منذ الثورة الصناعية، اعتمد العالم على الوقود الأحفوري رغم ما يسببه من انبعاثات لغاز ثاني أكسيد الكربون، المعروف كأحد أخطر الغازات الحبيسة. ومن المتوقع نضوب الوقود الأحفوري بحلول عام 2050، لذا يتجه العلماء لتوفير طاقة نظيفة مثل الخلايا الشمسية أو وقود الهيدروجين. ولضمان استمرارية وتطوير إنتاج الطاقة النظيفة، نحتاج إلى أجهزة تخزين الطاقة ومن أشهرها البطاريات والمكثفات. البطارية تخزن الطاقة عن طريق تحويل الطاقة الكيميائية لكهربية بواسطة عمليات الأكسدة والاختزال مما يوفر مرور تيار كهربي يُستخدم في تشغيل مختلف الأجهزة الكهربائية. ولكن ما هو المكثف وكيف يعمل؟
يعمل المكثف على تخزين الطاقة في صورة مجال كهربي. والاختلاف الجوهري بين المكثفات والبطاريات يكمن في آلية تخزين الطاقة، وما يترتب على ذلك من خصائص لكل منهما [1] .
محتويات المقال :
يعتبر أول من اخترع المكثف هو «بيتر فان موشنبروك- Pieter van Musschenbroek» عام 1746 في جامعة ليدن في هولندا باستخدام «جرة ليدن-Leyden jar». وجرة ليدن هي عبارة عن جرة زجاجية ملفوفة من الداخل والخارج بورق معدني رفيع. تم توصيل الرقاقة الخارجية بالأرض، وتم توصيل الرقاقة الداخلية بمصدر للكهرباء [2].
صورة جرة ليدن من موقع متحف الفيزياء لجامعة كوينزلاند الأسترالية
على الرغم من عدم فهم كيفية عملها في ذلك الوقت، اكتشف بيتر أن الجرة تخزن شحنة كهربائية حتى بعد فصلها عن المولد. ومثل العديد من الأجهزة الكهربائية المبكرة، لم يكن هناك استخدام خاص لجرة ليدن في البداية. لكن اليوم ومع تطور العلوم والتكنولوجيا أصبحت المكثفات وما ترتب عليها من تطورات جزء لا يتجزأ من اختيارات تخزين الطاقة.
المكثف هو جهاز يتكون من موصلين للكهرباء بينهما مادة عازلة. يقوم المكثف بتخزين الطاقة الكهربية الساكنة في صورة مجال كهربي. ويعتمد المكثف على المجال الكهربي الناتج عن اختلاف الشحنات على الموصلين. وبسبب الاعتماد الكلي على التجاذب الكهربي بين الشحنات، تُستخدم المكثفات في مواضع كثيرة تحتاج التفريغ السريع اللحظي لكمية ما من الطاقة مثل وامض الهاتف المحمول (فلاش الكاميرات) [3].
تصميم تخطيطي لأول مكثف (جرة ليدن)
صورة توضيحية لأبسط مكونات المكثف
تخزن المكثفات الطاقة الكهربائية على شكل شحنة كهربائية متراكمة على ألواحها. وعندما يتصل المكثف بمصدر طاقة، تتراكم الشحنات على الألواح ومن ثم يمكن إطلاقها عند فصل المكثف عن مصدر الشحن عند الحاجة. ويمكنك شحن مكثف ببساطة عن طريق توصيله بدائرة كهربائية. وعند تشغيل الطاقة، تتراكم الشحنة الكهربائية مجددًا تدريجياً على الألواح. ويكتسب إحدى اللوحين شحنة موجبة، بينما يكتسب اللوح الآخر شحنة متساوية ومعاكسة (سالبة).
إذا فصلت الطاقة، فسيحتفظ المكثف بشحنته لكنه سيفقدها ببطء مع مرور الوقت، لكن إذا قمت بتوصيل المكثف بدائرة ثانية تحتوي على شيء مثل محرك كهربائي أو مصباح، ستتدفق الشحنة من المكثف عبر المحرك أو المصباح حتى لا يتبقى أي شيء على الألواح. على هذا النحو، تصبح المكثفات قادرة على إطلاق الطاقة المخزنة بمعدل أعلى بكثير من البطاريات، لأن العمليات الكيميائية في البطاريات تحتاج إلى مزيد من الوقت لتحدث[3] .
تتميز المكثفات بفترة عمر أطول كثيرًا -تُقدر بالسنين- من البطاريات. والأهم من ذلك أنه يمكن إعادة شحنها مرارًا وتكرارًا دون فقد أي طاقة مخزنة. وذلك لأن المكثف يعتمد على تخزين الطاقة في صورة مجال كهربي. على صعيد آخر يحدث تآكل للمواد الكيميائية المكونة للبطاريات، وبالتالي لا يمكن إعادة شحنها إلا مرات محدودة إذا أمكن ذلك، ولكن يوجد أنواع بطاريات لا يمكن إعادة شحنها [4].
نعم، إنه الجيل الجديد من أجهزة تخزين الطاقة ويعرف بالمكثفات فائقة التوصيل. ويعتمد المكثف فائق التوصيل في تخزينه للكهرباء على آليتي التخزين: تحويل الطاقة الكيميائية لطاقة كهربية، وتخزين الطاقة الكهربية الساكنة بين القطبين في صورة مجال كهربي [4,5].
هناك العديد من التطبيقات التي تستخدم المكثفات كمصادر للطاقة. إذ تُستخدم المكثفات في أجهزة الراديو لضبط التردد المطلوب، وفي المنازل أيضا لتحويل التيار المتردد لتيار مستمر لتشغيل الأجهزة الكهربائية. كما يتم استخدامها في المعدات الصوتية، وإمدادات الطاقة غير المنقطعة، وومضات الكاميرا، والأحمال النبضية مثل الملفات المغناطيسية والليزر وما إلى ذلك [5]. وفي الآونة الأخيرة، يركز العلماء جهودهم على تطوير المكثفات لتخزين الطاقة واستخدامها في الدوائر الكهربائية المختلفة، ولملء الفجوة بين المكثفات والبطاريات، والوصول لمعدل تفريغ طاقة عالٍ بسعة تخزينة كبيرة. ويعتبر ذلك النوع هو الجيل الجديد من أجهزة تخزين الطاقة حيث تتميز بسعات تخزينية أعلى من المكثفات العادية. كما تعتمد في آلية تخزينها على تكوين طبقة مزدوجة من الشحنات وكذلك التفاعلات الكهروكيميائية كما في البطاريات.
يمكن أن تخزن هذه المكثفات كميات كبيرة من الطاقة وتوفر إمكانيات جديدة، خاصة في مجالات السيارات الكهربائية، والمكابح المتجددة في صناعة السيارات. ويقصد بالكبح التجديدي تنشيط المكابح المتجددة، فتتباطأ السيارة مع تجديد بعض الكهرباء التي كانت تستخدم في الأصل لتسريعها. ثم يتم تغذية هذه الكهرباء مرة أخرى إلى البطاريات لتسريع السيارة مرة أخرى في المستقبل. يختلف الكبح التجديدي عن المكابح التقليدية التي لا تولد شيئا سوى الحرارة والضوضاء عند إبطاء السيارة. وعلى عكس مركبات ICE (Internal Combustion Engine- محرك الاحتراق الداخلي) التي تستخدم المكابح التقليدية فقط، تستخدم السيارات الكهربائية كلا من الكبح التقليدي والمتجدد [6].
ومن التطبيقات أيضًا المحركات الكهربائية الصناعية، وذاكرة الكمبيوتر الاحتياطية أثناء فقدان الطاقة وغيرها الكثير. وسيكون للمكثفات نصيب هائل في المستقبل لما تلبيه من حاجتنا إلى السرعة وندرة الموارد.
المصادر:
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…