فلسفة

فرانسيسكو سواريز ومحاولة تفسير أرسطية أخيرة

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة محطات مهمة عن الثورة العلمية

فرانسيسكو سواريز ومحاولة تفسير أرسطية أخيرة

تعلمنا سويًا في المقال السابق كيفية استخدام نموذج تحليل شكل المادة الأرسطي لفهم عمليات مثل تحويل اليرقة إلى فراشة. كما طبّقنا نموذج شكل المادة لتقديم تحليلات للظواهر الطبيعية الأخرى أيضًا. ورغم منطقية النموذج البادية للوهلة الأولى إلا أننا الآن في وضع يسمح لنا بتقييمه وتحديد بعض نقاط قوته وضعفه. فتعالوا بنا لنعرف كيف انتقد ديكارت الفكر الأرسطي؟

نقد الفكر الأرسطي، نقاط الضعف ونقاط القوة

نقاط قوة نموذج تحليل المادة الأرسطي

  • قد تقول إن إحدى السمات الجذابة لهذا النموذج هي أنه بسيط نسبيًا، أي يمكنه وصف مجموعة واسعة من العمليات الطبيعية، بدءًا من حرق الخشب أو تحول اليرقة إلى فراشة وتغير لون تفاحة متعفنة، بسهولة نسبيًا. فليس علينا سوى افتراض فقد أو اكتساب المادة شيئًا معينًا.
  • أيضًا، يتناغم النموذج مع الحدس القائل بأن بعض خصائص الجسم ضرورية له، في حين أن البعض الآخر مجرد خصائص عرضية. فيلتقط النموذج هذه الفكرة من خلال التمييز بين الأشكال الجوهرية التي تؤسس الخصائص الأساسية للأجسام، والأشكال العرضية التي تؤدي إلى خصائص عرضية متغيّرة.

نقاط ضعف نموذج تحليل المادة الأرسطي

  • إحدى نقاط الضعف المهمة لهذا النموذج هي غموضه التام. إن القول بأن الماء يتصرف كالماء بسبب شكله هو ادعاء ضبابي غير مفسّر. لجعل هذا الادعاء ملموسًا، سنحتاج إلى مزيد من التفسير لنوع شكل الجسم. بدون مثل هذه العملية، سيظل شكل الجسم نوعًا ما كـ “الصندوق الأسود” الذي يؤدي بطريقة ما إلى ظهور خصائصه الفيزيائية.

    ماذا لو قلنا بأن الماء يتصرف كالماء لأنه عبارة عن H2O، أي لأنه رابطة كيميائية بين ذرتين من الهيدروجين وذرة أكسجين واحدة، فقد أصبح لدينا تفسير ملموس للغاية. لقد فتحنا الصندوق الأسود ونظرنا بداخله وعرفنا الأسباب الحقيقية، أليس كذلك؟
  • قال النموذج الأرسطي أن تحول الخشب إلى رماد، يفقد مادة الخشب شكلها وتكتسب شكلًا آخر. لكن من أين يأتي هذا الشكل الجديد؟ لا يقدم النموذج إجابة واضحة على هذا السؤال، مما يضعف بشكل كبير من قوته التفسيرية.

    كان المدرسّون أنفسهم مدركين لهذه المشكلة، لكنهم لم يقدموا حلاً واضحًا مرضيًا.

في مقالنا الأخير، رأينا كيف تعامل مفكرو العصور الوسطى، مثل توما الأكويني، مع الأجساد من حيث المادة والشكل. سيطر نموذج التحليل الأرسطي هذا، على جامعات القرون الوسطى، أي منذ حوالي 1200 سنة ميلادية وما بعدها. لكن في القرن السابع عشر، تعرض النموذج لهجوم شرس من مفكرين مثل رينيه ديكارت وروبرت بويل.[1]

لماذا تعرض النموذج الأرسطي للهجوم؟

كان الهدف الرئيسي للنقد الحديث المبكر للفلسفة الطبيعية المدرسية هو فكرة الشكل الجوهري، وتوجهت إليها نيران الناقدين. فكما رأينا، كان الشكل الجوهري للجسد مبدأ رئيسي يصعب تفسيره. أصبح الشكل الجوهري هو المحدد لنوع الجسد الذي كان عليه، وجعله يتحرك ويتصرف بطرق معينة.

هكذا كان الماء هو الماء في هذا النموذج كنتيجة لشكله الجوهري. ونتيجة لهذا الشكل الجوهري، سيغلي الماء عند تسخينه ويبرد مرة أخرى بعد إزالة مصدر الحرارة. هكذا بلا أسباب سوى الشكل الجوهري، فهو بذاته يفسر كل شيء، ونحن لا نعرف عنه شيء تقريبًا.

بالإضافة إلى نقاط ضعف النموذج الأرسطي الممثلة في الغموض والحدسية، فقد استحق النموذج الهجوم كما يبدو.

Related Post

ما قبل ديكارت

فرانسيسكو سواريز وتفسير الشكل الجوهري بالروح

على الرغم من بساطة الأمر من وجهة نظر السكولائيين حينها أمثال توما الإكويني، فقد وجد ديكارت صعوبة في رؤية ما يمكن أن تكون عليه هذه الأشكال الجوهرية. اعترف العديد من المدرسين بأن الأشكال الجوهرية لا يمكن رؤيتها أو ملاحظتها في حد ذاتها.

في القرن السادس عشر، حاول الكاهن اليسوعي الإسباني فرانسيسكو سواريز تسليط الضوء على هذا الوضع من خلال مقارنة الأشكال الجوهرية بأرواح البشر.

في البداية، فسر فرانسيسكو ظاهرة فقدان الحرارة وفقًا للشكل الجوهري. قال فرانسيسكو أن ما يدفع الماء الساخن لأن يبرد بعد إبعاد مصدر التسخين هو شكله الجوهري البارد بالأساس، لهذا يحاول الماء أن يعود لشكله الجوهري.

برودة الماء بعد تسخينه

اعتقد فرانسيسكو سواريز بأن الجسد البشري له روح توجهه من الداخل، وهكذا المواد الأخرى أيضًا، لها شكل جوهري يوجه سلوكهم وحركاتهم من الداخل. [2]

قيل عن أعمال وتفسيرات فرانسيسكو سواريز أنها مهدت وألهمت ديكارت وكانت حلقة وسطى بين الانتقال من الأرسطية إلى الثورة العلمية كما رأينا في تفسيره الأخير لبرودة الماء الساخن بعد فترة.

حاول فرانسيسكو سواريز إنقاذ السكولائية والأرسطية من عقلانية وتفسيرات وشغف معرفي وتفسيري لدى الكثيرين في عصره، فهل نجح؟ هذا ما سنعرفه في المقال التالي.

المصادر
[1] Futurelearn, scientific revolution, University of Groningen
[2] كتاب خلافات ميتافيزيقية لسواريز فرانسيسكو
[3] كتاب كتابات فلسفية لرينيه ديكارت
[4] Stanford Encyclopedia of philosophy



اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Author: abdalla taha

أحب القراءة ومتابعة العلوم.

abdalla taha

أحب القراءة ومتابعة العلوم.

Share
Published by
abdalla taha

Recent Posts

ابتكار واقي شمس بتقنية جديدة لتبريد الجلد

عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…

يوم واحد ago

العثور على مومياوات مصرية قديمة بألسنة وأظافر ذهبية

اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…

يوم واحد ago

بناء منازل على المريخ باستخدام الدم البشري

ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…

يوم واحد ago

خلايا المخ تتطور بشكل أسرع في الفضاء وتظل بحالة جيدة!

من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…

يومين ago

ما هو الويب 3.0 وكيف سيحمي بيانات المستخدمين وخصوصيتهم؟

الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…

يومين ago

كيف يمكن مشاهدة انفجار المستعر الأعظم قبل حدوثه؟

لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…

يومين ago