ماذا تعرف عن الطاعون الذي أطاح بالحضارة البيزنطية؟
في عام 527 وصل الإمبراطور “جستنيان” إلى السلطة، كان آملا في إستعادة الإمبراطورية البيزنطية مجدها الذي أصبح من الماضي، وقد مر وقت طويل منذ أن إنفلتت المقاطعات الغربية من القبضة الرومانية، حصل جستنيان على سلام مع الإمبراطورية الفارسية مقابل 11 ألف جنيه ذهب سنويا، وبحلول عام 540، حقق الجيش البيزنطي مكاسب كبيرة في شمال إفريقيا وشبه الجزيرة الإيطالية، وفي عام 541 بدأ الطاعون في القسطنطينية وبعد عامين، دمر الإمبراطورية البيزنطية.
محتويات المقال :
نشأ الطاعون في الصين وشمال شرق الهند، وانتقل إلى إفريقيا عبر طرق التجارة البرية، وكانت بؤرة نشأة الطاعون هي مصر.
كان الجرذ الأسود هو الوسيط الذي انتقل عبره الطاعون، حيث كان يسافر على متن سفن الحبوب والعربات المرسلة إلى القسطنطينية كجزية، في القرن الثامن، كانت شمال افريقيا هي مصدر الإمبراطورية الأساسي للحبوب وبعض السلع المختلفة الأخرى.
إن تخزين الحبوب في مستودعات ذات أرض مناسبة لتكاثر البراغيث والجرذان، خلق فرصة لنقل الطاعون.
وفقا للمؤرخ “كولين باراس” فإن إيطاليا شهدت تقلبات مناخية في تلك الفترة، تحديدا موجة برد إستمرت لعقود صحبتها إضطرابات إجتماعية وحرب، قد أدت هذه الأزمة إلى نقص الغذاء مما صحبه تحركات الناس في جميع أنحاء المنطقة، ورافق هؤلاء المهاجرين فئران مصابة وبراغيث، وبالإضافة إلى زيادة عدد الفئران المصابة فإن هذا قد خلق الظروف المثالية للوباء.
يصف” بروكوبيوس” في “كتابه السرّي” الضحايا بأنهم يعانون من الكوابيس والأوهام، والحمى والتورمات في الفخذ وفي الإبطين وخلف الأدنين، عانى الكثيرون من آلام المرض قبل أيام من الموت بينما مات آخرون فور ظهور الأعراض، كما أن وصف الأعراض تؤكد أن الدبلي هو السبب الحقيقي للوباء.
ألقي باللوم على الإمبراطور في هذه الجائحة وتم إتهامه بأنه شيطان أو أن المرض عقاب من الله له.
كان نوع الطاعون الذي اجتاح الإمبراطورية هو “الدبلي- bubonic plague” على الرغم من وجود إحتمالين آخرين وهما “الإلتهاب الرئوي” و”تسمم الدم”، كان أيضا الطاعون الذي أصاب أوروبا في القرن الرابع عشر المعروف بإسم “الموت الأسود“
صرح العلماء أن إثنين من أكثر الأوبئة فتكا في التاريخ نتجت عن سلالات مختلفة من نفس الميكروب مما ينذر بإحتمالية إنتشار سلالة جديدة في المستقبل مسببة طاعونا آخر!
إن سلالات الطاعون المتوطنة في مجموعات القوارض في جميع أنحاء العالم، مميتة تماما كالسلالات التي تسبب في الأوبئة السابقة، لذا فإن إحتمال حدوث جائحة جديدة لايزال قائما لأن السلالات موجودةقال ديف واغنر، الأستاذ المساعد في جامعة أريزونا في فلاغستاف:
وقد تم التأكيد على وجود صلة بين المرضين، بعد إجراء دراسة إعتمدت على عزل جزء من هيكل هضمي تابع لضحية طاعون جستنيان، وبالتحديد أسنان الهيكل، فمن المعروف أن هذا الوباء يعيش في دم الضحايا والأسنان تحتوي العديد من الأوعية الدموية لذا فهي الجزء المثالي للدراسة.
بعد استخراج حمض نووي قديم ثم إصلاحه قارنه العلماء بتسلسلات الجينوم الكامل ل130 سلالة أخرى من نفس الميكروب وكذلك الموت الأسود.
وجد العلماء أن السلالة المتسببة في طاعون جستنيان مرتبط بجميع السلالات لكنها تختلف عنها، بما في ذلك سلالات الموت الأسود والوباء الثالث في القرنين 19 و20 ، ويعتقد العلماء أنها نشأت في الصين ثم انتشرت إلى كامل العالم.
ساهم هذا الطاعون بقوة في إضعاف الإمبراطورية سياسيا واقتصاديا كما سهلت الحرب والتجارة انتشاره وبالتحديد تحركات الجنود وقطارات الإمدادات التي سهلت انتقال الجردان المصابة.
كان الطاعون منتشرا بشدة فحتى الإمبراطور أصيب بالمرض بالرغم من أنه لم يمت، فتناثرت الجثث في شوارع العاصمة، أمر جستنيان القوات بالمساعدة في التخلص من الموتى ، تم حفر خنادق لدفن الجثث بعدما امتلأت المقابر، كما تم اتخلص من الجثث في البحر، ولم تكن الجثث للبشر فقط، فقد هلكت جميع أنواع الحيوانات أيضا.
كان للطاعون تأثير إقتصادي عظيم على الامبراطورية، خاصة وأن الإمبراطورية لازالت تعتمد على الزراعة، والضرائب، فإن فقدان المزارعين أضر بالامبراطورية، عانت نقص العذاء من جهة وفقدان الضرائب من جهة أخرى. مع زيادة الضحايا فإن الإمبراطورية فقدت الكثير من الضرائب مما أدى إلى فرض قانون يوجب المواطنين مالكي الأراضي على دفع ضرائب جيرانهم المتوفين.
عامل آخر أضعف الإمبراطورية، وهو توتر العلاقات مع بلاد فارس، مما أدى إلى عدة معارك ولكنها إنتهت بسلام عام 542.
بالكاد صمدت إمبراطورية جستنيان ولم تتمكن من تحقيق أحلامه وطموحاته بإعادة مجد بيزنطا لكن في عام 540 كانت في طريقها للتعزيزات، استولت الإمبراطورية على افريقيا بجهد ضئيل وأخذوت إيطاليا تحت السيطرة، لم يكن هذا حال الإمبراطورية أثناء الطاعون، ففي السنوات التي عقبته، فقد كان تاثيره قويا على إقتصادها وقدراتها العسكرية ، وهذا كان جراء نقص اليد العاملة الذي وضع الإمبراطورية في مشاكل مالية ومنه تقلص القوة العسكرية، فقد كانت قادرة على المطالبة بأرض أكبر إلا أن الطاعون منعها من تحقيق مجدها المنشود.
اقرأ أيضًا، كيف أسقط الطاعون عصر أثينا الذهبي؟
المصادر:ancient
journal of history
national geografic
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…
View Comments