالم، وبعد عدة ساعات وعدة تعديلات في منحى التجربة يتمكن العالم من السيطرة الكاملة على دماغ ذلك الشاب المسكين الذي لا يعي أساسًا أنه تحول إلى دمية تتحرك بإرادة خارجية.
ولكن ماذا لو أخبرتكم أنّ هذه القصة ليست خيالية تمامًا، وأنّ هذه التجربة قد حدثت بالفعل، ولكن بفرق أنها طُبّقت على الفئران وليس على البشر.
محتويات المقال :
قام فريق علمي من جامعة ستانفورد الأمريكية بقيادة عالم الأعصاب «كارل ديسروث_ karlDeisseroth » بالتحكم بالنشاط العصبي لعشرين خلية عصبية في القشرة البصرية لكل فأر من الفئران التي أُُجبرت على شرب الماء، وقد تمت عملية التحكم هذه بفضل تقنية تدعى «الوراثيات البصرية_optogenetics» التي سنتعرف عليها في هذا المقال.(1)
البصريات الوراثية
تعتبر الوراثيات البصرية تقنية عصبية حديثة العهد تعتمد بشكل أساسي على التحفيز الضوئي لبروتينات الرودبسين الغشائية، ولكن كيف بدأت هذه التقنية؟ ما هي آلية عملها؟ ما هي فائدتها؟
في عام 1979 رأى العالم الأميريكي فرانس كريك الحاصل على نوبل أنّ علم الأعصاب يواجه تحديًا كبيرًا في القدرة على التحكم بنوع واحد من الخلايا العصبية دون التأثير بغيرها، فالتنبيه الكهربائي لا يفي بالغرض لحل هذه المشكلة لأن الأقطاب الكهربائية تقوم بتنبيه جميع الدارات العصبية في المنطقة التي أُدخلت فيها دون تمييز بين الأنواع المختلفة للخلايا، ولكن ماذا عن الأدوية العصبية هل هي البديل المناسب؟ مع الأسف ليست كذلك أيضًا لأنها وبالإضافة لافتقارها للدقة المطلوبة، فإنّ تأثيرها أبطأ من تأثير التنبيه الطبيعي الخلاياإنّ الحل الأمثل لهذه المعضلة هو التحفيز الضوئي لأنه يحقق قدرة انتقائية عالية للخلايا المستهدفة والدقة الزمنية المناسبة. (2)
تعد بروتينات «الرودبسين_ rhodopsin» من أكثر المحولات البيولوجية استجابةً للتحفيز الضوئي وقد اكتشف الرودبسين «الرودبسين البكتيري_bacteriorhodopsin »لأول مرة عام 1970 في «العتائق الملحية_halophilic archea»وهي موجودة في البكتيريا وفي أغشية الخلايا البصرية للشبكية أيضًا.
وتتوضّع بروتينات الرودبسين في أغشية الخلايا بشكل قنوات مبوّبة تصل بين الوسط الخارجي والداخلي للخلية، فعندما تتعرض للضوء تُفتح البوابات لتشكل ممرًا للأيونات بين الوسطين.(3)
إنّ عمليتي التنبيه الطبيعي للخلايا العصبية والنقل الإشاري بين الخلايا تعتمدان بشكل أساسي على حركة الأيونات بين جانبي أغشية الخلايا، ولكن فيما لو تواجد الرودبسين في هذه الأغشية لاستطعنا التحكم بالفعالية العصبية(تحفيز أو تثبيط) للخلايا باستخدام الأطوال الموجية الضوئية الملائمة ومن دون أي إجراء جراحي، وهذا ما تم تطبيقه تمامًا في التجربة التي تحدثنا عنها سابقًا فقد استخدم العلماء فئرانًا معدّلة وراثيًا من خلال إصابة الخلايا المستهدفة بفيروس حامل للجين المسؤول عن إنتاج الرودبسين ، وبالتالي قد أصبحت الخلايا العصبيةالمستهدفة للفئران قادرة على إنتاج هذا البروتين، وبالمحصلة بات بإمكان العلماء وبواسطة الضوء التحكم بسلوك الفئران المرتبط بالخلايا المستهدفة.(1)
تجيب تقنية البصريات الوراثية على مجال واسع من الأسئلة المتعلقة بالسلوك والفيزيولوجيا، كما توفّر فهمًا أعمق لعمليات حيوية كالحركة والتعلم والذاكرة والاستقلاب، بالإضافة إلى ذلك فقد حققت الوراثيات البصرية اكتشافات طبية تشخيصية للنشاطات العصبية المضطربة المرتبطة بأمراض عصبية كالصرع والشلل الرعاش وداء هنتغتون.(4)
تعرفنا في هذا المقال على واحدة من أكثر التقنيات ثورية في علم الأعصاب، و التي يطمح العلماء أن تتيح لهم تطبيقاتٍ علاجية للأمراض العصبية المستعصية مثل الألزهايمر والشلل الرعاش.
ولكن لنعد قليلًا إلى قصتنا الهوليودية هل سنسمع يومًا بعلماء يسيطرون على البشر ويسخرونهم لمصالحهم الشخصية؟ من يدري؟ ربما!
المصادر
(1) Nature
(2) Scientific Amerian
(3) Science Advances
(4) Britannica
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…