مع تصاعد التوترات حول نهر النيل، الذي يشكل شريان حياة بالغ الأهمية لملايين البشر في أفريقيا، بدأ يظهر إطار علمي جديد لتحقيق التوازن بين الحاجة إلى المياه والطاقة في مواجهة الجفاف المتزايد. ويتمحور النزاع حول سدود النيل “الضخمة”، وخاصة سد النهضة الإثيوبي، وكيفية تأثيرها على إمدادات المياه وتوليد الطاقة الكهرومائية لدول مثل إثيوبيا والسودان ومصر. واجتمع باحثون بمشاركة العالم عصام حجي لتطوير نهج شامل لتشغيل السدود الضخمة على نهر النيل أثناء فترات الجفاف الطويلة. وتوفر دراستهم الإطار الذي تشتد الحاجة إليه لواضعي السياسات للتغلب على التحديات المعقدة المتمثلة في ندرة المياه وأمن الطاقة في المنطقة وتقاسم موارد النيل.
محتويات المقال :
شريان الحياة في النيل
لقد كان نهر النيل شريان الحياة للحضارات منذ آلاف السنين. إنه أطول نهر في العالم، ويمتد لمسافة تزيد عن 6,600 كيلومتر من مصادره في بوروندي ورواندا وتنزانيا إلى دلتاه على البحر الأبيض المتوسط في مصر. النيل ليس مجرد نهر؛ إنه شريان الحياة الذي يدعم سبل عيش أكثر من 300 مليون شخص في 11 دولة. ومع ذلك، فإن الطبيعة المحدودة لهذا المورد الثمين أثارت صراعات وتوترات بين الدول التي تعتمد عليه للحصول على المياه والطاقة.
أحد الجوانب الأكثر أهمية لمياه النيل هو توزيعها غير المتكافئ. حيث تتمتع دول المنبع، مثل إثيوبيا، بقدر أكبر من السيطرة على تدفق النهر، في حين تعتمد دول المصب، مثل مصر، بشكل كبير على مياه النيل للري، ومياه الشرب، والطاقة الكهرومائية. وقد أدى هذا الخلل في التوازن إلى خلق شعور بالضعف بين دول المصب، حيث تخشى أن تقوم دول المنبع بتحويل تدفق المياه أو التلاعب به لصالحها.
فمياه النيل ليست مصدرا للحياة فحسب، بل هي أيضا رمز للقوة والنفوذ. لقد كانت القدرة على التحكم في تدفق نهر النيل عاملاً رئيسياً في تشكيل سياسة المنطقة واقتصادها. فالبريطانيون، على سبيل المثال، استخدموا سيطرتهم على نهر النيل للسيطرة على مصر والسودان خلال الحقبة الاستعمارية. واليوم، يظل نهر النيل قضية مثيرة للجدل، حيث تخوض دول مثل إثيوبيا، والسودان، ومصر صراعاً على موارد النهر.
الطاقة الكهرومائية من أجل الشعب، ولكن بأي ثمن؟
إن نهر النيل، شريان الحياة لملايين البشر في مصر والسودان وإثيوبيا، يتغذى في المقام الأول من رافدين رئيسيين: النيل الأزرق والنيل الأبيض. يساهم النيل الأزرق، الذي ينبع من المرتفعات الإثيوبية، بأكثر من 80% من تدفق مياه النهر، في حين يوفر النيل الأبيض، الذي يتدفق من بحيرة فيكتوريا، الجزء المتبقي.
أصبحت الطاقة الكهرومائية شريان حياة لملايين البشر. على سبيل المثال، من المتوقع أن يعمل سد النهضة الإثيوبي على تزويد 60% من سكان البلاد بالكهرباء. ومع ذلك، فإن بناء السدود الضخمة مثل سد النهضة أثار مخاوف بشأن التأثير على تدفق المياه في اتجاه مجرى النهر والآثار اللاحقة على الأمن المائي في مصر.
تاريخياً، ناضل المجتمع العلمي من أجل تطوير أساليب لتحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة لتوليد الطاقة الكهرومائية عند المنبع واحتياجات المياه عند المصب. لقد عمل الباحثون بلا كلل لإنشاء نماذج يمكنها التنبؤ بنتائج سياسات تشغيل السدود المختلفة، مع الأخذ في الاعتبار عوامل مثل هطول الأمطار والتبخر وتخزين المياه و المناخ.
نهج علمي جديد لتقاسم موارد النيل
اقترح فريق الباحثين، بقيادة عصام حجي، نهجًا جديدًا لتقييم ظروف الجفاف في حوض النيل. وبدلاً من الاعتماد فقط على تدفق النيل الأزرق كمؤشر للجفاف، يقترحون استخدام مستوى المياه في السد العالي بأسوان كمؤشر رئيسي. ومن خلال تحديد عتبة 165 مترًا، يمكن لصناع السياسات تحديد فترات الجفاف المطولة بدقة وتنفيذ تدابير التخفيف المناسبة.
يقدم هذا النهج العديد من المزايا. أولاً، يأخذ في الاعتبار التأثير المشترك لكل من النيل الأزرق والنيل الأبيض على الميزانية المائية الإجمالية. ثانيًا، يوفر مقياسًا واضحًا وموضوعيًا لتحديد ظروف الجفاف، مما يقلل من احتمالات النزاعات بين الدول المشاطئة.
وعلاوة على ذلك، تقترح الدراسة سياسة تشغيلية محسنة لسد النهضة تسمح بتوليد الطاقة الكهرومائية المستدامة مع تقليل التأثيرات السلبية على دول المصب. من خلال الموازنة الدقيقة بين المطالب المتنافسة على المياه والطاقة، يعتقد الباحثون أنه من الممكن تحقيق حل مربح للجانبين. ومع ذلك، يتطلب التنفيذ الناجح لهذا الإطار تعاونًا وتنسيقًا قويين بين دول حوض النيل.
تقترح السياسة المقترحة السماح لسد النهضة بالعمل بنحو 87٪ من قدرته المثلى على توليد الطاقة الكهرومائية. ومن شأن هذا المستوى من التشغيل أن يمكن إثيوبيا من توليد كميات كبيرة من الكهرباء دون التسبب في عجز كبير في المياه في مجرى النهر في مصر، حتى خلال فترات الجفاف الشديد.
مستقبل التعاون
يقدم الإطار العلمي لتقاسم موارد النيل بصيص أمل لمستقبل تعاوني. ومن خلال تبني نهج قائم على القياس لتخفيف آثار الجفاف، تستطيع سدود النيل الضخمة توليد الطاقة الكهرومائية المستدامة مع تقليل العجز المائي في مجرى النهر.
ومن الممكن أن يعود هذا التعاون بفوائد بعيدة المدى، ليس فقط على مصر وإثيوبيا والسودان، بل على المنطقة بأكملها. حيث تتم فيه تلبية احتياجات المياه والطاقة دون التضحية بسبل عيش الملايين. إنه مستقبل تتم فيه إدارة نهر النيل بطريقة تعطي الأولوية للإنسان والكوكب. وبهذا النهج الجديد، يمكن لنهر النيل أن يستمر في التدفق، مما يوفر المياه والطاقة التي تمنح الحياة لمن هم في أمس الحاجة إليها.
المصادر
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :