كيف أحدث الفائزون بجائزة نوبل الفيزياء 2019 ثورة في علم الفلك؟
كيف أحدث الفائزون بجائزة نوبل ثورة في علم الفلك؟ استكشف ميشيل مايور-Michel Mayor وديدييه كويلوز Didier Queloz مجرة درب التبانة بحثا عن عوالم مخفية. وفي عام 1995، قاموا باكتشاف أول كوكب خارج نظامنا الشمسي يدور حول نظير شمسي.
تحدى اكتشافهم أفكارنا حول هذه العوالم الغريبة وأفضى إلى ثورة في علم الفلك. إن الكواكب الخارجية المعروفة التي يزيد عددها عن 4000 كوكب تثير الدهشة بأشكالها الغنية، حيث أن معظم هذه الكواكب لا تشبه نظامنا في شيء. وقد دفعت هذه الإكتشافات الباحثين الى تطوير نظريات جديدة عن العمليات الفيزيائية المسؤولة عن ولادة الكواكب.ويتفق معظم علماء الكون الآن على أن نموذج الانفجار العظيم هو قصة حقيقية عن أصل الكون وتطوره، على الرغم من أن 5 في المائة فقط من مادته وطاقته أصبحت معروفة الآن. هذه القطعة الصغيرة من المادة تجمعت في النهاية لتصنع كل ما نراه حولنا من النجوم والكواكب والأشجار والأزهار والبشر أيضاً. هل نحن وحدنا في الكون؟ أهناك حياة في مكان آخر في الفضاء على كوكب يدور حول شمس أخرى؟ لا أحد يعلم لكننا نعرف الآن أن الشمس ليست وحدها التي تملك كواكب، وأن معظم مئات بلايين النجوم في درب التبَّانة ينبغي أن تكون مرافقة أيضا لكواكب. يعرف الفلكيون الآن أكثر من 4000 كوكب خارجي واكتُشفت عوالم جديدة غريبة لكن لا شيء يبدو مثل نظامنا الكوكبي.
علن ميشيل مايور وديدييه كويلوز اكتشافهما المثير في مؤتمر فلكي عقد في فلورنسا الإيطالية في 6 أكتوبر من 1995. كان أول كوكب أثبت أنه يدور حول نجم من النوع الشمسي الكوكب بيغازي بي-51 يتحرك بسرعة حول نجمه 51 بيغازي الذي يبعد ب50 سنة ضوئية عن الأرض ويستغرق لإكمال مداره أربعة أيام، مما يعني أن مساره قريب من النجم الذي لا يبعد عنه سوى ثمانية ملايين كيلومتر. يسخن النجم الكوكب ب 1000 درجة سلسيوس ونلاحظ أن الأمور تعد هادئة كثيرا على الأرض التي تدور حول الشمس على بعد 150 مليون كيلومتر لمدة عام.
كما تبين أن الكوكب المكتشف حديثاً ضخم جدا فهو أشبه بأكبر كرة غازية في النظام الشمسي: المشتري. وبالمقارنة مع الأرض، يكون حجم المشتري أكبر بـ 1300 مرة ويزن أكثر منه ب 300 مرة. ووفقاً لأفكار سابقة حول الكيفية التي تتشكل بها المنظومات الكوكبية، فإن الكواكب بحجم المشتري كان من المفترض أن تتكون بعيداً عن النجوم التي تستضيفها، وبالتالي فإن دورانها يستغرق وقتاً طويلاً. يستغرق المشتري حوالي 12 عاماً لإكمال دائرة واحدة على الشمس، لذا فإن الفترة المدارية القصيرة لـ 51 بيغازي بي كانت مفاجأة لصائدي الكواكب الخارجية. لقد كانوا يبحثون عنه!
مباشرة بعد هذا الاكتشاف، قام اثنان من الفلكيين الأمريكيين وهما بول بتلر وجفري مارسي، بتحويل تلسكوبهما بإتجاه النجم 51 بيغازي-51 Pegasi b، وسرعان ما تمكنا من تأكيد اكتشاف مايور وكويلوز. وبعد بضعة أشهر فقط وجدوا كوكبين خارجيين جديدين يحلقون حول نجمين من النوع الشمسي. كانت هذه الاكتشافات جد مفيدة للفلكيين الذين لا يحبدون الإنتظار لشهور وسنوات لرؤية كوكب خارجي يدور حول نجم من النوع الشمسي. بفضل هذه الإكتشافات، كان لديهم الوقت لمشاهدة الكواكب تأخذ دورة تلو الأخرى.
كيف اقترب هذا الكوكب من النجم؟ يشكك السؤال في النظرية القائمة بشأن الأصول الكوكبية وأفضى إلى نظريات جديدة تصف كيفية تكوّن كرات الغاز الكبيرة عند حواف أنظمتها الشمسية، ثم تدور نحو النجم المضيف.
إن الأساليب المعقدة ضرورية لتعقب كوكب خارجي Exoplanet لأن الكواكب الخارجية لا تتوهج من تلقاء نفسها، بل تعكس ضوء النجوم. أما الطريقة التي تستخدمها مجموعات البحوث للعثور على كوكب ما تسمى السرعة السعاعية؛ يتم قياس حركة النجم المضيف الذي يتأثر بجاذبية كوكبه. وبينما يدور الكوكب حول نجمه، يتحرك النجم أيضاً بشكل طفيف، فكلاهما يتحرك حول مركز جاذبيته المشترك. يتأرجح النجم إلى الوراء وإلى الأمام في خط الرؤية من نقطة المراقبة الأرضية.
ويمكن قياس السرعة الشعاعية بإستخدام تأثير دوبلر Doppler المعروف. فالأشعة الخفيفة من جسم يتحرك نحونا تكون أكثر زرقة، وإذا كان الجسم يتحرك بعيدا عنا تكون الأشعة أكثر احمراراً. وهذا هو نفس التأثير الذي نسمعه عندما يرتفع صوت سيارة الإسعاف بينما تتحرك باتجاهنا وينخفض بعد مرورها.
وبالتالي فإن تأثير الكوكب يغير بالتناوب لون ضوء النجم نحو الأزرق أو الأحمر؛ وهذه التغييرات في طول الموجة الضوئية هي التي يلتقطها الفلكيون بأجهزتهم. ويمكن تحديد التغيرات في اللون بدقة بقياس الأطوال الموجية الضوئية للنجم، مما يتيح قياساً مباشراً لسرعته على مستوى الرؤية.
تعد السرعات نصف القطرية تحديا لأنها منخفضة للغاية. فجاذبية المشتري مثلا تجعل الشمس تتحرك ب 12 متر في الثانية حول مركز جاذبية النظام الشمسي. فالأرض لا تساهم إلا بمقدار 0.09 متر في الثانية، وهذا ما يفرض متطلبات إستثنائية لحساسية المعدات المستخدمة إذا ما أريد اكتشاف كواكب شبيهة بالأرض. ولزيادة الدقة، يقيس الفلكيون عدة آلاف من الأطوال الموجية في آن واحد. وينقسم الضوء إلى أطوال موجية مختلفة بإستخدام مطياف Spectrograph.
كيف أحدث الفائزون بجائزة نوبل ثورة في علم الفلك؟
وفي أوائل التسعينات، عندما بدأ ديدييه كويلوز حياته البحثية في جامعة جنيف، كان ميشيل مايور قد قضى بالفعل سنوات عديدة في دراسة حركة النجوم، وصنع أدوات القياس الخاصة به بمساعدة باحثين آخرين. وفي عام 1977، تمكن مايور من تركيب أول مطياف له على تلسكوب في مرصد Haute-Provence على بعد 100 كيلومتر شمال شرق مرسيليا. وهذا ما سمح بالحد الأدنى للسرعات بنحو 300 متر في الثانية، ولكن هذا الإرتفاع كان عاليا بحيث يمنعه من رؤية كوكب يسحب نجمه.
وبالاشتراك مع فريق البحث، طُلب من طالب الدكتوراه ديدييه كويلوز تطوير طرق جديدة لإجراء قياسات أكثر دقة. واستخدموا تكنولوجيات جديدة عديدة مكّنت من النظر بسرعة إلى العديد من النجوم وتحليل النتائج في موقعها. وبإمكان الألياف البصرية أن تحمل ضوء النجوم إلى المطياف دون أن تشوهه، وأن تعمل على تحسين أجهزة الاستشعار الرقمية للصور، وأن تزيد من حساسية الآلة للضوء (جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2009 لتشارلز كاو، وويلارد بويل، وجورج سميث). وتتيح الحواسيب القوية للعلماء تطوير برامجيات مصنوعة خصيصا لمعالجة الصور والبيانات الرقمية.
وعندما انتهى العمل على المطياف الجديد في ربيع عام 1994، نزلت السرعة اللازمة إلى بين 15 و10 متر في الثانية، وكان أول اكتشاف لكوكب خارجي يقترب بسرعة. في ذلك الوقت، لم يكن البحث عن الكواكب الخارجية جزءاً من علم الفلك السائد ولكن مايور و كويلوز قرروا أن يعلنوا عن اكتشافهم. وأمضوا عدة أشهر في صقل نتائجهم. في أكتوبر 1995 كانوا على استعداد لتقديم أول كوكبهم إلى العالم.
اكتشاف عدة عوالم جديدة: كان أول اكتشاف لكوكب خارج الأرض يدور حول نجم من النوع الشمسي سبباً في اندلاع ثورة في علم الفلك. تم الكشف عن آلاف العوالم الجديدة المجهولة. فالمنظومات الكوكبية الجديدة لا تكتشفها التلسكوبات على الأرض فحسب، بل تكتشفها الأقمار الصناعية أيضا. فالمقراب الفضائي الأمريكي TESS يقوم حاليا بمسح اكثر من 200 ألف نجم من النجوم الأقرب إلينا بحثا عن كواكب شبيهة بالأرض. وفي السابق، كان مقراب Kepler الفضائي قد أتى بمكافآت سخية، إذ عثر على أكثر من 2300 كوكب خارجي.
وإلى جانب الإختلافات في السرعة الشعاعية، يتم الآن استخدام القياس الضوئي العابر عند البحث عن الكواكب الخارجية. وهذه الطريقة تقيس التغيُّرات في شدة ضوء النجم عندما يمر كوكب أمامه في حالة ما إذا حدث ذلك على مرأى منا. ويتيح القياس الضوئي العابر أيضا للفلكيين أن يرصدوا الغلاف الجوي للكوكب الخارجي مع مرور ضوء النجم عليه في الطريق نحو الأرض. وفي بعض الأحيان يمكن استخدام كلتا الطريقتين؛ ويوفر القياس الضوئي العابر حجم الشبكة الخارجية، بينما يمكن تحديد كتلتها باستخدام طريقة السرعة نصف القطرية. ومن الممكن بعد ذلك حساب كثافة الكوكب الخارجي وبالتالي تحديد بنيته.
وقد فاجأتنا الكواكب الخارجية المكتشفة حتى الآن بتنوع مذهل في الأشكال والأحجام والمدارات. فقد طعنت أفكارنا المسبقة عن الأنظمة الكوكبية وأجبرت الباحثين على مراجعة نظرياتهم عن العمليات الفيزيائية المسؤولة عن ولادة الكواكب. ومن المقرر أن تبدأ عدة مشاريع في البحث عن الكواكب الخارجية، فقد نجد في نهاية المطاف جواباً للسؤال الأبدي حول ما إذا كانت الحياة موجودة في مكان آخر.
المصدر: Noble Prize Websiteسعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :