Categories: طبأحياء

لماذا لا تحل الذكريات الجديدة محل الذكريات القديمة؟

أنت تحاول تعلم مهارة جديدة أو تذكر وجه جديد، ولكن في كل مرة تفعل ذلك، ينسى عقلك شيئًا تعلمته من قبل. تُعرف هذه الظاهرة بالنسيان الكارثي (catastrophic forgetting). والآن، توصل فريق من الباحثين إلى اكتشاف رائد يلقي الضوء على كيفية تجنب أدمغتنا لهذه المشكلة.

الجواب يكمن في عالم النوم الغامض. أثناء النوم، تعالج أدمغتنا الذكريات الجديدة والقديمة في مراحل منفصلة، ​​مما يمنعها من الاختلاط ببعضها. هذه النتيجة، التي نُشرت في دورية “Nature”، لها آثار مهمة على فهمنا للذاكرة ويمكن أن تلهم خوارزميات جديدة لمساعدة نماذج الذكاء الاصطناعي على تجنب النسيان.

لعنة النسيان الكارثي

تخيل حياة حيث كل تجربة وذكرى جديدة، تحل محل وتشوه تلك التي لديك بالفعل. هذا هو مفهوم النسيان الكارثي، وهي ظاهرة تتداخل فيها قدرة الدماغ على تكوين ذكريات جديدة مع قدرته على الاحتفاظ بالذكريات القديمة. إن الأمر يشبه محاولة تخزين ملفات جديدة على جهاز كمبيوتر نفدت مساحته، حيث يتم حذف الملفات القديمة لإفساح المجال أمام الملفات الجديدة.

لقد حير لغز الدماغ هذا العلماء لعقود من الزمن، لأنه يتحدى فهمنا لكيفية معالجة الدماغ للمعلومات وتخزينها. إذا كانت أدمغتنا عرضة للنسيان الكارثي، فسننسى باستمرار تجاربنا ومهاراتنا ومعارفنا السابقة، مما يجعل من المستحيل التعلم والتكيف.

ولكن، كما نعلم، هذا ليس ما يحدث. أدمغتنا قادرة على تكوين ذكريات جديدة مع الاحتفاظ بالذكريات القديمة، ويحاول العلماء فهم كيفية عمل ذلك.

عملية إعادة التشغيل

أثناء النوم، لا تتوقف أدمغتنا عن العمل؛ بل إنها تعيد تشغيل التجارب الأخيرة بنشاط. وتتضمن عملية “إعادة التشغيل” هذه نفس الخلايا الدماغية (العصبونات) التي كانت نشطة أثناء التجربة، والتي تنطلق مرة أخرى بنفس التسلسل. فكر في الأمر مثل إعادة تشغيل فيديو قمت بتسجيله.

تعد عملية إعادة التشغيل هذه بالغة الأهمية لتقوية الذاكرة. فهي تأخذ الذاكرة المؤقتة الهشة للتجربة وتقويها، مما يجعلها أكثر استقرارًا وجاهزة للتخزين على المدى الطويل. إنها مثل نقل ملف من ذاكرة الوصول العشوائي (RAM) لجهاز الكمبيوتر الخاص بك (الذاكرة قصيرة المدى) إلى القرص الصلب (التخزين طويل المدى).

خاصية غريبة مفيدة

لدراسة وظائف المخ أثناء النوم، استغل فريق البحث خاصية غريبة لدى الفئران. حيث تكون أعينها مفتوحة جزئياً أثناء بعض مراحل النوم. وراقب الفريق عيناً واحدة لدى كل فأر أثناء نومه. وخلال مرحلة عميقة من النوم، لاحظ الباحثون انكماش حدقة العين ثم عودتها إلى حجمها الأصلي الأكبر مراراً وتكراراً، حيث استمرت كل دورة لمدة دقيقة تقريباً. وأظهرت تسجيلات الخلايا العصبية أن معظم إعادة تشغيل الدماغ للتجارب حدثت عندما كانت حدقة العين صغيرة.

لقد تساءل العلماء عما إذا كان حجم حدقة العين ومعالجة الذاكرة مرتبطين. ولمعرفة ذلك، استعانوا بتقنية تسمى علم البصريات الوراثي (optogenetics)، والتي تستخدم الضوء إما لتحفيز أو قمع النشاط الكهربائي للخلايا العصبية المعدلة وراثيًا في الدماغ.

Related Post

محو الذاكرة

أولاً، درب العلماء الفئران المعدلة وراثيًا على العثور على حلوى مخبأة. وبعد هذه الدروس مباشرة، وبينما كانت الفئران نائمة، استخدموا علم البصريات الوراثي لتقليل سلسلة تحفيز الخلايا العصبية التي ارتبطت بإعادة التشغيل. وقد فعلوا ذلك أثناء مرحلتي نوم حدقة العين الصغيرة والحدقة الكبيرة.

وبمجرد استيقاظ الفئران، نسيت تماماً مكان الحلوى، ولكن فقط إذا تم تقليل التحفيز أثناء مرحلة صغر حدقة العين. لقد قام العلماء بمحو الذاكرة حرفيًا!

وعلى النقيض من ذلك، عندما قام الفريق بتقليل سلسلة تحفيز النبضات العصبية خلال مرحلة اتساع حدقة العين بعد وقت قصير من تعليم الفئران، اتجهت الفئران مباشرة إلى مكان الحلوى، مما يوضح أن ذكرياتها الحديثة ظلت سليمة.

كما أظهرت تجارب أخرى أجراها الفريق أن مرحلة النوم ذات الحدقة الكبيرة لها وظيفتها الخاصة. فهي تساعد على معالجة الذكريات الراسخة، وهو ما يعني في الفئران تلك التي تشكلت في الأيام القليلة التي سبقت الغفوة، وليس تلك التي تشكلت في نفس اليوم.

لقد كان الدماغ يحافظ على الذكريات القديمة أثناء حالة الحدقة الكبيرة، لكنه كان يدمج الذكريات الجديدة أثناء حالة الحدقة الصغيرة. ويشكل هذا النظام المكون من مرحلتين حلاً محتملاً لمشكلة كيفية دمج الدماغ للمعرفة الجديدة مع الحفاظ على المعرفة القديمة سليمة.

من الدماغ إلى الذكاء الاصطناعي

تعاني أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي تم تصميمها على غرار الشبكات العصبية في الدماغ، من النسيان الكارثي. وهذا يعني أنه عندما تتعلم نماذج الذكاء الاصطناعي معلومات جديدة، فإنها غالبًا ما تنسى أو تشوه البيانات التي تم تعلمها مسبقًا.

ومن خلال فهم كيفية تجنب الدماغ النسيان الكارثي من خلال المعالجة المنفصلة للذكريات القديمة والجديدة أثناء النوم، يمكن للباحثين تطوير خوارزميات ذكاء اصطناعي جديدة تحاكي هذه العملية. وهذا يمكن أن يحدث ثورة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يمكّن الآلات من التعلم وتذكر كميات هائلة من المعلومات دون نسيان ما تعلمته من قبل.

عندما تصبح نماذج الذكاء الاصطناعي أكثر مهارة في التعلم والتذكر، فإنها ستكون قادرة على معالجة المهام المعقدة التي لم يكن من الممكن تصورها في السابق.

المصادر

Why don’t new memories overwrite old ones? Sleep science holds clues | nature

Sleep microstructure organizes memory replay | nature

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
أخبار علمية

Share
Published by
أخبار علمية

Recent Posts

ناسا تختصر الرحلات المريخية بنظام دفع نووي كهربائي جديد!

إن الرحلة إلى المريخ والعودة منه ليست بالرحلة التي تناسب ضعيفي القلوب. فنحن لا نتحدث…

10 ساعات ago

اكتشاف أقدم خريطة ثلاثية الأبعاد في العالم

اكتشف الباحثون ما يُعتقد أنه أقدم خريطة ثلاثية الأبعاد في العالم، حيث يعود تاريخها إلى…

11 ساعة ago

لا مفر من فهم الروبوتات لمشاعرنا البشرية بحسب الباحثين!

قام الباحثون في جامعة جيمس كوك بالتحقيق في دور التعاطف في التفاعلات بين الإنسان والروبوت،…

يومين ago

كيف تخطط ناسا لزراعة الخضراوات على المريخ؟

تتخذ وكالة ناسا قفزة عملاقة نحو ضمان حصول رواد الفضاء في البعثات المستقبلية إلى القمر…

يومين ago

هل يُعد الذكاء الاصطناعي لحرب رقمية باردة؟

يتجه العالم نحو مستقبل حيث يتم بناء الذكاء الاصطناعي لخدمة المصالح الوطنية، مما يثير أسئلة…

يومين ago

علماء يكشفون علاقة بين استخراج النفط والزلازل!

أكثر من 100 زلزال صغير ضرب مدينة سَري بالمملكة المتحدة، وترك السكان في حالة من…

3 أيام ago