محتويات المقال :
عصر النهضة الفني
في بداية القرن الخامس عشر، شهدت إيطاليا نهضة ثقافية أثرت بشكل كبير على جميع فئات المجتمع. أدى ذلك إلى الابتعاد عن السمات القوطية والرومانية السابقة، مما أدى إلى ظهور “عصر النهضة”.
بدأ ظهور عصر النهضة بمجموعة من الفنانين واللوحات والسمات المتطورة، وقد عرفت أول فترة منها باسم “النهضة المبكرة”، ثم جاءت بعدها فترة سميت بـ “النهضة الحديثة”. حيث صاحبت النهضة الحديثة نهضة في شمال أوروبا، فلم يكن لعصر النهضة المبكرة تأثير يذكر خارج إيطاليا. لكن منذ أواخر القرن 15 بدأت سمات ذلك العصر بالانتشار خارج إيطاليا عابرة حدودها إلى شمال أوروبا.
حفّز الفنانون في إيطاليا على تجديد أمجاد الفن الكلاسيكي بما يتماشى مع عصر ناشئ معاصر يهتم بالإنسانية والفردية. وانطلاقًا من هذه البيئة الجديدة المزدهرة التي مكّنت المجتمع من الانغماس الكامل في دراسات العلوم الإنسانية، بدأ فنانو عصر النهضة في خلق أعمالٍ مكتظة بالمعارف المختلفة. شملت أعمال أولئك الفنانين الهندسة المعمارية والفلسفة واللاهوت والرياضيات والعلوم والتصميم.
استمرت الابتكارات التي نشأت في الفن خلال هذه الفترة في إحداث أصداءٍ لازالت تؤثر على الساحات الإبداعية والثقافية اليوم.
عصر النهضة المبكر
يعتبر عصر النهضة المبكر أول مراحل عصر النهضة، وقد استمرت الفترة المبكرة نحو 90 عامًا. تشير الفترة المبكرة في المقام الأول إلى الفترة الفنية التي سادت إيطاليا في القرن ال15.
بدأ الفنانون بالابتعاد عن الفن القوطي وتطورت الأساليب الفنية الجديدة جذريًا. ابتعدوا عن الأعمال الفنية ذات الأشكال المسطحة وثنائية الأبعاد، والتي شاعت في السابق.
وقد شمل ذلك إدخال أساليب ثورية مثل:
- المنظور الخطي ذو النقطة الواحدة والمستمد من دراستهم للرياضيات والهندسة المعمارية.
- التفاصيل الطبيعية والتشريحية.
- الاهتمام بالنسب.
- استخدام التباين العالي بين الظل والضوء.
- الخداع البصري لغرض خلق الأوهام.
وقد تطورت الموضوعات لتبتعد عن القصص الدينية التقليدية التي سيطرت على الفن طوال تاريخه.
شمل ذلك التجديد مشاهد المعارك، والصور الشخصية – Portraits، وتصوير الأشخاص العاديين بعيدًا عن المقدسات. لم يعد الفن وسيلة لرفع مقام الشخصيات الدينية فحسب، بل أصبح وسيلة لتوثيق حياة الناس وأحداث العصر الحديث، بالإضافة لتوثيق التاريخ.
ومن المؤكد أن فناني عصر النهضة المبكرة قد تأثروا بالفلسفة الإنسانية التي أكدت أن علاقة الإنسان بالعالم والكون والله لم تعد حكرًا على الكنيسة فقط. أدى ذلك التأثر إلى إنتاج أعمالٍ أكدت على الخصائص العاطفية والفردية للأشخاص بمواضيعٍ وطرقٍ جديدة. ترتب ذلك التأثر على بناء طرقٍ أكثر عاطفية بين المشاهد والتجربة الفنية.
من الأعمال الفنية في عصر النهضة المبكر
تيار التصوير الهولندي المبكر، الفن الفلمنكي
أما بالنسبة لتيار (التصوير الهولندي المبكر) والذي يطلق عليه أيضًا الفن الفلمنكي، فقد اشتمل على العديد من المجالات كالنحت والتصوير والعمارة والفنون البصرية الأخرى. نشأ وازدهر تيار الفن الفلمنكي في العديد من المجالات في أواخر القرنين الرابع عشر والخامس عشر.
كانت تباع اللوحات التي تم إنتاجها في تلك الفترة إلى الأمراء أو التجار الأجانب، لكن لسوء الحظ تم تدمير غالبية الأعمال في القرنين ال16 وال17. بقيت منها إلى اليوم بضعة آلاف فقط، فلم يوثّق رسامي تلك المرحلة وأعمالهم جيدًا حتى منتصف القرن التاسع عشر.
قضى مؤرخو الفن قرنًا تقريبًا في تحديد الصفات ودراسة الأيقونات ووضع الخطوط العريضة لحياة الفنانين الكبار للتيار الفلمنكي. حتى الآن، لا تزال بعض أهم أعمال ذلك العصر موضع جدل.
من أهم الفنانين الهولنديين
- Robert Campin
- Jan van Eyck
- Rogier van der Weyden
- Dieric Bouts
- Petrus Christus
- Hugo van der Goes
الفنان فان أيك van Eyck
يعتبر من أهم فناني التيار الهولندي، وبسبب ابتكاراته في استخدام الألوان الزيتية، جعل ذلك التدريجات اللونية بين مساحات الألوان ممكنة. لجأ فان أيك إلى الاعتماد على وقت الجفاف البطيء للألوان الزيتية، مما سمح لتصوير المنظور والمساحة البعيدة والقريبة بشكل أكثر قربًا من الواقع.
من أهم سمات أعمال فان أيك قيامه بتحقيق مستوى متطور من الواقعية ودقة التنفيذ والتفاصيل. ساعد أيك على تقديم ذلك المستوى الرفيع اختياره للعناصر الثمينة والراقية كالمجوهرات اللامعة والمعادن العاكسة والأقمشة المختلفة كالمخملية والساتان. كل ذلك، بالإضافة لعمله على تطوير الجسد البشري حتى وصوله إلى درجة عالية من الطبيعية.
من أكثر ما اشتهر به فان أيك فكرة اختراع عمل اللوحة بالألوان الزيتية، ونسبت إليه بعد قرنٍ من وفاته. ولقد كتب المؤرخ الفني جورجيو فاساري عن ذلك، ونسبه إلى أيك إلا أن ذلك غير صحيح، واستمرت تلك الأسطورة حتى القرن التاسع عشر. لكن حتى بعدما خمدت نيران تلك الشائعة، يظل فان أيك محتفظًا بلقب “أبو التصوير الزيتي” إلى اليوم.
يعود الفضل إلى فان أيك في اختراع البورتريه الحديث، والذي يظهر أسلوبه بشدة في لوحته الشخصية التي رسمها لنفسه بعنوان “بورتريه الرجل ذو العمامة الحمراء” Portrait of a Man in Red Turban.
من أهم أعماله أيضًا لوحة بورتريه أرنولفيني “The Arnolfini Portrait”، والتي أظهر فيها دقة فائقة في عمل التفاصيل والرموز.
من أعمال الفنانين الهولنديين
عصر النهضة الحديث
يشير عصر النهضة الحديث إلى فترة ثلاثين عامًا جسدتها الأعمال الفنية البارزة التي أُنتجت في إيطاليا. أدى تجديد الفن الكلاسيكي والذي تزاوج مع دراسة عميقة للعلوم الإنسانية إلى تحفيز الفنانين لإخراج أعمال فنية لا مثيل لها. أنتج فنانو ذلك العصر إبداعاتهم بمعرفة كثيفة بالعلم والتشريح والهندسة المعمارية. بقيت حتى اليوم الكثير من الأعمال المميزة والتي تعتبر الأكثر إلهامًا في تاريخ الفن.
وعلى الرغم من تنافس العديد من الفنانين على المكانة العالية خلال هذا العصر، فإن (ليوناردو دا فينشي) و(مايكل انجلو) و(رافاييل) و(دوناتو برامانتي) هم بلا شك أعظم أكثر شهرة في تلك الفترة باهتماماتهم المتعددة وإتقانهم لها.
استخدم فنانو عصر النهضة الحديث مجموعة من التقنيات المستعارة من فناني عصر النهضة المبكر مثل:
- المنظور الهندسي لخلق عمق شديد.
- التنفيذ الدقيق والصحيح علميًا للتشريح البشري.
- دمج العناصر المعمارية والمنحوتات في اللوحة الفنية.
ظهرت أساليب جديدة في هذا الوقت، من ضمنها تقنية (سفوماتو) والتي اخترعها “دا فينشي”، وهو تأثير زجاجي أحدث ثورة هائلة في طريقة مزج الألوان. بالإضافة لظهور (لوحات السقف) والتي توفر للمشاهد تجربة رؤية المنظر بأسلوب يتفاعل فيه المشاهد مع العمل الفني، وهو ما يتحقق عند الرؤية من الأسفل.
تعد اللوحات المرسومة على سقف “كنيسة سيستين – Sistine Chapel” بالفاتيكان بيد العبقري مايكل أنجلو – Michelangelo هي أقرب مثال لذلك. تعد لوحة (خلق آدم – Creation of Adam) من أشهر ما وجد فيها، وهي لوحة واحدة من 9 لوحات متتالية على سقف الكنيسة.
تشتهر هذه الفترة بإدخال أفكار الجمال إلى الفن، سواء بتصويرها لشخصياتٍ دينية أو أشخاص عاديين، فقد كانت اهتمامات الفنانين في عصر النهضة الحديث هي تقديم قطع تحتوي على الكمال والجمال البصري.
من الأعمال الفنية في عصر النهضة الحديث
الفن الأسلوبي أو التكلفي
ظهر في أواخر عصر النهضة تيار فني أطلق عليه (الفن الأسلوبي) أو (الفن التكلفي)، وهو تيار ظهر كرد فعل للشكل الكلاسيكي المعتاد والذي تميزت به أعمال عصر النهضة. ويُعتبر هذا التيار جسرًا بين عصر النهضة الحديث وفترة عصر الباروك القادمة.
اهتم فنانو ذلك التيار بالكمال الذي تم تصويره في عصر النهضة لكنهم لم يسعوا إلى تكراره. وبالغوا في كثير من العناصر والنسب بدلًا من الكمال، مما أدى إلى إنتاج أعمال تعبر عن الذات أكثر من تحقيقها للمثالية.
بدأ الفنانون في خلق لوحات تتسم بالتراكيب المصطنعة والمتكلفة وغير الحقيقية، وكانت إحدى الطرق الأساسية التي اتبعوها هي المبالغة. لم يكن ذلك عن جهل أو مشكلة بالدقة، ولكنهم رفضوا الأبعاد الواقعية وقاموا بتقديم شخصيات بأطرافٍ مستطيلة وأوضاع غريبة للأجساد البشرية. فمن المحتمل أن استخدامهم لتلك الأشكال الممتدة والملتوية كانت رغبة منهم في إبراز الحركة أو لزيادة الدراما.
المصادر:
the culture trip
hisour
the art story
the art story
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :