تشير دراسة حديثة إلى أن مجرتنا، درب التبانة، لا يمكن أن يراها ثلث البشرية، فما السبب برأيك؟ الملايين من مصابيح المدينة التي تضيء مدننا كل ليلة، إذ يستخدم جزء فقط من ضوئها لإنارة الشوارع أو الأرصفة فعليًا. بينما يضيع الباقي وينبعث فوق الأفق، مما يساهم في ظاهرة التلوث الضوئي. لا تمنعنا هذه الظاهرة من رؤية النجوم فحسب، بل لها أيضًا تداعيات سلبية عديدة على الصحة العامة، والسلامة، والبيئة.
محتويات المقال :
أسباب التلوث الضوئي
نحتاج من أجل فهم التلوث الضوئي إلى النظر في تطور الحياة الحضرية، فمع نمو المدن زاد الطلب على الإضاءة الاصطناعية. فمصابيح الشوارع، التي كانت ذات يوم أمرًا جديدًا أصبحت الآن عنصرًا أساسيًا في البنية التحتية الحضرية. نتيجةً لذلك بدأ يمحى تدريجيًا منظر سماء الليل عن غير قصد.
تعد تركيبات الإضاءة السبب الرئيسي وراء ظاهرة التلوث الضوئي وتشمل إنارة الشوراع، وواجهات المباني، وحتى منازلنا. ويؤدي الاستخدام المفرط للأضواء ذات درجات حرارة اللون العالية -والتي تزيد عادةً عن 3000 كلفن- إلى تفاقم المشكلة عن طريق تشتيت المزيد من الضوء في الغلاف الجوي.
التكلفة الخفية لأضواء المدينة
يعتبر التلوث الضوئي مصدر قلق متزايد في المناطق الحضرية، فله عواقب بعيدة المدى تتجاوز مجرد عدم القدرة على رؤية النجوم. إذ هو مسألة معقدة تنبع من الاستخدام غير الفعال للضوء الاصطناعي، الذي لا يهدر الطاقة فحسب، بل يؤثر على نظامنا البيئي وصحتنا. حيث يسبب الوهج الخطير، والاستهلاك المفرط للطاقة، وإهدار الأموال والموارد، وقمع إنتاج الميلاتونين.
حتى نفهم مدى خطورة التلوث الضوئي، دعونا ننظر في الأرقام. على سبيل المثال؛ يعيش 80% من سكان العالم في مناطق تكون فيها السماء ملوثةً ليلاً، مما يجعل من الصعب مراقبة النجوم. وتشير التقديرات في الولايات المتحدة وحدها إلى أن ما قيمته 2.2 مليار دولار من الكهرباء يهدر سنويًا بسبب التلوث الضوئي.
يعطل التلوث الضوئي دورات النهار والليل الطبيعية للأنظمة البيئية، مما يؤثر على إيقاعات الساعة البيولوجية للبشر والحياة البرية على حد سواء. قد يؤدي هذا بدوره إلى اضطرابات النوم والتعب وزيادة خطر الإصابة بأمراض معينة. علاوةً على ذلك، يساهم التلوث الضوئي أيضًا في فقدان التنوع البيولوجي، حيث يمكن لمصادر الضوء الاصطناعي أن تغير سلوك الحيوانات الليلية وتعطل موائلها.
تاريخ موجز للإضاءة الحضرية: من الغاز إلى مصابيح LED
يسلط فهم تاريخ الإضاءة الحضرية الضوء على الحاجة إلى اتباع نهج أحسن في تصميم مصابيح الشوارع. فمنذ الأيام الأولى لفوانيس الغاز وحتى العصر الحالي لمصابيح LED، ساهمت كل مرحلة في تعقيد الإضاءة، وحدوث التلوث الضوئي.
استخدمت فوانيس الغاز في القرن ال18 كمصدر رئيسي لإضاءة الشوارع. واعتمدت على الفحم لإشعال اللهب الذي يوفر توهجًا دافئًا مصفرًا. على الرغم من أن فوانيس الغاز كانت بمثابة تحسن كبير عن الشموع والمشاعل، إلا أنها امتلكت عيوبًا كبيرةً بما في ذلك خطر الانفجارات والحاجة إلى الصيانة المتكررة.
أحدث إدخال إضاءة الشوارع الكهربائية في أواخر القرن ال19 ثورةً في الإضاءة الحضرية. واستخدمت مصابيح القوس التي تنتج ضوءًا أبيض ساطعًا ومع ذلك، كانت كثيفة الاستهلاك للطاقة وتتطلب استبدالًا متكررًا. وشهد أوائل القرن ال20 تطوير مصابيح بخار الصوديوم، مما أدى إلى تحسين كفاءة الطاقة، وتقليل تكاليف الصيانة.
شهدت الثمانينيات والتسعينيات ظهور مصابيح الصوديوم عالي الضغط (HPS)، التي سيطرت على الإضاءة الحضرية لعقود من الزمن. وأنتجت ضوءًا برتقاليًا مصفرًا واعتبرت أكثر كفاءة في استخدام الطاقة من سابقاتها. إلا أنها لاتزال تساهم في التلوث الضوئي بسبب كثافتها العالية وتصميمها غير المحمي.
أدى ظهور الثنائيات الباعثة للضوء (LEDs) إلى تغيير مشهد الإنارة في السنوات الأخيرة. إذ توفر كفاءةً ملحوظةً في استخدام الطاقة، وعمرًا طويلًا، ومرونةً في التصميم. كما يمكن تصميمها لإنتاج درجات حرارة لونية محددة، مما يجعلها خيارًا جذابًا للإضاءة الحضرية. بالرغم من ذلك ساهم اعتماد مصابيح LED على نطاق واسع في تفاقم مشكلة التلوث الضوئي. حيث صممت العديد من تركيبات LED دون مراعاة سماء الليل.
التصميم المناسب للظلام: كيف يمكن للمهندسين المعماريين أن يحدثوا فرقًا؟
تكمن إحدى الخطوات الحاسمة في تخفيف التلوث الضوئي في أيدي المهندسين المعماريين والمصممين. ومن خلال دمج عناصر التصميم الذكية، يمكن تقليل تأثير إنارة الشوارع بشكل كبير على السماء. فالأمر لا يتعلق فقط بتقليل عدد الأضواء، بل بتصميمها. ويعد توجيه الضوء بدقة حيثما تكون هناك حاجة إليه دون السماح له بالتسرب إلى الغلاف الجوي المفتاح الأساسي للحل. ويمكن تحقيق ذلك من خلال 3 اعتبارات تصميمية أساسية: الدفء، والتعتيم، والحماية.
تمتلك الأضواء الزرقاء التقليدية تأثيرًا أكبرًا على إيقاعات نومنا اليومية، في حين أن الألوان الأكثر دفئًا كالأصفر، أو الأحمر تكون ملائمةً أكثر لسماء الليل، وأقل تشتتًا. ونستطيع تقليل كمية الضوء المتناثرة في السماء باستخدام مصابيح LED ذات درجة الحرارة المنخفضة والتي تسلط الضوء بدرجات أكثر نعومة ولطفًا.
بالإضافة إلى ذلك، يعد التعتيم جانبًا أساسيًا آخرًا للحد من التلوث الضوئي. فمن خلال ضبط مستويات الإضاءة لتتناسب مع الاستخدام، والمنطقة، والوقت، وحركة المرور يمكننا ضمان أن يكون الضوء ساطعًا بالقدر الذي يجب أن يكون عليه. في الواقع، يمكن تعتيم معظم الأضواء الخارجية بنسبة 25% دون أي فقدان للرؤية، مما يجعلها طريقةً بسيطةً وفعالةً لتقليل تأثيرها.
تعد الحماية أمرًا بالغ الأهمية في منع هروب الضوء إلى السماء. ويمكننا باستخدام تركيبات الإضاءة المحمية بالكامل، أو المقطوعة توجيه الضوء إلى الأسفل حيثما تكون هناك حاجة إليه، بدلاً من السماح له بالتشتت فوق الأفق. مما يضمن استعمال الحد الأقصى من الضوء للغرض المقصود منه، ويساعد أيضًا في تقليل استهلاك الطاقة.
إضاءة المستقبل من أجل تقليل التلوث الضوئي
يقدر المصممون على الجمع بين العوامل الثلاثة السابقة من أجل إنشاء مصابيح شوارع ليست وظيفيةً فحسب، بل صديقةً للبيئة أيضًا. قد تعد خطوةً صغيرةً، ولكنها مهمة نحو الحد من التلوث الضوئي والحفاظ على قدرتنا على رؤية النجوم بكل مجدها. إنه مستقبل يستحق أن نسعى من أجله، ويمكننا أن نجعله حقيقيًا مع وجود التصاميم والسياسات الصحيحة. فمصباح شارع مستدام واحد في كل مرة يمكن أن يحدث الفرق.
المصدر
https://www.archdaily.com/977131/how-to-reduce-light-pollution-with-street-light-design
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :