يمثل فيثاغورس المثلث الإشكالي في الفلسفة الإغريقية، لكونه يجمع الأنداد في صيغة موحدة، لا في طرحه إنما في شخصه أيضًا. بدأت الفلسفة وهي ترسم تخوم العداء والصراع مع النظرة الدينية في آغورا التي ترى العالم كهبة إلهية. والعلم أيضًا وهو في طوره الجيني اختار لنفسه طريقًا غريبًا عن المقترب الديني في التفسير. بيد أن فيثاغورس يشق طريقه في الجهة الجامعة بين التصوف والعلم والفلسفة، إذ أن الاضداد تقول بعضها على النغم الكوني. في هذا المقال سنسلط الضوء على فيثاغورس الشخص والفيلسوف والعالم.
محتويات المقال :
سيرة فيثاغورس
ولد فيثاغورس حوالي عام 570 ق.م. في صيدا (فينيقيا)، يُقال أنه منذ البداية اقتنع الناس بأنه ابن الإله لجماله ولذكاءه. بعد ظهور الطاغية بوليقراط ترك البلاد نحو الملطية حيث هناك طاليس وأناكسيماندر وأناكسيمانس. اعجب به طاليس وحثه على الإبحار إلى مصر للاختلاط مع الكهنة حيث سيحصل منهم على كل ما يجعل منه حكيمًا في عيون أكثرية البشر(1). وفقًا لـيميلخا تواصل فياغورس في مصر مع الكهنة واختلط مع الأنبياء هناك.
بعد مضي اثنين وعشرين عامًا يحتل الملك الفارسي قمبيز مصر فيرحل فيثاغورس نحو بلاد ما بين النهرين ويسكن في بابل اثني عشر عامًا، وهناك يتعرف على العلوم الدينية ويخالط المجوس كما يستوعب قضايا الحساب والموسيقى.
يعود إلى ساموس وهو في السادسة والخمسين غير أنه لا يجد من يفهمه سوى فتى يتخذه فيثاغورس في البداية خادمًا. بسبب الموقف الاحتقاري من أهل ساموس يرحل إلى إيطاليا، أي اليونان الكبرى.
قام فيثاغورس بتأسيس أخوية صوفية في مدينة كروتون وهناك يبدأ الناس في التعرف على هذا المعلم الجديد الذي سيعلمهم كيفية الوصول إلى السعادة. مجده الناس كثيرًا وادرجوه في عداد الآلهة وبصفته نصف إله يحب البشر(2).
بعد سنوات تتعرض الأخوية إلى القمع والاضطهاد من قبل السلطات، فتمت إبادة الفيثاغوريين جميعًا ولم يسلم منهم إلا عدد قليل ليموتوا في النهاية من القهر والأسى.
مفهوم الفلسفة عند فيثاغورس
إن مفهوم الفلسفة في زمن الفلاسفة الأوائل كان مفهومًا وظيفيًا على الأكثر، إذ أن القصد من التفلسف كان بلوغ السعادة الإنسانية بمعناها الواسع. يُعتقد أن فيثاغورس هو أول من أطلق على نفسه لقب الفيلسوف، والفيلسوف هو من يتأمل في كل ما هو جميل. ومعنى “الجميل” عند فيثاغورس لا يقتصر على الجانب الظاهر والمحسوس من الموجود، بل يشمل السبب الذي أوجده أي الله وجوهره وتناسقه مع باقي الموجودات في الحدود الكونية. (3)
كما أن التربية تدخل في الاهتمام الفلسفي عند فيثاغورس؛ ذلك لأن التربية هي التي تحدد الطبيعة الإنسانية وتصقلها بروح نقية. إن الفلسفة إذن هي التأمل في الجميل وتقويم طبيعة البشر.
الأخلاق عند فيثاغورس
كانت الأخلاقيات الفيثاغورية متأثرة بالعقلية الأورفية؛ لم يفلسف فيثاغورس الأخلاق نفسها بل وضع قائمة من النصائح والمحرمات. لهذا يمكن القول بأنه فضلًا عن التأثير الأورفي كان قد تأثر بالروحانيات الشرقية، فهو أقرب إلى نبي في هذه المسألة. من المبادئ المهمة عند فيثاغورس:
- عند الأصدقاء كل شيء مشترك.
- تهذيب الجسد والابتعاد عن الشهوات.
- الفكر الحر.
- تعلم الصمت.
- احترام الكبار والخالدين لأن رأيهم هو الأصلح.
تصور فيثاغورس الكون على أنه كائن حي يتنفس وأن الكائنات قد انفصلت من هذا الكون/الكل وتلوثت بالوجود المجزأ. فهدف فيثاغورس إذن هو أن يقرب الكائن الإنساني من هذا الكل، طالما وجوده يمثل اغترابًا، من خلال الممارسة الروحانية (4).
التربية عند فيثاغورس
وفقًا لفيثاغورس، لا يختلف البشر عن الحيوانات، والإغريق عن البرابرة، والمولودون أحرارًا عن العبيد والفلاسفة عن المجدفين إلا في شيء واحد وهو التربية(5). إن عملية التربية هي ممارسة عقلانية للوصول إلى الرحم الأولي حيث التناسق. والتربية الجيدة لا تتحقق من خلال نظام الفرض والعقوبة إنما التعزيز المستمر. كما أن فيثاغورس أشار إلى البيئة المناسبة لنجاح العملية التربوية. ومن الجدير بالإشارة هو أن الأخوية الفيثاغورية كانت تخضع الشخص لاختبارات تستمر للسنوات ليتأكدوا بأنه يستحق العضوية(4).
الموسيقى وفق الفيثاغورسية
إن فكرة التناغم أو التناسق تعد فكرة رئيسة في فلسفة فيثاغورس، فهذا التناغم هو الذي يبقي الكون في حالة وجود. قال فيثاغورس بوجود الانسجام الشامل والغناء المتناغم للمجالات السماوية والكواكب المتحركة فوقها، وأن أغانيها لها دوي أقوى ونقاء أجلى من أي أغنية أبدعها البشر. (6).
لذلك أدخل الموسيقى في المجال الأخلاقي، حيث يمكن بواسطة أنغام وألحان وإيقاعات جميلة شفاء الأخلاق والطباع والشهوات البشرية واستعادة حالة التوازن الأولى. (7).
الهندسة الكونية
بينما ذهب فلاسفة الميليت (ملطية) إلى تحديد العنصر الأولي الذي منه جاء كل شيء، قام فيثاغورس بمقاربة مختلفة كل الاخلاف. اعتقد بأن عناصر الأعداد هي عناصر الأشياء وأن العالم عدد، لكن الأعداد كهندسة لا حساب. فالعالم في الحقيقة وفي جوهره إنما هو أشكال هندسية، وهذه الطبيعة الهندسية أهم من الماء والهواء…إلخ ( (8
المصادر:
- يمليخا، فيثاغورس حياته وفلسفته، ترجمة زياد الملا، ص18.
- نفس المصدر، ص30.
- https://plato.stanford.edu/entries/pythagoras/
- https://apeironcentre.org/the-pythagorean-way-of-life/
- يلميخا، مصدر سابق، ص41.
- نفس المصدر، ص58-59.
- https://courses.lumenlearning.com/musicappreciation_with_theory/chapter/pythagoras/
- عزت قرني، الفلسفة اليونانية حتى أفلاطون، ص31.
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :