يناقش الكاتب البرتغالي الكبير الحائز على جائزة نوبل للأدب – جوزيه ساراماجو – فكرة العجز واليأس في العديد من رواياته. ويفتتح أحد فقرات رواية الطوف الحجري معقبًا على شعور أحد شخصيات الرواية باليأس، فيقول
“اليأس كما نعرف جميعًا، سلوك بشري، لا نعرف خلال التاريخ الطبيعي أن الحيوانات تيأس. لكن الإنسان نفسه لا ينفصم عن اليأس، اعتاد على الحياة فيه، ويحتمله حتى آخر الحدود”.
الطوف الحجري – جوزيه ساراماجو
ورغم كون هذه الافتتاحية جميلة على المستوى الأدبي فإنها عندما توضع تحت عدسة العلم فهي ليست بالدقيقة وتحتاج إلى تصحيح.
فتابع معنا المقال التالي لتتعرف كيف يؤثر اليأس على الحيوانات بشكل عام وما هو تأثيره على البشر؟
محتويات المقال :
تجربة سيليغمان وماير
شرح التجربة
في ستينيات القرن الماضي، قام عالما علم النفس «مارتن سيليغمان – Martin Seligman» و «ستيفن ماير – Steven F. Maier» بإجراء تجربة تتضمن تعليم ثلاث مجموعات مختلفة من الكلاب القفز فوق عقبة صغيرة من جانب واحد من الصندوق إلى الجانب الآخر للهروب من صدمات كهربائية. كانت المجموعة الأولى تتعرض للصدمات لأول مرة في حياتها. أما المجموعة الثانية فقد تعلمت الهروب من صدمات كهربائية ولكن في ظروف مختلفة عن ظروف التجربة. وبالنسبة للمجموعة الثالثة، فقد تعرضت للصدمات الكهربائية من قبل أيضًا. ولكن تلك الصدمات كانت مستمرة ولا يمكن الهروب منها بأي شكل.
نتائج التجربة
توقع سيليغمان وماير أن المجموعة الثانية ستكون أسرع مجموعة تتعلم الهروب من الصدمة الكهربائية ثم تليها المجموعة الأولى ثم المجموعة الثالثة. وبالفعل تعلمت المجموعة الثانية أسرع من المجموعة الأولى. ولكن ما لم يكن متوقع هو أن المجموعة الثالثة لم تحاول الهرب من الصعقات الكهربائية على الإطلاق. لقد أصبحت المجموعة الثالثة سلبية تمامًا. أصبحت الكلاب في المجموعة الثالثة تتلقى الصدمات الكهربائية ولا تقوم بأي رد فعل، حتى قام العلماء بإنهاء التجربة بدافع الرحمة.
اكتشاف العجز المتعلم
اقترح سيليغمان وزملاؤه أن الكلاب في المجموعة الثالثة تعلمت من التعرض لصدمات لا مفر منها أن لا شيء يمكن أن يفعلوه يمكن أن يحدث فرقًا. لقد كانت المجموعة الثالثة «عاجزة – helpless» عندما يتعلق الأمر بالسيطرة على مصيرهم. فقد نقلت المجموعة الثالثة ما تعلموه من تجاربهم السابقة إلى هذه التجربة مثل المجموعة الثانية، ولكن في حالتهم فقد نقلوا «العجز المتعلم – learned helplessness» أو اليأس المتعلم. لقد كانت الكلاب تفتقر إلى إحساس التحكم في مصيرها. ولعل ذلك الافتقار إلى التحكم هو ما جعل هذه الكلاب تظهر مؤشرات الحزن والإكتئاب.
علاج العجز المتعلم
حاول سيليغمان فيما بعد علاج الكلاب التي أصبحت عاجزة ولا تحاول الهروب من الصعقات الكهربائية. وقد قال سيليغمان فيما بعد أنه يبدو أن علاجًا واحدًا فقط يعالج العجز في الكلاب. فقد أفترض أن الكلب لا يحاول الهروب لأنه يتوقع أن محاولة الهروب ستكون بلا جدوى. ولكن عندما تم إجبار الكلاب على معرفة أن هناك تغيير يمكن أن يحدث فرقًا عندها بدأت الكلاب القفز من تلقاء نفسها لإنهاء الصعقات الكهربائية. فقد قام سيليغمان بربط الكلاب بحبل وإجبارها على عبور العقبة حتى تتوقف الصعقات الكهربائية. وقد لاحظ سيليغمان أن القوة المطلوبة لتحريك الكلاب كانت تقل مع الوقت. فقد كانت الكلاب في البداية تقاوم الحركة بشكل كبير ولكن مع مرور الوقت كانت مقاومتها تقل، حتى أنها في النهاية كانت تكفي مجرد وخزة لجسم الكلب حتى يبدأ في عبور العقبة وإيقاف الصعقات.
ما بعد تجربة سيليغمان وماير
أعيد إجراء تجربة سيليغمان وماير على حيوانات عديدة وعلى البشر بطرق مختلفة وأعطت نفس النتائج. فقد أعيدت التجربة على الفئران والقطط والأسماك وأظهرت هذه المجموعات دائمًا عجزًا متعلمًا.
ولعل أشهر التجارب المشابهة المتعلقة بالعجز المتعلم أجريت على الفئران. ففي العادة عندما يتم الإمساك بفأر وإلقاءه مباشرة في خزان مياه فإنه يستطيع السباحة لمدة ستين ساعة قبل أن يغرق. ولكن عندما قام العلماء بالإمساك بالفئران حتى تتوقف عن المقاومة تمامًا فإنها تقاوم الغرق لمدة ثلاثين دقيقة فقط قبل أن تغرق. ولعلاج هذه الفئران من العجز المتعلم فإن العلماء قاموا بإخراج الفئران العاجزة من الماء لمدة بسيطة ثم معاودة إلقاءها في الماء مرة أخرى عدة مرات. وقد قاومت تلك الفئران التي تم إخراجها من الماء وإلقاءها فيه مرة أخرى الغرق لمدة ستين ساعة كما الفأر العادي تمامًا. لقد كانت عملية إخراج الفأر من الماء وإلقاءه فيه مرة أخرى تعطي الفأر إحساسًا بالتحكم بمصيره. ورغم كون إحساس الفأر بالتحكم بمصيره مزيفًا، إلا أنه جعله يقاوم الغرق لفترات أطول.
العلاقة بين العجز المتعلم والاكتئاب
على ما يبدو فهناك علاقة بين العجز المتعلم الذي تم وصفه أول مرة في تجارب سيليغمان وماير وبين السلوك البشري الناتج عن سوء التكيف. فعلى سبيل المثال، يعد «اضطراب الاكتئاب الشديد – Major Depressive Disorder» -الذي ينتج في الغالب نتيجة العيش في ظروف مرهقة وصعبة – مرتبط بشكل ما بالعجز المتعلم. فعلى سبيل المثال، تتشابه أعراض اضطراب الاكتئاب الشديد وأعراض العجز المتعلم في أن المصاب بأي منهما يظهر تأخر في الاستجابة للمحفزات الخارجية. كما يتشابها أيضا في أن المصاب بأي منهما يجد صعوبة في تصديق في أن محاولاته سوف تنجح.
في إحدى الدراسات المتعلقة بأعراض الاكتئاب، فقد تم تصنيف الشعور باليأس والعجز وانعدام القيمة كأعراض أساسية لمرضى الاكتئاب. ومن المثير للاهتمام أيضًا أن نضوب «النورإبينفرين – norepinephrine» الناتج عن الصعقات التي لا يمكن التحكم بها يطابق الفرضية القائلة بأن نضوب النورإيينفرين أحد مسببات الإكتئاب لدى البشر.
المصادر
[2] Journal of experimental psychology
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :