...
Ad

قلب الإنسان، وهو عضو حيوي يضخ الدم الواهب للحياة في جميع أنحاء أجسادنا، كان يعتقد منذ فترة طويلة أنه متشابه في البنية والوظيفة بين الثدييات. ومع ذلك، تكشف دراسة حديثة أن قلب البشر يختلف عن باقي الثدييات وبالتحديد عن أقرب أقربائنا، القردة العليا، بما في ذلك الشمبانزي، والبونوبو، وأورانجوتان، والغوريلا.

أمضى باحثون من جامعة سوانسي، بقيادة الدكتورة إيمي درين، أكثر من عقد من الزمن في إجراء تقييمات لنظام القلب والأوعية الدموية لدى القردة العليا في جميع أنحاء العالم، باستخدام الموجات فوق الصوتية للقلب لفحص بنية القلب ووظيفته. وتتحدى النتائج التي توصلوا إليها الافتراض القائل بأن بنية القلب موحدة في جميع الثدييات، وتكشف عن اختلافات دقيقة ولكن حاسمة في تشريح القلب ووظيفته، والتي ظهرت استجابة للتحديات البيئية الفريدة.

نتائج الدراسة لها آثار هامة على فهمنا لتطور القلب البشري، فضلا عن فهم وتشخيص وإدارة أمراض القلب لدى القردة العليا. أمراض القلب هي السبب الرئيسي للوفاة بين القردة العليا الأسيرة، ويهدف عمل الباحثين إلى تسليط الضوء على تطور القلب البشري وصحة القلب لدى أبناء عمومتنا من الرئيسيات.

الحالة الغامضة للتكيف البشري

لقد نجحت الثدييات بشكل لا يصدق في التكيف مع بيئاتها. ولكن من بين جميع الثدييات، يبرز البشر كاستثناء ملحوظ. لقد تطورنا لنقف منتصبين، ونمشي على قدمين، وطورنا أدمغة أكبر تتطلب قدرًا هائلاً من الطاقة لتعمل.

أدى هذا التحول إلى إحداث تغييرات كبيرة في فسيولوجيا الجسم. لقد أدى وضعنا المستقيم إلى زيادة الضغط على نظام القلب والأوعية الدموية لدينا، مما يتطلب من قلبنا ضخ الدم بشكل أكثر كفاءة إلى الدماغ والعضلات. ولكن كيف تكيف قلبنا مع هذه التغييرات؟

أظهرت الدراسات أن البشر لديهم بنية ووظيفة قلب فريدة مقارنة بأقرب أقربائنا، القردة العليا. لكن ما الذي دفع هذه التغييرات؟ هل كانت الحاجة إلى المزيد من الأكسجين لتغذية نمو دماغنا أم زيادة النشاط البدني المطلوب لأسلوب حياتنا الجديد؟ إن فهم الضغوط التطورية التي شكلت تطور قلوبنا يمكن أن يوفر رؤى قيمة حول قابليتنا للإصابة بأمراض القلب ويساعدنا على تطوير علاجات جديدة.

تاريخ تطور القلب في الثدييات

في الماضي، كان يُعتقد أن بنية القلب ووظيفته ظلت ثابتة نسبيًا لدى الثدييات، مع تكيفات طفيفة فقط لتناسب بيئات معينة. ومع ذلك، فقد تحدت الأبحاث الحديثة هذا الافتراض، وكشفت أن قلب البشر يختلف عن باقي الثدييات حيث خضع لتغييرات كبيرة لدعم متطلباتنا الجسدية الفريدة.

ومن خلال دراسة تطور القلب عبر الأنواع، اكتسب العلماء رؤى قيمة حول تكيفه مع البيئات وأنماط الحياة المختلفة. على سبيل المثال، تطورت قلوب الحيوانات التي تعيش على ارتفاعات عالية، مثل كندور الأنديز (نوع من الطيور)، لتضخ الدم المحمل بالأكسجين بشكل أكثر كفاءة للتعويض عن الهواء ذو الضغط الجوي القليل.

وبالمثل، فإن قلوب الثدييات المائية، مثل الدلافين والحيتان، تكيفت مع الضغط المستمر للمياه، مما أدى إلى تطوير عضلات أقوى لضخ الدم بكفاءة. توضح هذه الأمثلة المرونة الرائعة للقلب، والتي تطورت لتلبية المتطلبات المحددة لكل نوع.

في حالة البشر، أدى وضعنا المنتصب، وكبر حجم الدماغ، وزيادة النشاط البدني إلى تغييرات كبيرة في بنية القلب ووظيفته. وتشير أبحاثنا إلى أن هذه التعديلات مكنت قلوبنا من ضخ كمية أكبر من الدم مع كل نبضة، لتلبية المتطلبات المتزايدة لأجسامنا.

دراسة القردة العليا

البحث لم يبدأ مع البشر؛ بدأ الأمر مع أقرب أقربائنا، القردة العليا. حيث أردنا أن نفهم كيف تعمل قلوبهم وكيف تختلف عن قلوبنا. وللقيام بذلك، أجرى العلماء دراسة شاملة لنظام القلب والأوعية الدموية لدى القردة العليا في جميع أنحاء العالم. لقد عملوا مع أطباء بيطريين متخصصين وموظفي رعاية في المملكة المتحدة وأوروبا وأفريقيا وآسيا لتقييم بنية القلب ووظيفته لدى الشمبانزي والبونوبو وإنسان الغاب والغوريلا.

وتم استخدام الموجات فوق الصوتية للقلب لفحص قلوب هذه المخلوقات الرائعة. أتاحت هذه التقنية غير الجراحية تصور بنية القلب ووظيفته، وكشف تفاصيل حول حجم القلب وانقباض العضلات وحركتها.

البنية الفريدة لقلب الإنسان

كشف البحث أن قلب الإنسان لديه بنية متميزة مقارنة بأقرب أقربائنا، القردة العليا. أحد الاختلافات الأكثر لفتًا للانتباه هو عدم وجود ترابيق (trabeculations) في البطين الأيسر للإنسان. الترابيق عبارة عن حزم من العضلات مرتبة في نمط يشبه الشبكة وتوجد في البطين الأيسر للقردة العليا. في المقابل، يتمتع البطين الأيسر للإنسان بجدار أملس، وهو أكثر سلاسة بأربع مرات تقريبًا من جدار البطين الأيسر لأقاربنا من القردة العليا.

وباستخدام تقنيات التصوير المتقدمة، وجدنا أن قلب الإنسان لديه حركة ملتوية فريدة أثناء الانقباض، وهو ما لا يحدث في القردة العليا. تسمح هذه الحركة الملتوية للقلب البشري بضخ كمية أكبر من الدم مع كل نبضة، مما يلبي المتطلبات المتزايدة لنشاطنا البدني وأدمغتنا الأكبر حجمًا.

كما أن الجدران الملساء للبطين الأيسر البشري تمكن القلب من الانقباض بشكل أكثر كفاءة، مما يولد قوة أكبر مع كل نبضة. وهذا أمر بالغ الأهمية للحفاظ على ضغط الدم وضمان وصول الأكسجين والمواد المغذية إلى عضلاتنا وأعضائنا.

قلب البشر يختلف عن باقي الثدييات

تأثير اختلاف قلب البشر عن باقي الثدييات على البشرية

إن البنية الفريدة للقلب البشري ووظيفته لها آثار عميقة على حياتنا اليومية. تسمح لنا حركة الالتواء المتزايدة وعملية الضخ الفعالة بالمشاركة في الأنشطة البدنية التي لم يكن أسلافنا قادرين على تخيلها. من الرياضات التنافسية إلى الركض العادي، تمكننا قلوبنا من تجاوز حدودنا واستكشاف إمكانيات جديدة.

علاوة على ذلك، فإن قدرة القلب البشري على التكيف أتاحت لنا أن نزدهر في بيئات متنوعة. وقد مكننا هذا من الاستقرار وبناء المجتمعات في كل ركن من أركان المعمورة تقريبًا، وتشكيل مسار التاريخ البشري.

إن اكتشاف تفرد القلب البشري له أيضًا آثار طبية كبيرة. ومن خلال فهم كيفية تطور قلب الإنسان لتلبية متطلبات نمط حياتنا، يمكننا تطوير علاجات أفضل لأمراض القلب التي تؤثر على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم. علاوة على ذلك، يمكن لأبحاثنا أن تساعد في تطوير أدوات تشخيصية وعلاجات جديدة مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات القلب الفردية.

المصادر

The Human Heart Is Unique Among Mammals For This Key Reason | science alert

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


طب تطور

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 298
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.