توصل نيكولاس بلوم، الخبير الاقتصادي الشهير في جامعة ستانفورد، إلى اكتشاف رائد مفاده أن جداول العمل الهجينة هي نعمة لكل من الموظفين ورؤسائهم. في دراسة نشرت في مجلة(Nature)، قام بلوم بتحليل آثار العمل المختلط على أكثر من 1600 عامل في شركة (Trip.com)، وهي وكالة سفر صينية عبر الإنترنت. وكانت النتائج مذهلة، حيث أن الموظفين الذين عملوا من المنزل لمدة يومين في الأسبوع كانوا منتجين بنفس القدر ومن المرجح أن يحصلوا على ترقية مثل أقرانهم الذين يعملون بشكل كامل في المكتب. علاوة على ذلك، انخفضت الاستقالات بنسبة 33% بين العمال الذين تحولوا من العمل بدوام كامل في المكتب إلى جدول زمني هجين.
ويكتسب هذا البحث أهمية خاصة، بالنظر إلى أن حوالي 100 مليون عامل في جميع أنحاء العالم يعتمدون الآن مزيجًا من الأيام للعمل في المنزل والمكتب كل أسبوع. على الرغم من هذا الاتجاه المتزايد، أثار قادة الأعمال البارزون مثل إيلون ماسك وجيمي ديمون مخاوف من أن العمل عن بعد يعيق تدريب الموظفين والابتكار وثقافة الشركة. ومع ذلك، تشير دراسة بلوم إلى أن هذه الانتقادات قد يتم توجيهها بشكل خاطئ، وأن نظام العمل الهجين (Hybrid work)، عندما تتم إدارته بشكل صحيح، يمكن أن يحقق فوائد عديدة.
محتويات المقال :
مستقبل نظام العمل الهجين
الطريقة التي نعمل بها تمر بتحول كبير اليوم. لعقود من الزمن، كان الروتين المكتبي التقليدي من الساعة 9 إلى 5 هو القاعدة، حيث يذهب الموظفون إلى مكان العمل الفعلي خمسة أيام في الأسبوع. ومع ذلك، مع ظهور التكنولوجيا وجائحة كوفيد-19، أصبح مفهوم العمل أكثر مرونة، والخطوط الفاصلة بين المكتب والمنزل غير واضحة.
اكتسب التحول نحو العمل عن بعد، المعروف أيضًا باسم العمل من المنزل، زخمًا في السنوات الأخيرة. وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب، فإن 43% من البالغين العاملين في الولايات المتحدة يعملون عن بعد لبعض الوقت على الأقل، ارتفاعا من 31% في عام 2020. ولا يقتصر هذا الاتجاه على الولايات المتحدة فقط؛ حيث تتبنى العديد من البلدان حول العالم جداول عمل مرنة.
لكن ماذا يعني هذا الأمر بالنسبة لمستقبل العمل؟ هل ستصبح المكاتب قديمة وبالية ومهجورة أم أنها ستتطور لتتوافق مع الاحتياجات المتغيرة للموظفين وأصحاب العمل؟ تكمن الإجابة في الاتجاه الناشئ لنظام العمل الهجين، الذي يجمع بين فوائد العمل عن بعد مع هيكل البيئة المكتبية والتعاون فيها.
لا يقتصر العمل الهجين على العمل من المنزل لمدة يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع فقط. يتعلق الأمر بإنشاء ترتيبات عمل مرنة تسمح للموظفين بالعمل في الأماكن التي يكونون فيها أكثر إنتاجية وراحة. يمكن أن يشمل ذلك مساحات العمل المشتركة، أو المقاهي، أو حتى المساحات الخارجية. والمفتاح هو تزويد الموظفين بالاستقلالية في اختيار مكان وكيفية عملهم، مع الحفاظ على فوائد التفاعل والتعاون وجهاً لوجه.
أقاويل حول العمل عن بعد
لقد تأجج الجدل حول العمل عن بعد بسبب المفاهيم الخاطئة والحكايات، حيث يزعم النقاد أنه يعيق الإنتاجية والابتكار وثقافة الشركة. ولكن من أين نشأت هذه الأقاويل وماذا يقول العلم؟
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ركزت الأبحاث حول العمل عن بعد على دعم العملاء ووظائف إدخال البيانات، حيث كان الموظفون غالبًا معزولين عن زملائهم. وغالبًا ما أبلغت هذه الدراسات عن نتائج سلبية، مما عزز فكرة أن العمل عن بعد كان أدنى من العمل المكتبي التقليدي. ومع ذلك، فإن هذا التركيز الضيق يتجاهل تجارب المهنيين الحاصلين على شهادات جامعية أو أعلى، والذين يشكلون جزءًا كبيرًا من القوى العاملة الحديثة.
وقد استشهد نقاد مثل إيلون ماسك وجيمي ديمون بهذه الدراسات المبكرة للهجوم على فكرة العمل عن بعد، لكنهم غالبًا ما يخلطون بين نظام العمل الهجين ونظام العمل عن بعد. وقد تفاقم هذا المفهوم الخاطئ بسبب نقص الأبحاث حول الجداول الزمنية الهجينة، حيث يقسم الموظفون وقتهم بين المنزل والمكتب.
دراسة رائدة حول الجداول الزمنية الهجينة
تخيل سيناريو حيث يمكنك العمل من منزلك لمدة يومين في الأسبوع، ومع ذلك، تظل إنتاجيتك وفرص الحصول على الترقية كما هي مثل زملائك في المكتب. هذا هو بالضبط ما اكتشفه نيكولاس بلوم، الخبير الاقتصادي في جامعة ستانفورد، في دراسته الأخيرة حول جداول العمل الهجينة في شركة (Trip.com). فقد كشفت الدراسة أن الاستقالات انخفضت بنسبة الثُلث بين العمال الذين تحولوا من جدول العمل بدوام كامل إلى جدول العمل الهجين. وكانت النساء والموظفين الذين يتنقلون لمسافات طويلة هم الأقل احتمالًا لترك وظائفهم عندما تم تقليص رحلاتهم إلى المكتب إلى ثلاثة أيام في الأسبوع.
إذن، ما الذي جعل هذه التجربة رائدة إلى هذا الحد؟ لقد كانت هذه واحدة من تجارب المنضبطة القليلة التي قامت بتحليل الترتيبات الهجينة، حيث كان العمال خارج موقع العمل لمدة يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع وفي المكتب بقية الوقت. سمح هذا لبلوم والمؤلفين المشاركين بتقديم دروسًا مهمة للشركات متعددة الجنسيات الأخرى.
من يستفيد أكثر من العمل الهجين؟
عندما قام نيكولاس بلوم وفريقه بالتنقيب في البيانات، فوجئوا عندما اكتشفوا أن مجموعات معينة من الموظفين استفادت أكثر من غيرها من ترتيبات العمل الهجين. كانت النساء والموظفين الذين يتنقلون لمسافات طويلة هم الأقل احتمالاً لترك وظائفهم عندما تحولوا إلى جدول زمني هجين.
علاوة على ذلك، كان العمال الحاصلون على درجات علمية عليا، وأغلبها في علوم الكمبيوتر، أو المحاسبة، أو المالية، من بين أكبر المستفيدين. ومن بين المشاركين في الدراسة، كان 32% يحملون شهادات عليا، ورأوا فوائد كبيرة من العمل الهجين. هذا على الأرجح لأنهم يقدرون المرونة والاستقلالية في جداول عملهم.
نتائج الدراسة لها آثار مهمة على الشركات التي تتطلع إلى تنفيذ سياسات العمل الهجين. ومن خلال فهم من يستفيد أكثر من هذه الترتيبات، يمكن للشركات تصميم سياساتها لتلبية احتياجات موظفيها. على سبيل المثال، قد يؤدي تقديم ترتيبات عمل مرنة للأمهات العاملات أو الموظفين الذين يتنقلون لمسافات طويلة إلى زيادة الرضا الوظيفي وتقليل معدل الاستقالة.
لماذا يعتبر العمل المختلط مربحًا للجميع للموظفين وأصحاب العمل
الإحصائيات مقنعة. في دراسة بلوم، يترجم تراجع الاستقالات إلى توفير كبير في التكاليف للشركات، حيث لم يعد عليها أن تقلق بشأن توظيف وتدريب موظفين جدد ليحلوا محل أولئك الذين يغادرون.
لكن الفوائد لا تتوقف عند هذا الحد. يؤدي العمل الهجين أيضًا إلى قوة عاملة أكثر تنوعًا وشمولاً. وهذا يعني أن الشركات يمكنها جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها من مجموعة واسعة من الخلفيات، مما يؤدي إلى قوى عاملة أكثر ابتكارًا وديناميكية.
إذن ماذا يعني هذا بالنسبة لمستقبل العمل؟ مع استمرار الشركات في تبني سياسات العمل الهجين، يمكننا أن نتوقع رؤية تحول نحو أماكن عمل أكثر مرونة وتركز على الموظفين. يعد هذا مكسبًا لجميع المشاركين، حيث يحصل الموظفون على حرية العمل بالطريقة التي تناسبهم بشكل أفضل، بينما يستفيد أصحاب العمل من زيادة الإنتاجية ومعدلات الاحتفاظ.
المصادر:
Hybrid work is a ‘win-win-win’ for companies, workers / science daily
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :