فكر

عقدة الناجي: عندما تثقل عليك نعمة الحياة!

“أشعر بالذنب لكوني على قيد الحياة.. وهذا شعور ثقيل
كأن تتساقط حوائط المحيط فوق رأسك.. غير عابئة بالسدود”

كُتبت هذه الكلمات بيد بايشنس كارتر ذات العشرين عامًا، التي شهدت حادث إطلاق نيران مريع بولاية فلوريدا. نجت كارتر من هذا الحادث فيما فقد آخرون حياتهم. وعلى عكس المتوقع، لا نجدها ممتنة للنجاة بل شاعرة بالذنب والثقل. فما سبب هذا الشعور؟ هذا ما سنتعرف عليه في حديثنا اليوم عن عقدة الناجي!

ما عقدة الناجي؟

«عقدة الناجي-survivor’s guilt» هو نوع من الشعور بالذنب، يختبره هؤلاء الذين نجوا بحياتهم من مواقف كارثية. عقدة الناجي ظاهرة معقدة للغاية، قد يختبرها الشخص لشعوره بالذنب لأنه مازال على قيد الحياة فيما توفي الآخرون، أو لاعتقاده أنه لم يبذل الجهد الكافي لإنقاذ أحدهم، أو لأن شخصًا ما فقد حياته لمساعدته.

يعد خبراء الصحة النفسية عقدة الناجي عرضًا مهمًا لـ «اضطراب ما بعد الصدمة-PTSD»، إذ يتلازم الشعور بالذنب مع موقف كارثي مهدد للحياة، ينجو منه الشخص فيما يفقد آخرون حيواتهم. وقد تظهر عقدة الناجي وحدها دون أن يكون الشخص مصابًا باضطراب ما بعد الصدمة.

اُستخدم مصطلح عقدة الناجي للمرة الأولى مع الناجين من المحرقة الجماعية (الهولوكوست)، لوصف شعورهم بالذنب بعد تعرضهم لتلك الجريمة البشعة. والآن تختبر فئات أخرى هذا الشعور مثل:

  • المحاربون القدامى.
  • مرضى السرطان.
  • ضحايا الحوادث العنيفة.
  • الناجون من الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل.
  • المراسلون الصحفيون في مناطق الحروب والكوارث.
  • من شهد انتحار أحد أفراد عائلته.
  • من فقد عزيز خلال جائحة كورونا.

أعراض عقدة الناجي

عقدة الناجي تجربة معقدة للغاية، فكما ذكرنا سابقًا يختلف سبب الشعور بالذنب من شخص لآخر، إما لأنه نجا فيما توفي آخرون، أو لاعتقاده أنه لم يبذل الجهد الكافي للمساعدة، أو لأن شخصًا ما فقد حياته لإنقاذه. 

Related Post

نجد العرض المشترك والأكثر وضوحًا هو الشعور بالذنب. وهناك عدد من الأعراض الأخرى التي تختلف في حدتها باختلاف حالة كل مريض. مثل: 

  • شعور بالضعف وقلة الحيلة.
  • استرجاع ذكريات الموقف الكارثي.
  • شعور بالغضب والانفعال.
  • شعور بالخوف والحيرة.
  • تقلبات مزاجية ونوبات غضب.
  • فقدان الحماس.
  • أفكار انتحارية.

    هذه هي الأعراض النفسية التي تتطابق تقريبًا مع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. وهناك عدد من الأعراض الجسدية منها:
  • اضطرابات الشهية.
  • اضطرابات النوم.
  • صداع.
  • غثيان وآلام في المعدة.
  • تسارع ضربات القلب.

عوامل الخطر

جميعنا معرضون لشدائد الحياة، وشئنا أم أبينا، نتأثر بتبعاتها. عقدة الناجي ليست استثناءًا من هذه القاعدة، إلا أنه هناك عدد من العوامل التي تزيد من احتمالية إصابة الشخص بها. وهذه العوامل هي:

  • تعرض الشخص لصدمات الطفولة مثل: الاعتداء أو التحرش.
  • وجود أمراض نفسية أخرى مثل: القلق أو الاكتئاب.
  • غياب الدعم النفسي من العائلة أو الأصدقاء.
  • تعاطي المخدرات أو الكحوليات.

أثبتت الدراسات وجود بعض العوامل الأخرى التي قد تزيد من صعوبة الموقف على الناجي. أهمها: الندم. يتقاطع الشعور بالذنب مع الندم في أغلب الأحيان، إذ ينظر الشخص إلى الوراء متسائلًا عما كان يمكن تقديمه لإنقاذ حياة هذا أو مساعدة ذاك. 

يقع الشخص فريسة لهذا الشعور متأثرًا بما يعرف بتحيز «الإدراك المتأخر-Hindsight Bias» إذ ينظر الشخص إلى الحدث الصادم معتقدًا أنه كان واضحًا للغاية، وكان ينبغي عليه توقع حدوثه. فيما يخبرنا الواقع بالطبع أنه بعض الأمور تحدث فقط، ولا يمكننا التحكم بها لأنها خارج نطاق إرادتنا.

كيف نتعامل معها؟

يتطلب وجود عقدة الناجي، وحدها أو مرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة، تدخلًا عاجلًا. لا لتقليل الشعور بالذنب وتحسين جودة الحياة فقط، ولكن لارتباط هذه العقدة بأعراض خطيرة قد تودي بحياة الشخص. 

أثبتت الدراسات أن العلاج النفسي، خاصة العلاج السلوكي المعرفي، فعال للغاية في عكس الآثار السلبية للصدمة وعقدة الناجي.

قد يستفيد الشخص من عدد من الوسائل العلاجية الأخرى مثل: العلاج النفسي الجماعي، أو مجموعات الدعم، أو بعض الأدوية لتخفيف حدة الأعراض.

لا تقتصر رحلة العلاج على زيارة المعالج فقط والالتزام بالأدوية. الألم والحزن والذنب والندم مشاعر قوية تترك بصمتها على الجميع، ينبغي علينا معرفة كيفية التعامل معها. وهاك بعض النصائح المقترحة لذلك:

  • اسمح لقلبك أن يحزن.
    أن تشهد بشرًا مثلك يفقدون أرواحهم ،أمام عينيك، دون أن تستطيع المساعدة، أمر قاتل. اسمح لقلبك أن يحزن، وامنحه هدية الوقت حتى يكتمل شفائه.
  • أنت فقط بشر، لا يمكنك التحكم بكل شيء.
    أتفهم رغبتك في عتاب نفسك، وإصرارك أنه كان من الممكن فعل شيء لتغيير ما حدث. لكن الحقيقة أن ما حدث قد حدث، هناك بعض الأمور الخارجة عن نطاق سيطرتك ولا يمكنك التحكم بها.
  • اغفر لنفسك.
    لا يسهل على أحد تحمل عواقب أفعاله، خاصة إن تسببت النتائج بالأذى. لكن الأخطاء تحدث، وجميعنا معرضون لارتكابها. اغفر لنفسك وامنح نفسك ما تحتاج من الوقت لذلك.

اقرأ أيضًا: تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

المصادر

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Author: Esraa Ahmed

إسراء أحمد، مصر. طالبة بالسنة الأخيرة لكلية العلاج الطبيعي، محبة للقراءة والكتابة الإبداعية، مهتمة بمجال الأدب وعلم النفس والصحة النفسية.

Esraa Ahmed

إسراء أحمد، مصر. طالبة بالسنة الأخيرة لكلية العلاج الطبيعي، محبة للقراءة والكتابة الإبداعية، مهتمة بمجال الأدب وعلم النفس والصحة النفسية.

View Comments

Share
Published by
Esraa Ahmed

Recent Posts

ابتكار واقي شمس بتقنية جديدة لتبريد الجلد

عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…

20 ساعة ago

العثور على مومياوات مصرية قديمة بألسنة وأظافر ذهبية

اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…

21 ساعة ago

بناء منازل على المريخ باستخدام الدم البشري

ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…

21 ساعة ago

خلايا المخ تتطور بشكل أسرع في الفضاء وتظل بحالة جيدة!

من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…

يومين ago

ما هو الويب 3.0 وكيف سيحمي بيانات المستخدمين وخصوصيتهم؟

الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…

يومين ago

كيف يمكن مشاهدة انفجار المستعر الأعظم قبل حدوثه؟

لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…

يومين ago