...
Ad

بينما نحلق في السماء خلال إجازتنا الصيفية، قليل منا يتوقف للتفكير في المسارات البيضاء الغريبة التي تخلفها الطائرات خلفها. ولكن ما هي هذه الخطوط البيضاء بالضبط، وماذا تعني لكوكبنا؟ هذه الخطوط هي مسارات التكاثف (contrails)، وهي السحب الاصطناعية التي تنشأ عن بخار الماء المنبعث من محركات الطائرات. إنها عنصر أساسي في السفر الجوي الحديث، لكن الأبحاث الحديثة أظهرت أن مسارات التكاثف تتغير ولاحظت تأثيرها على المناخ. الأشخاص الذين يقفون وراء هذا الاكتشاف هم الدكتور إدوارد جريسبيردت وفريقه، الذين نشروا دراسة رائدة حول هذا الموضوع.

كيف تتشكل مسارات التكاثف؟

عندما يحرق محرك الطائرة الوقود، فإنه يطلق كمية كبيرة من بخار الماء في الغلاف الجوي. ثم يتكثف بخار الماء هذا إلى قطرات صغيرة، مما يخلق سلسلة من بلورات الجليد خلف الطائرة. ومع نمو بلورات الجليد هذه، فإنها تشكل بنية تشبه السحابة والتي نشير إليها عادةً باسم “مسار التكاثف”.

ولكن ما يجعل مسار التكاثف فريد من نوعه هو ارتفاعه. تتشكل السحب النموذجية على ارتفاعات أقل بكثير، حوالي 2-5 كيلومتر فوق سطح الأرض. ولكن، تتشكل مسارات التكاثف على ارتفاعات تصل إلى حوالي 10-12 كيلومترًا، حيث يكون الهواء أكثر برودة والجو أكثر نقاءً.

يعد هذا الارتفاع أمرًا بالغ الأهمية، لأنه يؤثر على تكوين وتبديد مسارات التكاثف. على ارتفاعات أعلى، يكون الهواء أكثر استقرارًا، مما يسمح لمسارات التكاثف بالاستمرار لفترات أطول. وهذا بدوره له تأثير كبير على المناخ، كما سنستكشف لاحقًا.

مسارات التكاثف وتأثيرها على المناخ

العلم وراء تكوين السحب

تتشكل الغيوم عندما يتكثف بخار الماء في الهواء على شكل جزيئات صغيرة، مما يؤدي إلى تكوين قطرات سائلة مرئية أو بلورات ثلجية. تحدث هذه العملية عندما يبرد الهواء إلى نقطة الندى (درجة التكثف)، وهي درجة الحرارة التي يبرد فيها الهواء بمكوناته المختلفة، عند ضغط جوي محدد ليتكثف بخار الماء إلى مياه

تعود دراسة السحب إلى اليونان القديمة، حيث كتب فلاسفة مثل أرسطو وأبيقور عن تكون السحب وهطول الأمطار. ومع ذلك، لم يكتشف العالم الإيطالي لوكا جالفاني مفهوم التكثيف إلا في القرن السابع عشر.

وبالتقدم سريعًا إلى القرن العشرين، حقق علماء مثل إيرفينغ لانجميور وفنسنت شيفر اكتشافات رائدة حول تكوين السحب. أدى عمل لانجموير على نوى التكاثف (Cloud condensation nuclei) (جزيئات صغيرة تتجمع حولها قطيرات السحب) إلى فهم أعمق لكيفية تشكل السحب، في حين كشفت تجارب شيفر مع تلقيح السحب (Cloud seeding) (محاولة لتغيير كمية أو نوع هطول الأمطار من الغيوم) عن أهمية الملح ويوديد الفضة (Silver iodide) في تكوين السحب.

اليوم، نحن نعلم أن السحب تلعب دورًا حاسمًا في تنظيم مناخ الأرض، والتأثير على درجات الحرارة العالمية، وتوجيه أنماط الطقس. وتنطبق نفس المبادئ التي تحكم تكوين السحب الطبيعية أيضًا على السحب الاصطناعية مثل مسار التكاثف.

العواقب المفاجئة للطيران الحديث

أدى ظهور الطائرات الحديثة إلى تحسينات كبيرة في كفاءة استهلاك الوقود، حيث تطورت الطائرات للطيران على ارتفاعات أعلى، عادة حوالي 12 كيلومترًا (38000 قدم) فوق سطح الأرض. في حين أن هذا قد يبدو تطورًا إيجابيًا، فقد كشفت الأبحاث عن نتيجة غير مقصودة، حيث تدوم مسارات التكاثف لفترة أطول من أي وقت مضى. ولكن لماذا يحدث هذا؟

المفتاح يكمن في درجة حرارة الغلاف الجوي والرطوبة. في الارتفاعات الأعلى، يكون الهواء أكثر برودة، وتكون الرطوبة النسبية (نسبة بخار الماء الموجود في الهواء إلى ما يستطيع الأخير حمله منه عند درجة الحرارة نفسها والضغط الجوي نفسه) أعلى. هذا المزيج المثالي يسمح لمسارات التكاثف بالتشكل بسهولة أكبر والاستمرار لفترات أطول. ونتيجة لذلك، يمكن أن تبقى في السماء لساعات، وأحيانًا حتى لأيام، بدلًا من أن تتبدد بسرعة كما كانت تفعل من قبل. مما يؤدي إلى حبس المزيد من الحرارة في الغلاف الجوي وتفاقم تغير المناخ.

ولهذه الظاهرة آثار كبيرة على مناخنا. ومع استمرار وجود مسارات التكاثف، فإنها تستمر في حبس الحرارة، مما يساهم في ارتفاع درجة حرارة كوكبنا. إنها حلقة مفرغة، حيث أدت الجهود المبذولة للحد من انبعاثات الكربون عن طريق الطيران بكفاءة أكبر، عن غير قصد، إلى زيادة في الاحتباس الحراري المرتبط بمسارات التكاثف.

مسارات التكاثف وتأثيرها على المناخ إلى جانب انبعاثات الوقود

الحقيقة هي أن مسارات التكاثف ليست مجرد سحب صناعية غير ضارة؛ إنهم مساهمون كبيرون في ظاهرة الاحتباس الحراري. وعندما نأخذ في الاعتبار انبعاثات وقود الطائرات، فهي ضربة مزدوجة لا يستطيع كوكبنا تحملها.

لقد قطعت صناعة الطيران خطوات كبيرة في الحد من انبعاثات الكربون، هذه الخطوة لها إيجابياتها وسلبياتها. إن النتيجة غير المقصودة للطيران على ارتفاعات أعلى لا يمكننا تجاهلها. وكما قال الدكتور إدوارد جريسبيردت بشكل مناسب، فالطائرات الأحدث تحلق على ارتفاعات أعلى وأعلى في الغلاف الجوي لزيادة كفاءة استهلاك الوقود وتقليل انبعاثات الكربون. والنتيجة غير المقصودة لذلك هي أن هذه الطائرات التي تحلق فوق شمال الأطلسي تنتج الآن المزيد والمزيد من مسارات التكاثف، واحتجزت حرارة إضافية في الغلاف الجوي، مما أدى إلى زيادة التأثير المناخي للطيران.

عندما نتطلع إلى المستقبل، من الضروري أن نعترف بالدور الذي تلعبه مسارات التكاثف وتأثيرها على المناخ. ومن خلال فهم العلاقة بين مسارات التكاثف، وانبعاثات وقود الطائرات، والاحتباس الحراري، يمكننا العمل معًا للتخفيف من آثارها. يجب أن تستمر صناعة الطيران في الابتكار، وإيجاد طرق لتقليل الانبعاثات مع معالجة معضلة مسارات التكاثف أيضًا.

المصدر

What Are The White Trails Planes Leave Behind? The Damning Science Of Contrails | iflscience

Operational differences lead to longer lifetimes of satellite detectable contrails from more fuel efficient aircraft | iopscience

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


بيئة كيمياء

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 298
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.