ما هو سر طول عمر البويضات الموجودة في المبيض؟

طول عمر البويضات

توصل باحثون من معهد ماكس بلانك للعلوم المتعددة التخصصات في ألمانيا، إلى جانب فريق من الباحثين الأمريكيين، إلى اكتشاف رائد يلقي الضوء على طول عمر البويضات في المبيض. لقد حدد هؤلاء العلماء مجموعة خاصة من البروتينات التي تظل نشطة وحيوية لفترة طويلة بشكل مدهش، وتلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على الخصوبة طوال عمر الثدييات. نشرت الدراسات في المجلات العلمية المرموقة (Nature Cell Biology) و(eLife)، مما يوفر منظورًا جديدًا حول الآليات المعقدة التي تحكم الخصوبة.

ما يجعل هذا الاكتشاف رائعًا هو أنه يتحدى فهمنا الحالي لشيخوخة الخلايا. في حين أن معظم الخلايا في أجسامنا لها عمر محدود، يبدو أن خلايا البويضات في المبيضين تتحدى قواعد الشيخوخة، وتبقى قابلة للحياة وصحية لعقود من الزمن. ولكن كيف يفعلون ذلك؟

محتويات المقال :

البروتينات في الخلايا

في الآليات المعقدة وراء جسدك، فإن الخلايا هي وحدات البناء الصغيرة التي تشكل كل عضو ونسيج، من القلب النابض إلى الدماغ. ومثل الساعة، تتمتع الخلايا بإيقاعها الداخلي الخاص، حيث تعمل البروتينات كمكونات حيوية تعمل على تشغيلها.

البروتينات هي العمود الفقري للخلية، حيث تؤدي مجموعة واسعة من المهام بدءًا من تحفيز التفاعلات الكيميائية وحتى نسخ الحمض النووي. ويتم إنتاجها من خلال عملية تسمى التعبير الجيني (Gene expression)، حيث تتم ترجمة التعليمات الجينية إلى تسلسلات دقيقة من الأحماض الأمينية. ولكن ماذا يحدث عندما تحتاج الخلايا إلى البقاء نشطة لفترة طويلة، مثل البويضات في مبيض الثدييات التي تظل قابلة للحياة لعقود من الزمن؟ كيف تستمر هذه البروتينات في العمل دون أن تتحلل أو تفقد فعاليتها؟

تكمن الإجابة في الاستقرار الملحوظ لبعض البروتينات، والتي يمكن أن تستمر لفترات طويلة من الزمن حتى مع تغير البيئة المحيطة بالخلية. هذه الظاهرة ضرورية للحفاظ على الخصوبة، حيث تتطلب البويضات توازنًا دقيقًا من البروتينات لتبقى صحية وفعالة.

فهم تطور البويضات

لقد أثارت الآليات المعقدة التي تحكم تطور البويضات اهتمام العلماء منذ فترة طويلة، حيث يعود تاريخ الأبحاث إلى أوائل القرن العشرين. أدى اكتشاف دور المبيضين في التكاثر إلى موجة من الأبحاث حول أسرار تكوين البويضات. جاءت واحدة من أولى الاكتشافات في عام 1924، عندما وصف عالم التشريح الأمريكي إدغار ألين لأول مرة تطور البويضات في الثدييات. منذ ذلك الحين، ألقت العديد من الدراسات الضوء على جوانب مختلفة من بيولوجيا البويضات، بدءًا من تكوينها في مبيض الجنين وحتى نضوجها وإطلاقها أثناء عملية الإباضة.

ومع ذلك، على الرغم من التقدم الكبير، ظلت الآليات الدقيقة الكامنة وراء طول عمر البويضات غير معروفة. ويشتبه في أن بيئة المبيض، بمزيجها الفريد من الإشارات الهرمونية والتفاعلات الخلوية، تلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على حيوية البويضات. ولكن ما هي العوامل المحددة التي تساهم في هذا التحمل الرائع؟

الكشف عن لغز طول عمر بروتينات البويضات في الفئران

لقد فكر العلماء منذ فترة طويلة حول كيفية تمكن البويضات في الثدييات من البقاء قابلة للحياة لعقود من الزمن، في انتظار اللحظة المثالية للتخصيب. لفهم طول العمر الملحوظ لبروتينات البويضات، لجأ الباحثون إلى تقنية ذكية، وهي تتبع النظائر في أجنة الفئران. وقد سمح لهم هذا النهج المبتكر بقياس عمر البروتينات في مبايض الفئران النامية، مما كشف عن نمط رائع. وقد استمر العديد من هذه البروتينات لفترة أطول بكثير من نظيراتها في أجزاء أخرى من الجسم، مع بقاء بعضها على قيد الحياة طوال معظم حياة الفأر القصيرة.

في الدراسة الأولى، قام الباحثون بتحليل البويضات في فئران عمرها 8 أسابيع، عندما كانت الحيوانات في أوج قدرتها الإنجابية. ووجدوا أن حوالي 10% من بروتينات البويضات التي تم إنتاجها أثناء وجود الحيوانات في الرحم كانت لا تزال موجودة. ثم نظر الباحثون إلى الفئران الأكبر سناً لمعرفة المدة التي تستغرقها هذه البروتينات الثابتة للتحلل. والإجابة: ليس بالسرعة الكافية على الإطلاق، نسبياً. فقد ظلت بعض البروتينات في مبايض الفئران طوال معظم حياتها القصيرة.

وتمكن الباحثون من تحديد فترات نصف العمر لهذه البروتينات، ووجدوا أنها أطول بكثير في المبيضين منها في الأعضاء الأخرى، بما في ذلك الكبد والقلب والغضاريف والعضلات والدماغ. يشير هذا الاكتشاف إلى الدور الحاسم لهذه البروتينات القوية في الحفاظ على الخصوبة وصحة البويضات. ومن خلال تتبع عمر هذه البروتينات، تمكن العلماء من كشف أسرار طول عمر البويضات وتسليط الضوء على الانخفاض الغامض في الخصوبة مع تقدم العمر.

كما توصلت دراسة ثانية أجراها فريق بقيادة باحثين أمريكيين إلى أدلة على وجود بروتينات طويلة الأمد في المبيض لدى الفئران الصغيرة، بما في ذلك البروتينات التي كانت موجودة قبل ولادة الفئران. وتم تحديد بعض البروتينات طويلة الأمد، مثل (ZP3)، للدراسات المستقبلية.

كانت بعض هذه البروتينات القوية موجودة في الميتوكوندريا الخلوية، حيث يتم توليد طاقة الخلية. ونظرًا لأن الميتوكوندريا موروثة كجزء من خلية البويضة التي ينمو منها الثدييات، فقد يضمن ذلك أن تظل هذه العضيات الحيوية قادرة على العمل أثناء انتقالها من الأم إلى نسلها.

كشف أسرار الخصوبة والعقم

إن اكتشاف هذه البروتينات طويلة العمر بشكل استثنائي في البويضات يفتح الباب أمام فهم أعمق للخصوبة وتراجعها. ومن خلال كشف أسرار هذه البروتينات، قد يفتح العلماء طرقًا جديدة لعلاج أو تشخيص العقم.

إن الآثار المترتبة على هذا البحث بعيدة المدى، مع تطبيقات محتملة في التقنيات المساعدة على الإنجاب، مثل الإخصاب في المختبر (IVF). ومن خلال فهم أفضل لكيفية دعم هذه البروتينات لصحة البويضات، قد يتمكن الباحثون من تحسين معدلات نجاح إجراءات التلقيح الاصطناعي أو حتى تطوير أساليب جديدة للحفاظ على الخصوبة.

علاوة على ذلك، يمكن لهذا الاكتشاف أن يسلط الضوء على الآليات الأساسية للعقم المرتبط بالعمر. فمع تقدم المرأة في العمر، قد تتضاءل قدرة بويضاتها على الحفاظ على البروتينات الواهبة للحياة، مما يزيد من صعوبة الحمل. ومن خلال تحديد البروتينات المهمة المشاركة في هذه العملية، قد يتمكن العلماء من تطوير تدخلات تعمل على إبطاء هذا الانخفاض أو عكسه، مما يمنح النساء سنوات إنجابية أطول.

تمتد أهمية هذا البحث إلى ما هو أبعد من عالم الخصوبة، حيث أن له أيضًا آثارًا أوسع على فهمنا لطول عمر الخلايا والشيخوخة. ويثير اكتشاف هذه البروتينات غير العادية في البويضات تساؤلات حول وجود بروتينات مماثلة طويلة العمر في أنواع الخلايا الأخرى، ودورها المحتمل في الحفاظ على صحة الأنسجة ووظيفتها.