Ad

أنت تمشي في شوارع لندن في يوم صيفي حار، وتشعر بالحرارة المنبعثة من الرصيف والمباني. مع استمرار تغير المناخ، أصبحت مدن مثل لندن عرضة بشكل متزايد لدرجات الحرارة العالية، مما يعرض السكان لخطر عدم الراحة وحتى الوفاة. ولكن ماذا لو كانت هناك طريقة للتغلب على الحرارة؟ وجدت دراسة جديدة أجراها باحثون في جامعة كوليدج لندن (UCL) أن فاعلية الأسقف الباردة في تبريد المدن تتفوق على الطرق الأخرى. ونشرت الدراسة في مجلة (Geophysical Research Letters)

تأثير الجزر الحرارية الحضرية

هل شعرت يومًا أن المدن تزداد سخونة؟ أنت لا تتخيل الأشياء! إن المدن تختنق بالفعل تحت غطاء من الحرارة، يُعرف هذا التأثير باسم الجزر الحرارية الحضرية (Urban heat island). تحدث هذه الظاهرة عندما تمتص المناطق المبنية مثل المدن وتحتفظ بقدر أكبر من الحرارة مقارنة بالمناطق الريفية المحيطة بها، مما يجعلنا نشعر وكأنها أفران خلال أيام الصيف الحارة.


تأثير الجزر الحرارية الحضرية هو نتيجة لعدة عوامل. أولاً، تمتص البنية التحتية الحضرية مثل الطرق والمباني والأرصفة الحرارة من الشمس وتعيد إطلاقها. ثانيًا، تمتلك المدن مساحات خضراء محدودة، مما يعني وجود غطاء نباتي أقل لتوفير الظل وتبريد الهواء. وأخيرًا، تطلق الأنشطة البشرية مثل وسائل النقل والعمليات الصناعية الحرارة في البيئة.


عواقب الجزر الحرارية الحضرية بعيدة المدى. ويمكن أن تؤدي إلى زيادة استهلاك الطاقة، ومعدلات الوفيات، والأمراض المرتبطة بالحرارة. في الواقع، وجدت دراسة أجرتها وكالة البيئة الأوروبية أن الجزر الحرارية الحضرية يمكن أن تزيد معدلات الوفيات بنسبة تصل إلى 10٪ خلال موجات الحر.

نبذة تاريخية عن طرق تبريد المدن

مع نمو المدن وترسخ التحضر، أصبحت الحاجة إلى تخفيف درجات الحرارة الشديدة في البيئات الحضرية ملحة بشكل متزايد. لقد كان السعي وراء طرق التبريد المدن طريقًا طويلًا ومتعرجًا، مع ظهور أساليب مختلفة على مر السنين. تعود إحدى المحاولات الأولى المسجلة للتبريد الحضري إلى الحضارات القديمة، حيث تم تصميم المدن بشوارع ضيقة ومباني عالية لتوفير الظل وتقليل تأثير الجزر الحرارية الحضرية. في القرن التاسع عشر، بدأ مخططو المدن في دمج المساحات الخضراء في تصميمات المدن، مدركين التأثير المنعش الذي توفره النباتات.


في منتصف القرن العشرين، ظهر مفهوم الأسقف الباردة (Cool roof)، حيث اكتشف الباحثون إمكانات الطلاءات العاكسة والأسطح ذات الألوان الفاتحة في تقليل درجات الحرارة في المناطق الحضرية. اكتسبت هذه الفكرة زخمًا في الثمانينيات، عندما بدأ العلماء في فهم تأثير الجزر الحرارية الحضرية وتأثيرها على سكان المدن. وشهدت التسعينيات ظهور الأسطح الخضراء، التي وعدت بتوفير العزل، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، وإنشاء موطن للحياة البرية. وفي السنوات الأخيرة، تحول الحديث نحو حلول أكثر إبداعًا، مثل الاسطح الخضراء، والغابات الحضرية، وحتى المباني “الذكية” التي يمكنها ضبط أجهزة تنظيم درجة الحرارة لتحسين كفاءة استخدام الطاقة.

فاعلية الأسقف الباردة في تبريد المدن

عندما يضرب ضوء الشمس السقف التقليدي ذو اللون الداكن، فإنه يمتص حوالي 90% من طاقة الشمس، ويحولها إلى حرارة. ثم يتم احتجاز هذه الحرارة داخل المبنى، مما يؤدي إلى زيادة درجات الحرارة الداخلية والمساهمة في تأثير الجزر الحرارية الحضرية. وفي المقابل، تم تصميم الأسقف الباردة لتعكس ما لا يقل عن 70% من طاقة الشمس، بدلاً من امتصاصها. وهذا يقلل من كمية الحرارة التي تدخل المبنى، مما يحافظ على برودة درجات الحرارة في الداخل والخارج.

فاعلية الأسطح الباردة في تبريد المدن

مقارنة طرق التبريد الحضرية

عندما يتعلق الأمر بالتغلب على الحرارة الحضرية، فإن المدن لديها العديد من الخيارات للاختيار من بينها. ولكن ما هي الطريقة التي تسود وتنجح؟ لمعرفة ذلك، وضع الباحثون مختلف أنظمة إدارة الحرارة السلبية والنشطة في المناطق الحضرية ضد بعضها البعض في مواجهة افتراضية.

وباستخدام نموذج مناخي حضري ثلاثي الأبعاد للندن، قام الباحثون بمحاكاة كل طريقة كما لو أنها تم اعتمادها على نطاق واسع في جميع أنحاء المدينة. وبرزت الاسقف الباردة باعتبارها الفائز، فهي قادرة على خفض درجات الحرارة الخارجية في جميع أنحاء لندن بمتوسط ​​1.2 درجة مئوية، وما يصل إلى درجتين مئويتين في بعض المواقع.

وفي الوقت نفسه، تخلفت طرق أخرى، حيث وفرت النباتات على مستوى الشارع (extensive street-level vegetation) والألواح الشمسية تأثير تبريد أصغر يبلغ حوالي 0.3 درجة مئوية في المتوسط. إن تكييف الهواء، الذي ينقل الحرارة من داخل المباني إلى الخارج، أدى في الواقع إلى ارتفاع درجة حرارة البيئة الحضرية الخارجية بما يصل إلى درجة مئوية واحدة في مراكز المدن الكثيفة.

وكما قال المؤلف الرئيسي للدراسة، الدكتور أوسكار بروس فلقد اختبروا بشكل شامل طرقًا متعددة يمكن أن تستخدمها مدن مثل لندن للتكيف مع درجات الحرارة المرتفعة والتخفيف من حدتها، ووجدوا أن الأسطح الباردة كانت أفضل طريقة للحفاظ على درجات الحرارة منخفضة خلال فترات الحرارة الشديدة. في حين أن الطرق الأخرى قد يكون لها فوائدها، لكن عندما يتعلق الأمر بقوة التبريد المطلقة، فإن الأسطح الباردة هي البطل النهائي.

تطبيقات وتأثيرات الأسطح الباردة

بالنسبة للمبتدئين، المدينة الأكثر برودة تعني مساحة معيشة أكثر راحة. مع انخفاض درجات الحرارة، يصبح الناس أقل عرضة للمعاناة من الأمراض المرتبطة بالحرارة، ويمكن تقليل استخدام مكيفات الهواء، مما يؤدي إلى توفير كبير في الطاقة. وهذا بدوره يمكن أن يقلل الضغط على شبكة الطاقة، الذي يؤدي إلى بيئة حضرية أكثر استدامة وصديقة للبيئة.


ولكن هذا ليس كل شيء. يمكن أن يكون للأسطح الباردة أيضًا تأثير عميق على الاقتصاد المحلي. ومن خلال تقليل الحاجة إلى تكييف الهواء، يمكن للشركات خفض تكاليف الطاقة، وتحرير الموارد للعمليات الأساسية الأخرى. ويمكن أن يكون هذا مفيدًا بشكل خاص للشركات الصغيرة، والتي غالبًا ما تكون العمود الفقري للمجتمعات الحضرية.


علاوة على ذلك، يمكن أن تلعب الأسطح الباردة أيضًا دورًا حاسمًا في التخفيف من تأثير الجزر الحرارية الحضرية، والذي يؤثر بشكل غير متناسب على الفئات السكانية الضعيفة مثل كبار السن، والأطفال الصغار، وأولئك الذين يعانون من حالات طبية. ومن خلال تقليص الفجوة في درجات الحرارة بين المناطق الحضرية والريفية، يمكن أن تساعد الأسطح الباردة في خلق بيئة حضرية باردة.

Cool roofs are best at beating cities’ heat / science daily

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


بيئة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 278
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *