محتويات المقال :
لغة الآلف واللغات الخيالية
لا يخفى على محبي اللغات والخيال وجود لغات مؤلفة خصيصاً لعالم الروايات أو الأفلام أو حتى الألعاب. وتعتبر لغة الآلف الخيالية من بين أكثر اللغات شعبيةً، لا سيما بين محبي سلسلة “سيد الخواتم”.
لمحة عن اللغات الخيالية
في عالمنا الواسع، توجد العديد من اللغات الطبيعية التي يتحدثها البشر. وتحظى كل لغةٍ بعدد مختلف من الناطقين، يتراوح بين عدة ملايين وبضعة عشرات أو أقل. وحتى اللغات المنقرضة، كان يتحدثها الناس في فترة من الزمن. هذا ما يجعل عالم اللغات عالماً غنياً ومثيراً لاهتمام الدارسين والباحثين.
إلا أن عدداً من الكتاب أو اللغويين وصلوا إلى مرحلة متقدمة من الإبداع، وابتكروا لغاتٍ خيالية لتوظيفها في عوالم كتبهم أو أفلامهم التخيلية. حيث تساعد هذه اللغات على إعطاء المصداقية، وإضفاء عمقٍ ولمسةٍ جذابة على العالم المتجسد في العمل الفني. ومن هنا أتت تسمية هذا النوع من اللغات باللغات الفنية. كما يطلق عليها أيضاً اسم اللغات المصطنعة. إذ إن نظام القواعد أو التركيب الخاص بها لم يتطور طبيعياً بمرور الزمن وتعاقب المتحدثين أو انتشارهم في مناطق جغرافية مختلفة. بل على عكس ذلك، تم تركيب أنظمة هذه اللغات بطريقة مقصودة وواعية، وعليه، فهي اصطناعية أو مخططة [1].
أمثلة عن اللغات الخيالية
في الواقع، تحظى اللغات الخيالية بشعبية كبيرة بين معجبي الأعمال التي تضمها. كما يسعى الكثير منهم إلى تعلمها. وقد طور موقع Dulingo المشهور لتعلم اللغات دروساً خاصة لتعليم بعض من هذه اللغات. من أبرز الأمثلة نذكر اللغة الكلينغونية (Klingon) التي اخترعها اللغوي الأمريكي مارك أوركاند لاستخدامها في سلسلة الخيال العلمي التلفزيونية “ستار تريك” (Star Trek) في ثمانينات القرن الماضي. واللغات الدوثراكية (Dothraki) والفالارية (Valyrian)، اللتين اخترعهما الكاتب الأمريكي ديفيد بيترسون لمسلسل “صراع العروش” (Game of Thrones) [1].
لكن في مقالنا الحالي، سنركز على واحدة من اللغات الخيالية القديمة والغنية، وهي لغة الآلف (Elvish Language) التي اخترعها الكاتب وعالم اللغة الإنكليزي ج. ر. ر. تولكن (J R R Tolkien).
تولكن واللغات الخيالية: لغة الآلف
بدأ تولكن باختراع اللغات عندما كان فتى مراهقاً. ونسج عالمه الخيالي المسمى “الأرض الوسطى” ليكون موطناً لأنواع مختلفة من المخلوقات التي تتحدث تلك اللغات. أي أنه اخترع اللغات أولاً، ثم أتى لها بالناطقين [2].
وعن لغة الآلف، بدأ تولكن العمل عليها عندما كان في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمره، ولم يتوقف عن تطويرها طيلة فترة حياته. وقد استخدمها في ثلاثية رواياته الشهيرة “سيد الخواتم” (The Lord of the Rings)، وغيرها من الكتب التي ألفها [3].
تتحدث مخلوقات الآلف الخيالية (Elves) هذه اللغة، وتنقسم إلى عدد من اللهجات والمجموعات الفرعية، حتى أنها تشكل عائلة لغوية متكاملة. ومع أن رواياته لا تضم عدداً كبيراً من الأسماء أو الجمل بلغة الآلف، توجد العديد من المنشورات التي يصف فيها تولكن بدقة هذه اللغة وأقسامها. ويشرح أيضاً كيف قام بتطوير لغاته الخيالية الأخرى وما هي أصولها وجذورها أو كيف تأثرت ببعض من اللغات الطبيعية [2].
تطور لغة الآلف الخيالية
يتقاطع عالما الخيال والواقع عند دراسة تاريخ تطور لغة الآلف. حيث أنه بالإضافة للأطر التاريخية والمكانية التي ابتكرها تولكن ووضع لغة الآلف ضمنها، ينطوي البحث في تطور هذه اللغة وتشعبها على دراسة الفترة التي سخرها تولكن لهذا المشروع الكبير. ولا نتحدث هنا عن فترة قصيرة، إذ تعود بعض مخطوطاته التي توثق عمله عليها إلى عام 1916، وتمتد إلى أكثر من 50 عاماً تلت من الأعمال والملاحظات والكتابات [2].
تجمع عائلة لغات الآلف تحت مظلتها عدداً من التقسيمات الفرعية. فمخلوقات الآلف لم تكن مجموعة واحدة متجانسة. بل هاجرت هذه الكائنات إلى أماكن مختلفة في “الأرض الوسطى” وعلى مر العصور المتعاقبة (كلها أماكن وأزمنة تخيلية من تأليف تولكن!). فكانت النتيجة تفرع لغتهم وتشعبها، وانبثاق لهجات واندثار غيرها، واندماج بعضها [4].
لقد عمل تولكن جاهداً على تطوير هذه اللغة وإغنائها بالقصص التي تشرح تاريخها ونشأتها ومسيرتها. ومع أن كل هذا من محض الخيال، لم يبخل تولكن على لغته المحببة بأية تفاصيل تعطيها مصداقية وسحراً، وتجعل منها شبيهة باللغات الطبيعية التي تتطور عبر الزمن والاتساع الجغرافي [2].
أقسام لغة الآلف الأكثر اكتمالاً
في إحدى المقابلات، يقول تولكن أنه لم ينته من تطوير مجموعة لغات الآلف. كما يعترف أنها معقدة، ولا يمكن تحدثها بسهولة، أو استخدامها في مواقف الحياة اليومية العادية. ولكن توجد لغتان تعتبران الأكثر اكتمالاً وغنىً بالمفردات والقواعد، وهما كوينيا (Quenya) وسيندارين (Sindarin). ولهذا السبب، هما لغتان فعّالتان، ويمكن توظيفهما في الكتابة. كما يعتبر التحدث بهما أمراً ممكناً أيضاً، ولكن ضمن الحدود التي تسمح بها مفرداتهما. إذ تضم لغة كوينيا حوالي 2000 مفردة، في حين يوجد 1200 مفردة في لغة سيندارين. ويمكن استخدام هذه المفردات لترجمة بعض النصوص الشعرية أو حتى النثرية. ومع توفر أدلة اللفظ التي أعدها تولكن وأرفقها في نهاية كتب “سيد الخواتم”، أصبح لدى المهتمين دليلٌ معتمدٌ يجعل من السهل عليهم النطق بكلمات شخصيات الآلف [2، 3، 5].
تأثر لغة الآلف الخيالية باللغات الطبيعية
لا يمكن إنكار تأثر لغات الآلف ببعض اللغات الطبيعية التي استمالت تولكن وجذبته بجماليتها. فهو شخص يهوى تعلم اللغات، ويجد في ذلك متعة كبيرة على حد تعبيره. وقد تأثرت بعض لغاته الخيالية بلغاتٍ اسكندنافية وجرمانية. مثلاً، يوجد تشابه بين لغات الآلف كوينيا وسيندارين ولغات فنلندا وويلز، على الترتيب. لكن هذا التشابه لا يعني أن تولكن قام بنسخ لغات طبيعية أو استعارة مفردات منها. بل هو تشابه قواعدي وصوتي لا أكثر [2].
فيما يلي تسجيل يعود إلى عام 1952، يقرأ فيه تولكن قصيدة بلغة الآلف كوينيا [6].
المصادر
J R R Tolkien: Interview
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :