فيزياء

كيف تتفاعل الإشعاعات المؤينة مع المادة ؟ وما هي أنواع التفاعلات النووية؟

تتميز الإشعاعات بكونها تتفاعل معنا دون أن نشعر بوجودها. وتعد الإشعاعات المؤينة أخطر من باقي الإشعاعات، وذلك نظرًا لقدرتها على خلق سلسلة كبيرة من التفاعلات. في هذا المقال، سنتم ما بدأناه سابقًا حول تفاعل الإشعاع مع المادة. وستكون الإشعاعات المؤينة مدار حديثنا فيه. تعالوا لنعرف كيف تتفاعل الإشعاعات المؤينة مع المادة ؟

تختلف طريقة التفاعل بين الإشعاعات والمادة حسب كونها مشحونة أم حيادية. فـ«الجسيمات المشحونة-Charged particles» تتفاعل مع الذرات بواسطة شحنتها، حيث تتجاذب الجسيمات التي تملك شحنات متقابلة، بينما تتنافر الجسيمات التي لها نفس الشحنة. أما «الجسيمات غير المشحونة-Uncharged particles»  فإنها تخترق المادة دون أن تخضع لهذه القوى، وهذا ما يجعل قوة نفاذيتها للمادة كبيرة مقارنة بالجسيمات المشحونة [1].

كيف تتفاعل الإشعاعات المؤينة مع المادة؟

تفاعل الإلكترونات مع المادة

عندما نقذف إلكترونًا (جسيم مشحون) نحو مادة ما، فإنه يظل يتباطأ أثناء اختراقه للمادة، إلى أن يتوقف كليًا بعد أن يفقد كل طاقته. ويتميز هذا التفاعل بـ«قدرة الإيقاف-Stopping power» أي قدرة المادة على إيقاف الإلكترون المقذوف. أو بتعريف أدق هو مقدارالطاقة التي يفقدها الإلكترون خلال متر واحد من مسيره.

وتشكل هذه الميزة عاملًا مهمًا في تحديد خطورة الإشعاع. فكلما زادت قدرة الإيقاف، قلّت قدرة الإلكترون على اختراق المادة، وبالتالي، قلّت معه خطورة تفاعله مع المادة. ويفقد الإلكترون طاقته إما من خلال تفاعله مع النواة مباشرة أو مع الإلكترونات المكونة للذرة. في الحالة الأولى، ينحرف الإلكترون إثر مروره بالمجال المغناطيسي للنواة وتتباطأ حركته، فتتحول الطاقة الحركية -الناتجة عن التباطؤ- إلى إشعاع يدعى «إشعاع الانكباح-Bremsstrahlung radiation».

أما في الحالة الثانية، فإن الإلكترون المقذوف يمنح طاقته لإلكترونات الذرات التي يقتحمها عن طريق سلسلة من التصادمات. فيبدو ككرة تتجاذبها أرجل اللاعبين إلى أن يتوقف نهائيًا بعد أن يفقد كل طاقته [1].

ظاهرة إشعاع الانكباح

تفاعل الفوتونات مع المادة

تتفاعل الفوتونات (جسيم غير مشحون) مع المادة بشكل مختلف عن الإلكترونات. فعند إرسال حزمة من الفوتونات إلى مادة ما، تتفاعل بعضها مع ذرات المادة، بينما تنجح أخرى في تجاوزها دون تفاعل. ويتحدد عدد الفوتونات المتفاعلة عن الأخرى، من خلال معامل يدعى «معامل التوهين-Attenuation coefficient»، والذي يمثل احتمالية تفاعل الفوتون مع المادة. ويتغير هذا المعامل حسب طاقة الفوتون وكثافة المادة. فكلما زادت طاقة الفوتون، زادت معه فرص النفاذ من المادة دون تفاعل.

وفي المقابل: كلما كانت المادة أكثر كثافة، زادت احتمالية لقاء مزيد من الذرات، وبالتالي احتمالية حدوث تفاعل. ويحدث التفاعل ب3 طرق رئيسية وهي التأثير الكهرضوئي، وتأثير كومبتون، والإنتاج الزوجي [1].

التأثير الكهرضوئي

في هذا التفاعل، يمتص أحد إلكترونات الذرات الفوتون القادم كله. أي أن الفوتون يختفي وتتحول كل طاقته إلى الإلكترون الذي ينطلق مبتعدًا عن مداره. ولحدوث هذا التفاعل، يجب أن تتجاوز طاقة الفوتون طاقة الربط التي تربط الإلكترون بالذرة. وهكذا، فإن الإلكترون ينطلق بطاقة تعادل الفرق بين طاقة الفوتون وطاقة الربط لدى الإلكترون. وحسب التجربة، فإن احتمالية هذا الحدث ترتفع كلما اقتربت طاقة الفوتون من طاقة الربط هذه [2].

ظاهرة التأثير الكهرضوئي

تأثير كومبتون

على عكس «التأثير الكهروضوئي-Photoelectric effect»، فإن الفوتون في «تأثير كومبتون-Compton effect» لا يخسر سوى جزء من طاقته أثناء تفاعله مع إلكترونات المادة التي يخترقها. وهكذا، فإن الفوتون لا يختفي كليًا، بل يغير اتجاهه منحرفًا بزاوية معينة عن اتجاهه الأصلي. أما الإلكترون، فينطلق في أحد الاتجاهات حاملًا معه الطاقة التي أخذها من الفوتون. وتزيد فرص حدوث هذا التفاعل حين تكون طاقة الفوتون أكبر بكثير من طاقة الربط لدى الإلكترون [2].

ظاهرة تأثير كومبتون

الإنتاج الزوجي

في ظاهرة «الإنتاج الزوجي-Pair creation»، يتفاعل الفوتون مع المجال الكهرمغناطيسي للذرة فينعدم ويُخلَق مكانه إلكترون وبوزترون (المادة المضادة للإلكترون). بالنسبة للإلكترون فإنه يتفاعل مع المادة كما ناقشنا ذلك سابقًا. أما البوزترون فيفنى مع أول إلكترون يلتقيه. وتتحرر طاقتهما على شكل فوتونين منبعثين بنفس الطاقة لكن باتجاهين متعاكسين. وهذا ما يدعى بظاهرة «التلاشي-Annihilation» التي يمكن اعتبارها الحالة المعاكسة للإنتاج الزوجي. أما عن احتمالية حدوث الإنتاج الزوجي، فإن الفوتون يحتاج على الأقل لطاقة تكافئ الطاقة التي يختزنها الجسيمان المتكوِّنان (الإلكترون والبوزترون). وبالتالي فإن هذه الظاهرة لا تحدث إلا عندما تحمل الفوتونات طاقات عالية [2].

Related Post
ظاهرة الإنتاج الزوجي

وهكذا، يمكننا القول أن التأثير الكهروضوئي يحدث حين تكون طاقة الفوتونات منخفضة نسبيًا. بينما يهيمن تأثير كومبتون عند الطاقات المتوسطة. وتسيطر ظاهرة الإنتاج الزوجي بالنسبة للطاقات العالية [2].

التفاعلات النووية

نقصد بالتفاعلات النووية تلك التي تحصل حين نقذف جسيم (a) إلى نواة ذرة ما (A)، فينتج عن هذا انبعاث جزيء آخر(b) ونواة أخرى (B).

وتتعدد طرق التفاعل حسب نوع الجسيمات والذرات المتفاعلة. فقد ينحرف الجسيم (a) حين يمر بجوار النواة دون أن يخسر شيئًا من طاقته. وفي هذه الحالة، تكون نواتج التفاعل هي المتفاعلات نفسها والشيء الوحيد الذي يطرأ هو انحراف الجسيم المقذوف عن مساره. في حالة أخرى، يفقد الجسيم المقذوف جزءًا من طاقته لصالح النواة فيجعلها في حالة إثارة، قبل أن تعود النواة لحالتها المستقرة باعثة فوتونًا ذا طاقة عالية. أما في العموم، فإن النواتج تكون مختلفة عن المتفاعلات. أي أن النواة المتفاعلة (A) تتحول لعنصر جديد. وهذا ما يحدث عادة في المفاعلات النووية ومسرعات الجسيمات [2].

المعادلة العامة للتفاعل النووي

الانشطار النووي

يندرج هذا التفاعل ضمن آخر حالة ذكرناها في الفقرة السابقة، حيث تنشطر نواة ثقيلة إلى نواتين خفيفتين بعد قذفها بجسيم. وتعد ذرة اليورانيوم أهم مثال على هذا. فبعد قذفها بنيوترون، تنقسم نواة اليورانيوم المشع إلى عناصر أخف محررة طاقة هائلة. وتستعمل هذه الطاقة عادة لإنتاج الكهرباء كما هو الحال في المفاعلات النووية. لكنها، أحيانًا، قد تبيد بلدانًا كما حدث في هيروشيما وناجازاكي باليابان [2].

الاندماج النووي

على عكس الانشطار النووي، تندمج نواتان خفيفتان، في الاندماج النووي، لتشكلا نواة أثقل. وتتغدى شمسنا على هذا النوع من التفاعلات، حيث تندمج ذرتا ديوتيريوم لتشكيل ذرة الهيليوم. وتكون الطاقة المحررة أثناء هذا التفاعل أكبر بكثير من الطاقة التي تُحرَّر أثناء الانشطار النووي. لهذا فإن هذه الظاهرة موضوع لأبحاث علمية مكثفة، إذ تتسابق القوى العظمى على إيجاد طريقة لاستغلال هذه الطاقة الهائلة [2].

الآن، صار بإمكاننا الانتقال إلى دراسة النشاط الإشعاعي ومصادره حتى نتمكن في النهاية من معرفة الطرق الصحيحة للوقاية من الأشعة النووية. وهذا سيكون موضوع المقالات القادمة في هذا المساق.

المصادر

[1] Nuclear Medicine Physics: A Handbook for Teachers and Students
[2] Interaction of Radiation with Matter

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
مريم بلحساوية

View Comments

Share
Published by
مريم بلحساوية

Recent Posts

ابتكار واقي شمس بتقنية جديدة لتبريد الجلد

عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…

يوم واحد ago

العثور على مومياوات مصرية قديمة بألسنة وأظافر ذهبية

اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…

يوم واحد ago

بناء منازل على المريخ باستخدام الدم البشري

ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…

يوم واحد ago

خلايا المخ تتطور بشكل أسرع في الفضاء وتظل بحالة جيدة!

من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…

يومين ago

ما هو الويب 3.0 وكيف سيحمي بيانات المستخدمين وخصوصيتهم؟

الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…

يومين ago

كيف يمكن مشاهدة انفجار المستعر الأعظم قبل حدوثه؟

لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…

يومين ago