Ad

فئة ثورية من المواد ذات خصائص غير موجودة في الطبيعة تدفع حدود ما اعتقدنا أنه غير ممكن. تخيل عالماً تتحدى فيه تلك المواد القوانين التقليدية للفيزياء، حيث ينحني الضوء حول الأشياء كما لو كانت شفافة. وكأننا نتحدث عن طاقية الإخفاء أو عباءة الإخفاء السحرية من الأفلام! لكن للفيزياء يد في تحويل الخيال إلى واقع. وتفتح المواد الخارقة عالماً من الاحتمالات اللانهائية، من إنشاء أجهزة تصوير فائقة الدقة إلى تطوير تقنيات إخفاء مستقبلية. فما هي تلك المواد؟

ماهي الميتاماتيريالز Metamaterials أو المواد الخارقة؟

كلمة “ميتا” هي كلمة يونانية وتعني “فوق” أو “خارج”. وقد أطلق هذا الوصف على تلك المواد المُهَندسة التي تتيح لنا التحرك خارج الطرق التقليدية التي تتفاعل بها الموجات والمادة، مما يخلق تقنيات يبدو فيها الضوء والصوت كما لو كانا يعصيان القواعد التقليدية.[1] ولعلك سمعت عن “رداء الإخفاء” الذي يعتبر المثال الرئيسي لهذا النوع الجديد من المواد، وهو عبارة عن طلاء يمكنه إخفاء الأجسام بشكل واضح. وقد قامت عدة فرق بحثية حول العالم بتصميم وإنتاج ذلك الطلاء الذي يمكنه إعادة توجيه الموجات الضوئية التي تصطدم به، بطريقة تمنع بشكل فعال انعكاس الضوء عن الجسم فلا يصل إلى عيوننا. وعلى الرغم من أن هذه الاختراعات ما زالت محدودة وبعيدة عما رأيناه في أفلام هاري بوتر، إلا أنها تتفاعل مع الضوء بطريقة تبدو كالسحر.

من الزجاج الملون إلى الضوء المحكم والقطبية المدهشة!

لقرون عديدة، سعى العلماء للسيطرة على خصائص الضوء والصوت أثناء تفاعلهما مع حواسنا البشرية. ومن النجاحات المبكرة في هذا السعي هو اختراع الزجاج الملون. حيث تعلم الرومان القدماء والمصريون كيفية إذابة الأملاح المعدنية في الزجاج لتلوينه. وتمتص الجسيمات الدقيقة من المعادن المتناثرة في الزجاج ألوان محددة وتسمح بمرور ألوان أخرى، مما يخلق ألوانًا زاهية في تحف نعجب بها حتى اليوم. وفي القرن السابع عشر، أدرك «إسحاق نيوتن» و«روبرت هوك» أن لون ولمعان بعض الكائنات يتم خلقه بواسطة أنماط نانومترية على سطح أجسامهم، وهو مثال آخر على كيفية قدرة المواد الخارقة على خلق تأثيرات بصرية مدهشة.[2]

إن العيون البشرية ممتازة في اكتشاف خاصيتين أساسيتين للضوء، وهما كثافته (سطوعه) وطول موجته (لونه). أما الخاصية الثالثة وهي الأهم للضوء، هي قطبيته، التي تصف المسار الذي تتبعه حقوله الكهرومغناطيسية في الفضاء عبر زمن ما. وعلى الرغم من عدم قدرة البشر على تمييز قطبية واحدة عن أخرى بأعيننا، إلا أن هناك العديد من أنواع الحيوانات تمتلك حساسية للقطبية، مما يسمح لها برؤية المزيد وتوجيه أنفسها بشكل أفضل في محيطها.

وفي أواخر القرن التاسع عشر، بعد بضع سنوات من اكتشاف «جيمس كليرك ماكسويل» للمعادلات الكهرومغناطيسية، بنى «جاجاديش تشاندرا بوس» أول مثال لما يمكن أن نسميه مادة خارقة. حيث أحضر جاجاديش ألياف من نبات «الجوت»، و قام بلوي تلك الألياف، ورتبها في تشكيلات منتظمة يدويًا. ثم سلّط ضوء أحادي القطبية، حيث تتذبذب حقول الضوء المغناطيسية والكهربية على طول خطوط مستقيمة علي تلك الألياف. لاحظ «تشاندرا» أن قطبية الضوء الصادر قد أديرت بزاوية معينة بعد انتشارها وتفاعلها مع تلك الألياف. ولأول مرة، بدا أنه من الممكن تصميم مادة اصطناعية للتحكم في الضوء بطرق لم يسبق لها مثيل.

ثورة علم التمويه

اكتشاف الانكسار السالب

يمكن تتبع عصر المواد الخارقة الحديث بالعودة إلى عام 2000. عندما قام كلا من الفيزيائيين« ديفيد آر. سميث» من جامعة ديوك و«شيلدون شولتز» من جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، وزملاؤهم بإنشاء مادة لم يُر مثيلاً لها من قبل، وهي مادة ذات معامل انكسار سالب! لكن ماذا نقصد بمادة ذات معامل انكسار سالب؟

عندما يمر شعاع الضوء من وسط إلى آخر -من الهواء إلى الزجاج على سبيل المثال- تتغير سرعته، مما يتسبب في انحناء الشعاع، أو “انكساره”. والفرق في معامل الانكسار بين المادتين هو الذي يحدد زاوية هذا الانحناء. وتعتبر ظاهرة الانكسار هي أساس معظم الأجهزة البصرية الحديثة، بما في ذلك العدسات والشاشات، وتفسر لماذا يبدو القلم في كوب الماء مكسورًا.


بالنسبة لجميع المواد الطبيعية المعروفة، فإن معامل الانكسار إيجابي. وهذا يعني أن الضوء ينحني دائمًا على نفس جانب الحدود، بزاوية أكبر أو أصغر من الحدود وفقًا لتغير المٌعَامِل. على العكس من ذلك، فإن الضوء الداخل إلى وسط ذو معامل انكسار سالب سينحني للوراء، مما يخلق تأثيرات بصرية غير متوقعة، مثل ظهور القلم  يميل في الاتجاه الخطأ.

افترض العلماء لزمن طويل أنه من المستحيل العثور على مادة تدعم الانكسار السالب، واعتبر البعض أن ذلك سينتهك المبادئ الفيزيائية الأساسية. ومع ذلك، عندما قام شولتز وسميث وزملاؤه بتجميع حلقات وأسلاك نحاسية صغيرة على قواعد دوائر مكدسة (مكونة من طبقات فوق بعضها البعض)، أظهروا أن شعاع الميكروويف الذي يمر عبر هذه المادة يخضع للانكسار السالب. هذه الخطوة المبتكرة أتاحت للمواد الخارقة إمكانية توفير مجموعة أوسع من معاملات الانكسار من تلك التي توفرها الطبيعة.

ثورة في علم التمويه

بعد هذا الانجاز العلمي الأولي، أصبح هناك قدر كبير من الأبحاث العلمية التي تهدف إلي إنشاء مواد خارقة تعمل على إخفاء الأشياء. حيث قام كلا من «نادر إنجيتا» و«أندريه أولو» من جامعة بنسلفانيا، بتصميم غطاء أو عباءة من المواد الخارقة تتسبب في إلغاء موجات الضوء المرتدة عن الغطاء. وبغض النظر عن الاتجاه الذي أتت منه، فعندما تضرب الموجة الغطاء سيتم إعادة توجيهها بطريقة تلغي الموجة المتناثرة بواسطة الجسم داخل الغطاء. نتيجة لذلك، سيكون الجسم المغطى مستحيل الكشف عنه عن طريق الإضاءة الخارجية.

تم إنتاج عباءات ثلاثية الأبعاد يمكنها تقليل موجات الراديو المنتشرة بشكل كبير، مما يجعل الجسم صعب الكشف على الرادار. ولذلك استخداماته العسكرية. ويمكن لتقنيات التخفي الموجودة إخفاء الأشياء عن الرادار عن طريق امتصاص اصطدام الأمواج، ولكن العباءات الخارقة أفضل بكثير. وذلك لأنها لا تقمع فقط الأمواج المنعكسة، بل تعيد توجيه الموجات الواردة للقضاء على التشتت. وامتدت تلك التطبيقات إلي إخفاء الموجات الصوتية، مما يخلق تمويه للأشياء، لا تستطيع الكشف عنها بواسطة أجهزة السونار. بالإضافة إلي صنع عباءات لكبح الموجات الحرارية والزلزالية. [3]

مقايضة بين الحجم وسرعة الضوء

لايزال هناك طريق طويل لتقطعه هذه العباءات لتصل لتلك المصورة في الأفلام. تسمح طاقية الإخفاء أو عباءة الإخفاء للخلفية متعددة الأطوال الموجية خلفها بالظهور بالكامل (أي اختفاء كامل للعباءة ورؤية كاملة لما ورائها). لكن عباءاتنا الواقعية محدودة إما بأحجام صغيرة أو بمدي ضيق للأطوال الموجية تعمل عندها. ويكمن التحدي الأساسي في المنافسة ضد مبدأ “السببية”، والذي ينص علي عدم إمكانية انتقال أي معلومات أسرع من الضوء فى الفضاء. أي أنه لو أردت تحقيق الشفافية الكاملة، فإن على الضوء الذي يمر من العباءة ألا يتفاعل معها أو يتغير. ومن ثم فمن المستحيل أن تحصل علي كل الضوء الآتى من خلف العباءة (أي تصبح شفافة كاملةً كما لو كانت تنتقل عبر الجسم دون إبطائها). وبناءً على ذلك، لا يمكننا منع التشتت بشكل تام بأكثر من طول موجي واحد (لون واحد من الضوء). بل حتى لو قمنا بتحفيز شفافية جزئية فقط (أي رؤية جزئية لما وراء العباءة أو الشيء المغطي) ، فإننا نواجه مفاضلة شديدة بين الحجم الكبير الذي يمكن أن يكون عليه الكائن المٌغَطي وعدد ألوان الضوء التي يمكننا إخفاءها من أجلها. [4]

لا يزال إخفاء جسم كبير بأطوال موجية مرئية بعيد المنال. ولكن يمكننا استخدام المواد الخارقة للأجسام الأصغر والأطوال الموجية الأطول. مما يفتح فرص مثيرة للرادار، والاتصالات اللاسلكية التي يمكن أن تستفيد من تلك التقنيات لتحسين جودة الاشارات والتقليل من التداخل. بالإضافة إلي أجهزة الاستشعار عالية الدقة التي تتطلب قياسات دقيقة دون التأثر بالاضطرابات المحيطة بها أثناء تشغيلها. وإضافة إلي فرص إخفاء أنواع أخرى من الموجات، مثل الصوت. والذي له قيود أقل نظَرًا لسرعته البطيئة مقارنة بالضوء، مما يسمح لنا بالتحكم به.

إن الرحلة إلى عالم المواد الخارقة وحجب الأشياء هي مغامرة مستمرة، مليئة بالإمكانيات المذهلة والوعد بمستقبل تصبح فيه الأمور غير العادية أمرًا شائعًا. و هي شهادة على رغبة الإنسان في دفع حدود ما هو ممكن.

المصادر:

1-3D metamaterials II Nature Reviews Physics
2-Structural Color II Bird academy
3-Heat cloaks hide objects in 3D II Physics World
4-How Far Away Are Active Invisibility Cloaks II Popular Mechanics
5-Symmetry II Wikipedia
6-Trick Light II Scientific American Magazine

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
ahmed kasem
Author: ahmed kasem

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


غير مصنف

User Avatar

ahmed kasem


عدد مقالات الكاتب : 12
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *