لمدة ستة إلى ثمانية أشهر من كل عام، لا تترك السناجب الأرضية ذات الثلاثة عشر خطًا (Thirteen-lined Ground Squirrel) أوكارها الصغيرة تحت الأرض. حيث ينتظرون انتهاء موسم البرد أثناء سباتهم تحت الأراضي العشبية في أمريكا الشمالية، دون أي مخزون من الطعام أو مصدر للمياه. فكيف يستطيع السنجاب البقاء بدون ماء طوال هذه المدة؟
كشفت دراسة نشرت في 28 نوفمبر في مجلة “Science” عن القدرة المذهلة لهذه السناجب على قمع عطشها، حتى أثناء فترات الاستيقاظ عندما تبدو نشطة. ووفقا للدراسة، فإن مناطق معينة في الدماغ تشارك في إثارة العطش يتم قمعها بقوة في السناجب الأرضية في حالة السبات، مما يسمح لها بالبقاء على قيد الحياة بدون ماء لعدة أشهر.
محتويات المقال :
في معظم الحالات، يكون العطش وسيلة تكيف حيوية للبقاء على قيد الحياة. حيث تحتاج أجسامنا إلى الماء لتعمل بشكل صحيح، وتنظم درجة حرارة الجسم، وتزيل الفضلات. ولكن بالنسبة لسنجاب ذو فرو بني يحاول النجاة خلال الجو القارص، فإن الدافع لمغادرة العرين والبحث عن الماء يمكن أن يكون بسهولة حكمًا عليه بالإعدام. حيث من المحتمل أن تقوم الحيوانات المفترسة الكامنة على السطح بافتراس أي سناجب تخرج خلال أشهر الشتاء العجاف عندما تكون الفرائس نادرة ولا يوجد مكان للاختباء.
وهكذا يصبح القضاء على العطش وسيلة غير بديهية للبقاء على قيد الحياة، حتى عندما تكون السناجب في حاجة ماسة إلى تناول الماء. إذًا، كيف تمكنت هذه المخلوقات الرائعة من قمع عطشها والبقاء على قيد الحياة في أشهر الشتاء القاسية؟
إن السبات الشتوي ليس نوماً، بل هو شيء آخر تماماً. فعلى مدى أسابيع في كل مرة، تخفض السناجب الأرضية معدل التمثيل الغذائي بشكل كبير حيث يكاد يتجمد. وتنخفض درجة حرارة أجسامهم إلى ما بين 2 و4 درجات مئوية ويعيشون في نوع من الفراغ الفسيولوجي يسمى السبات (torpor). وخلال أشهر السبات، تتخلل فترات السبات التي تستمر من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع نوبات من اليقظة لمدة يوم أو يومين.
حيث تظهر السناجب نشطة، وترتفع درجة حرارة أجسامها إلى وضعها الطبيعي. ولكنها مع ذلك لا تترك الجحر ولا تأكل أو تشرب. ويعتقد أن فترات النشاط هذه مهمة، جزئياً، حتى تتمكن السناجب من النوم فعلياً، والتخلص من الفضلات، والحفاظ على الأكسجين في نظامها القلبي الوعائي.
لقد توصلت أبحاث سابقة أجراها الفريق إلى أن السناجب أثناء السبات تحافظ على تركيزات الأيونات مثل الملح في دمها عند مستويات ثابتة، مساوية تقريبًا لتلك الموجودة لدى السناجب النشطة، من خلال الحفاظ على المياه بشكل جدي وحجز الأيونات في أماكن أخرى من الجسم. وتعمل الهرمونات مثل الأوكسيتوسين والفازوبريسين على تخزين المياه وتعمل كمضادات لإدرار البول، مما يمنع التبول. وتظل المنطقة الدماغية المسؤولة عن إنتاج هذه الهرمونات نشطة للغاية أثناء السبات، على الرغم من انخفاض درجة حرارة جسم السناجب.
ولكن هذه الآلية الفسيولوجية لا تكفي لتفسير عدم الشعور بالعطش بشكل كامل. فهناك إشارات أخرى تحفز الشعور بالعطش، مثل الهرمونات المرتبطة بإجهاد الكلى وانخفاض حجم الدم، لا تزال تدور في جميع أنحاء أجسام الثدييات، والتي ينبغي لها، وفقًا لجميع المقاييس القياسية، أن تكون في احتياج شديد إلى السوائل. ومع ذلك، حتى عندما تكون السناجب نشطة أثناء السبات وتُعرض عليها المياه، فإنها تتجنبها، وفقًا للبحث الجديد.
لفهم سبب عدم شعور السناجب السباتية بالعطش أو البحث عن الماء أثناء فترات اليقظة، أجرى الفريق تجارب سلوكية وجزيئية مختلفة. في البداية، قدموا الماء أو المحلول الملحي لهذه الحيوانات في منتصف دورة السبات. والمثير للدهشة أن السناجب أبدت اهتمامًا بالمحلول الملحي المركز ولكن ليس بالماء العادي.
وهذا يشير إلى أن الحيوانات تدرك حالتها الداخلية من الجفاف وتبحث عن الملح لزيادة حجم الدم دون تخفيف الأيونات الأساسية. وهذا مشابه للمبدأ وراء المشروبات الرياضية مثل جاتوريد، والتي تعمل على تجديد السوائل والكهارل. ومع ذلك، وعلى عكس البشر، لا يبدو أن هذه الثدييات السباتية تتوق إلى شرب الماء مع المحلول الملحي.
وللتعمق أكثر في آلية بقاء السنجاب بدون ماء، فحص الباحثون أدمغة السناجب بالتفصيل. وقاموا بتحليل التعبير البروتيني، ونشاط الخلايا العصبية، واستجابة الخلايا العصبية المعزولة للهرمونات المسببة للعطش في العديد من السناجب عبر اختبارات مختلفة. ومن المثير للاهتمام أنهم اكتشفوا أن الخلايا العصبية المعزولة من منطقة الدماغ المسببة للعطش لا تزال تستجيب للهرمونات ذات الصلة عند وضعها في طبق بتري.
ومع ذلك، عندما كانت هذه الخلايا العصبية جزءًا من الدماغ السليم أثناء السبات، تم قمع نشاطها بشكل كبير. وهذا يشير إلى أن الخلايا العصبية نفسها تحتفظ بقدرتها على الاستجابة لإشارات العطش، ولكن هناك آلية داخل الدماغ تمنع استجابتها بنشاط أثناء السبات.
على الرغم من هذه النتائج المهمة، تظل العديد من الأسئلة بلا إجابة. فالسناجب الأرضية ليست كائنات نموذجية مدروسة على نطاق واسع، كما لم يتم رسم خريطة جينوماتها وخلاياها العصبية بشكل جيد. وهذا يحد من القدرة على إجراء تجارب دقيقة، مثل تنشيط أو تثبيط الخلايا العصبية الفردية لمراقبة التغيرات السلوكية، كما هو ممكن في الفئران أو الجرذان. كما أن السبات نفسه غير مفهوم جيدًا على المستوى الجزيئي والخلوي. وفي حين توجد أبحاث مكثفة حول الجوانب السلوكية للسبات، إلا أنه لا يُعرف سوى القليل عن الآليات الداخلية التفصيلية، وخاصة إدارة المياه.
أحد مجالات البحث الواعدة هو مجال انخفاض حرارة الجسم المستحث، والذي يستخدم حاليًا في الإجراءات الطبية مثل عمليات زرع الأعضاء وجراحات القلب المفتوح. من خلال فهم كيف يمكن للحيوانات السباتية مثل السناجب الأرضية البقاء على قيد الحياة لعدة أشهر دون ماء أو طعام، قد يتمكن العلماء من تمديد مدة انخفاض حرارة الجسم الآمن من ساعتين إلى خمس ساعات، مما ينقذ عددًا لا يحصى من الأرواح في هذه العملية.
علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي الأبحاث حول السبات إلى تطوير أدوية جديدة لعلاج فقدان الشهية، من خلال تحديد مسارات محددة لقمع وتنشيط الجوع والعطش. وقد يكون لهذا تأثير عميق على علاج اضطرابات الأكل، التي تؤثر على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم.
وبالنسبة لأولئك الذين يحلمون باستكشاف الفضاء، فإن أسرار السبات قد تحمل مفتاح السفر لمسافات طويلة إلى الفضاء. ومن خلال فهم كيفية التحكم في عملية التمثيل الغذائي البشري والقضاء على الحوافز غير المريحة في حالة السبات الجزئي، قد يتمكن العلماء من جعل رحلات الفضاء أكثر استدامة وكفاءة، مما يمهد الطريق للبشرية لاستكشاف واستيطان عوالم جديدة.
How hibernating squirrels go more than six months without water—and don’t get thirsty | popsci
في عالم الفلسفة الإسلامية، تم التغاضي عن مفهوم رائع لعدة قرون. لقد كانت الأحادية (monism)،…
من خلال إعادة التفكير في افتراضاتنا حول الحياة خارج الأرض، يتحدانا عالمان للنظر في إمكانية…
حقق باحثون في جامعة ولاية كارولينا الشمالية ما كان يُعتقد أنه مستحيل. حيث سرقوا نموذج…
هناك ظاهرة غامضة في اللغات تركت العلماء واللغويين على حد سواء في حيرة من أمرهم.…
في عام 2003، تغيرت حياة أليكس سميث البالغ من العمر 11 عامًا إلى الأبد عندما…
في مملكة الحيوان، لا يعد البراز مجرد نفايات، بل هو مصدر قيم للتغذية للعديد من…