فيزياء

ما هي الإشعاعات النووية؟ وكيف تتفاعل مع المادة؟

في سنة 1984م، وبالتحديد في مدينة المحمدية بالمغرب، كشفت التحقيقات عن موت عائلة بأكملها مكونة من ثمانية أفراد. عانى الأبوان من أعراض متشابهة قبل أن توافيهما المنية، ثم لحق بهم الأطفال بعد عدة أيام. وبعد أن بدأت بعض أعراضهم تظهر أيضا لدى الزائرين الذين حضروا إلى البيت من أجل عيادة المرضى، بدأت الشكوك تحوم حول تسمم جماعي.

عينت السلطات لجنة لكشف هذا اللغز، فتبين أن السبب في هذه المأساة حجرٌ غريبٌ تم وضعه كزينة في غرفة الجلوس. كان الحجر من مادة الإيريديوم المشعة Ir-192. وكان الأب قد أحضره معه من العمل، ظنًا منه أنه مجرد زينة، بعد أن نسي أحد العاملين أن يضعه في مكانه مع باقي المواد المشعة [1].

فما الذي حدث بالضبط حتى تلقى هذه العائلة المنكوبة هذا المصير؟ للإجابة على هذا السؤال، وللتعرف أكثر على أثر الإشعاعات النووية على الإنسان، دعونا نعرف: لماذا يجب أن نحذر الإشعاعات النووية؟

الإشعاع في الفيزياء النووية

عندما نتحدث عن الإشعاع في الفيزياء النووية، فإننا لا نحصره فقط في الموجات الكهرومغناطيسية (الضوء)، بل نتعداه لنشمل الجسيمات والذرات كالإلكترونات والبروتونات وذرات الهيليوم وغيرها.

ويرجع هذا الاصطلاح إلى خاصية «ازدواجية موجة – جسيم- wave-particle duality» التي ظهرت مع بدايات الفيزياء الكمية. حيث اكتشف العالم الشهير «ألبرت أينشتاين- Albert Einstein» أن الشعاع الضوئي يتصرف كجسيم مادي، أو بعبارة أخرى، يمكن تقسيمه إلى «فوتونات- Photons» كما نقسم المادة إلى ذرات.

ثم جاء « دي بروي- De Broglie» فعمّم هذه الازدواجية على كل المواد، بعد أن لاحظ كيف تتصرف الإلكترونات كموجة في ظاهرة «التداخل- Interference». وخلُص في النهاية إلى أن كل جسم له موجة مصاحبة له، لكن احتمالية السلوك الموجي هذه تتناقص كلما كَبُر حجم الجسم [2]. وبهذا يمكنك أن تتجاوز جدارًا عاليًا دون أن تبذل جهدًا لتسلقه. إذ إن كل ما عليك فعله هو أن تقف أمام الحائط وتنتظر حتى تجد نفسك في الجهة الأخرى. فقط عليك أن تنتظر تحقق هذا الاحتمال!

التفاعل بين الإشعاعات والمادة

عندما نسلط شعاعًا على جسم ما، فإنه عادة ما يتفاعل مع إلكترونات الذرات التي تُكون هذا الجسم. فإذا كان الشعاع قويًا بما فيه الكفاية، فإنه ينتزع الإلكترون من الذرة- وهذا مايسمى ب«التأين- Ionization». أما إن كان لا يمتلك الطاقة الكافية لذلك، فإنه يغير مدار الإلكترون بحيث يبعده أكثر عن نواة الذرة- وهذا ما يسمى ب«الإثارة- Excitation» [3]. ولفهم هاتين الظاهرتين بشكل أعمق، سنلقي نظرة على النموذج المستعمل حاليًا في وصف الذرات.

الذرة في الفيزياء المعاصرة

تتكون الذرة من نواة تحيطها سحابة من الإلكترونات. تنتظم هذه الإلكترونات في مدارات تتميز عن بعضها البعض بطاقتها. فالمدار الأقرب للنواة هو الأقل طاقة، يليه المدار الثاني، فالثالث، إلى أن نصل لأبعد مدار عن النواة وهو الأعلى طاقة.

ويمكن للإلكترونات أن تسافر من مدار لآخر، لكن الأمر يجري وفق تعليمات محددة. فإذا أردنا نقل إلكترون من مستوى طاقة إلى آخر أعلى منه (أي من مدار قريب من النواة إلى آخر أبعد)، نحتاج إلى كمية من الطاقة يمتصها الإلكترون عادة من الفوتونات.

أما عند انتقال الإلكترون من مدار أعلى طاقة إلى واحد أدنى، فإنه يبعث الطاقة الفائضة (فارق الطاقة بين المستويين) على شكل فوتون [4].

Related Post

أثر الإشعاعات على الذرة: التأين والإثارة

في حالة التأين، يمتص الإلكترون طاقة الإشعاع فيتحرر من الذرة تاركًا ثغرة في المدار الذي كان يشغره. أما في حالة الإثارة فيستعمل الإلكترون طاقة الإشعاع للانتقال إلى مدار أعلى طاقة (أي أبعد عن النواة). في هذه الحالة أيضًا يترك الإلكترون المهاجر ثغرة في المدار الذي تركه.

في النهاية، تقوم الذرة المُثارة أو المُؤيّنة بإعادة ترتيب لإلكتروناتها، فتملأ هذه الثغرات بإلكترونات المدارات الأبعد. ويصحب هذا انبعاث إشعاع يحمل مقدار الطاقة الذي يفصل بين المستويين [4].

وتعد الأشعة المؤيِّنة أخطر من الأشعة غير المؤيِّنة. فهي تُنشِّط التفاعلات الكيميائية في خلايا الإنسان، مما يؤدي إلى تدمير الخلايا البشرية. وهذا ما حصل مع العائلة المنكوبة، حيث أدى تعرضها لجرعات كبيرة من الإشعاع، بشكل مستمر، إلى تخريب جزء كبير من الخلايا دون إمكانية لإعادة الترميم. وهذا ما أدى بدوره إلى موت محتم.

فإن كنت من محبي جمع الأشياء الغريبة أو فضوليًا لكل ما هو جديد، فاحذر! لأن الفضول يقتل أحيانًا!

اقرأ أيضًا عن تسريب الإشعاعات النووية في روسيا

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
مريم بلحساوية

View Comments

Share
Published by
مريم بلحساوية

Recent Posts

تجميد الضوء .. علماء نجحوا في تحويل الليزر إلى مادة فائقة الصلابة!

في عالم الكم، لم تعد قواعد الفيزياء الكلاسيكية قابلة للتطبيق. واحدة من أكثر الحالات الرائعة…

شهر واحد ago

دراسة تقول أن الذكاء الاصطناعي أكثر تعاطفًا مع البشر من الأطباء النفسيين

أظهرت دراسة جديدة أن المرضى يجدون الذكاء الاصطناعي أكثر تعاطفاً وتفهماً من الأطباء النفسيين وخبراء…

شهر واحد ago

حاسة التذوق عبر جهاز جديد يستخدم الواقع الافتراضي

باتت التجارب الرقمية أكثر عمقًا وانغماسًا مع دمج الحواس البشرية في البيئات الافتراضية. ويأتي نظام…

شهر واحد ago

أسرار الحضارة البحرية القديمة المكتشفة في الفلبين

في اكتشاف رائد،  كشف باحثون من جامعة أتينيو دي مانيلا عن أدلة على وجود شكل…

شهرين ago

كيف شكّلت المفاصل المرنة في الأسماك القديمة حركة البشر؟

درس العلماء الأسماك الغضروفية الحديثة، مثل أسماك القرش وأسماك الزلاجات. وقارنوها بنظيراتها عديمة الفك، مثل…

شهرين ago

لغز الدماغ الزجاجي: كيف حوّل بركان فيزوف دماغًا بشريًا إلى زجاج

تحول دماغ شاب إلى زجاج منذ ما يقرب من 2000 عام، وهي ظاهرة يعتقد العلماء…

شهرين ago