من أجل وقاية أنفسنا من الإشعاع، يجب أن نعرف الإشعاع وخصائصه ونعي أولا مخاطر الإشعاع، ثم نتبع بعد ذلك التدابير الموصى بها للحماية منه. فبعد أن تعرفنا على الإشعاع وتطبيقاته ومخاطره، حان الوقت للتعرف على سبل الوقاية منه والمعايير الموصى بها عالميُا للحفاظ على سلامة الفرد والمجتمع في هذا المجال.
محتويات المقال :
أنشأت اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع نظامًا يهدف إلى وضع أسس لوقاية مختلف أفراد المجتمع من الآثار الحتمية والعشوائية للإشعاعات. فوضعت حدودًا للجرعات، يجب عدم تجاوزها، بحيث تقل الآثار الحتمية عند احترام حدود الجرعات الموصى بها. ووصت بإبقاء التعرض الإشعاعي في أقل مستوى ممكن للتخفيف من الآثار العشوائية التي تتزايد احتمالية حدوثها كلما زاد التعرض للإشعاع. بالإضافة إلى هذا، صنفت مختلف الحالات التي يمكن أن تتسبب في التعرض الإشعاعي من أجل اتباع التدابير المناسبة لكل حالة [1].
وضعت اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع ثلاثة مبادئ للوقاية من الإشعاعات: التبرير والتحسين وحدود الجرعة. يقوم مبدأ التبرير على ضرورة تبرير استخدام الإشعاعات، بجعل المنافع تفوق الأضرار المترتبة عن التعرض للإشعاعات. بالنسبة لمبدأ التحسين، فإنه ينص على أن التعرض للإشعاع يجب أن يبقى في أدنى مستوى ممكن له. بينما يؤكد مبدأ حدود الجرعة على ضرورة عدم تجاوز حدود للجرعة التي يتقاها الفرد. وتتغير هذه الحدود حسب نوع الفئة المعرضة للإشعاعات. فاالحد المخصص للجمهور، وهو عامة الناس، يصل إلى 1 ميلي سفيرت في السنة. بينما يفوق الحد المخصص للمهنيين، وهم العاملون في المجالات النووية، 20 ميلي سفيرت في السنة. أما المرضى الذين يتعرضون للإشعاعات لأسباب طبية، فإن حد الجرعة لا يشملهم، حيث تكون منافع العلاج أقوى من الأضرار الناتجة عن تجاوز حدود الجرعات [1][2][3].
من أجل تحديد التوصيات التي يجب اتباعها أثناء التعرض للإشعاع، صنفت اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع حالات التعرض الإشعاعي إلى ثلاث حالات:
في حالات التعرض المخطط لها تُطبَّق مبادئ الوقاية الثلاث لحماية الأفراد الذي تشملهم هذه الحلات. بينما تقتصر الحالات الطارئة و التعرض القائم عى مبدأي التبرير والتحسين. وتستبدل حدود الجرعة الموصى بها بمستويات يتم تحديدها حسب طبيعة الموقف. ولتوضيح كيفية تطبيق هذه المبادئ في الواقع، يمكن أن نأخذ مثلًا حالة منشأة نووية في منطقة مأهولة. يُحتِّم مبدأ التبرير على المستثمرين إظهار أدلة كافية تبين أن منافع المنشأة اجتماعيًا واقتصاديًا تفوق الأضرار التي قد يتعرض لها الجمهور من أثر الإشعاع الذي تسببه المنشأة. وبتطبيق مبدإ التحسين، يجب أن يكون تصميم مثاليًا لحصول أقل قدر من التعرض، مع الأخذ بعين الاعتبار التكلفة المادية للتصميم. أما مبدأ حدود الجرعة، فيُطبَّق بالتأكد الدوري من أن أيًا من العاملين في المنشأة لم يتخط حدود الجرعة المسموح بها للمهنيين [1].
تتنوع أساليب الوقاية من أخطار التعرض الإشعاعي حسب نوع التعرض، فالمعايير المتبعة في التعرض الداخلي ليست نفسها المتبعة في التعرض الخارجي. ويحدث التعرض الداخلي بدخول المادة المشعة جسد الإنسان عن طريق الاستنشاق أو البلع أو الحقن أو التسرب من خلال جرح مفتوح. ويتوقف هذا النوع من التعرض إما بشكل طبيعي –على شكل فضلات أو من خلال التحلل الكامل للمصدر المشع إلى مادة غير مشعة- أوبواسطة علاج طبي. بالنسبة للتعرض الخارجي، فإنه يحدث عندما يتموضع المصدر الإشعاعي خارج جسم الإنسان. ويمكن أن يكون التعرض الخارجي بتَوَضُّع المواد المشعة المحمولة في الهواء في الملابس أو الجلد، والتي يمكن إزالتها بالاغتسال، أومن خلال التعرض لمنبع خارجي من الإشعاعات كالتعرض للأشعة السينية أثناء الفحوص الطبية. ، ويتوقف التعرض، في هذه الحالة، حين يبتعد المرء عن مجال الإشعاع أومن خلال وضع حائل بينه وبين مصدر الإشعاع [1][4].
يتم تقليل خطر التعرض الخارجي إما بتقليل زمن التعرض أو بتقليل معدل الجرعة التي يمتصها الجسم في مدة معينة. ويُقلَل معدل الجرعة إما بتقليص المسافة بين الشخص المتعرض ومصدر الإشعاع، أو من خلال وضع حائل بينه وبين المصدر [5].
تتزايد الجرعة الإشعاعية التي يتلقاها الفرد مع تزايد الفترة الزمنية التي يقضيها خلال التعرض. وحسب مبدإ التحسين، يجب تقليل الوقت الذي يقضيه العاملون في منطقة التعرض إلى أقل قدر ممكن [1].
تتعلق المسافة بشكل عكسي مع معدل الجرعة الممتصة، حيث كلما ابتعدنا عن مصدر الإشعاع كلما قلت نسبة التعرض. ويؤثر شكل المصدر المشع على معدل الانخفاض. فبالنسبة للمواد الكروية مثلًا، ينقص معدل الجرعة إلى الربع إذا ضاعفنا المسافة بين المصدر والشخص المتعرض. بينما لا ينقص إلا بمقدار النصف إذا كان المصدر أسطواني الشكل [1].
يتعلق سمك ونوع الحائل اللازم للوقاية من خطر التعرض الخارجي بنوع الإشعاع وطاقته. فجسيمات ألفا لا تحتاج إلا إلى قطعة من الورق لإيقافها. بينما تتطلب جسيمات بيتا حائلًا من البريسميكس بسمك 10 مليمترات. بينما تحتاج الأشعة السينية وأشعة غاما سمكا كبيرًا وكثافة عالية لإيقافها [1].
على عكس التعرض الخارجي، فإن مجرد كمية صغيرة من المادة المشعة قد تسبب خطرًا كبيرًا عند دخولها للجسم. ويتعلق معدل بقاء المادة في الجسم بسرعة تحللها، التي تبدأ بأجزاء من الثانية وقد تصل إلى آلاف السنين، وبمعدل الإخراج الطبيعي للمادة على شكل فضلات، والذي يتراوح بين عدة أيام إلى بضع سنين [1].
وعند دخول مادة مشعة إلى جسد الإنسان فإنها تظل تتراكم في عضو معين (الرئة في حال الاستنشاق) إلى أن تتكتل معظمها داخله، ثم تبدأ بالاختفاء تدريجيًا إما عن طريق التحلل الإشعاعي أو على شكل مخلفات طبيعية. وبالتالي، فإن معدل الجرعة الممتصة يظل يتزايد بشكل متسارع إلى أن يصل إلى قيمة قصوى (عندما تتكتل معظم المادة المشعة داخل العضو)، ثم يبدأ بالتناقص تدريجيًا إلى أن ينعدم مع اختفاء المادة المشعة من الجسم [1].
من أجل تقليص أثر التعرض الداخلي يجب تقليل الجرعة بقدر الإمكان كما ينص مبدأ التحسين، بالإضافة إلى احترام حدود الجرعة التي يجب عدم تجاوزها. وفي العادة يتم تفادي التعرض الداخلي للعاملين عن طريق تنظيف أماكن التلوث الإشعاعي قبل دخول العاملين إليها. لكن في حال استدعى أحد العاملين أحد المناطق الملوثة فيجب حمايته بالملابس والأدوات المناسبة [1].
وفي الختام، يجب على العاملين في المجالات النووية عدم الاستهانة بالآثار الصحية التي تسببها الإشعاعات واتباع مختلف التدابير الموصى بها وطنيُا وعالميًا مهما كان الملل الذي يسببه ذلك.
[1] An Introduction to Radiation Protection
[2] Principles for Non-Ionizing Radiation Protection : Health Physics
[3] Radioprotection : principes de base et limites de doses
[4] Ionizing radiation, health effects and protective measures
[5] Personne compétente en radioprotection Principes de radioprotection – réglementation
لقد تم اكتشاف تمثال نصفي لكليوباترا في مدينة تابوزيريس ماجنا المصرية القديمة، مما أثار جدلاً…
عثر مقاتلون تابعون للمعارضة في سوريا على مخزونات ضخمة من مخدر الكبتاجون في مستودع بدمشق.…
توصل باحثون إلى اكتشاف رائد يمكن أن يحدث ثورة في عالم التكنولوجيا القابلة للارتداء. لقد…
مع تصاعد التوترات حول نهر النيل، الذي يشكل شريان حياة بالغ الأهمية لملايين البشر في…
من المتوقع أن تشهد البشرية في السنوات القليلة المقبلة تطورات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي.…
مقاومة المضادات الحيوية، التي تمثل تهديدًا صحيًا عالميًا متزايدًا، لها سبب مفاجئ وهي التربة. حيث…