عبقري مصري يضيء سماء الابتكار الأمريكي: ماهر القاضي من كلية العلوم جامعة القاهرة إلى الأكاديمية الوطنية للمخترعين

البروفيسور ماهر القاضي

يمثل الابتكار وقود الحضارات ورافعة التقدم الإنساني، ويسجل التاريخ بمداد من ذهب أسماء العلماء الذين كرسوا حياتهم لحل أعقد المشكلات التي تواجه البشرية. وفي صدارة هذه الأسماء اللامعة يسطع اسم البروفيسور ماهر القاضي، العالم المصري الذي حقق إنجازاً مبهراً بتعيينه رسمياً كعضو في الأكاديمية الوطنية للمخترعين (NAI) بالولايات المتحدة الأمريكية.

ولا يعد هذا التكريم مجرد اعتراف بمسيرته العلمية الحافلة، بل هو أعلى تكريم للمخترعين في الولايات المتحدة، ويضعه في مصاف نخبة النخبة من المبتكرين الذين أحدثوا ثورات حقيقية في الحياة اليومية والاقتصاد العالمي. وبقدر كبير من الفخر والاعتزاز، أتقدم بهذه التقرير لأحتفل بإنجاز علمي استثنائي سجله زميل وصديق عزيز، فنحن، أبناء كلية العلوم بجامعة القاهرة، نفخر دائماً بأساتذتنا وطلابنا الذين حملوا راية العلم إلى العالمية. ولكن اليوم، يتجاوز الفخر حدود الوطن، ليصبح شهادة أكاديمية وعلمية على أن العبقرية المصرية قادرة على الوصول إلى القمة.

لقد تابعت د. ماهر عن قرب كزميل وصديق، وشهدتُ شغفه الذي لا يهدأ بالعلم والابتكار. وكتبت عنه وعن إنجازاته أكثر من مرة، إن انضمامه رسمياً إلى الأكاديمية الوطنية للمخترعين في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أعلى تكريم للمخترعين الأمريكيين، ليس مجرد جائزة تُضاف إلى سيرته الذاتية الحافلة، بل هو اعتراف عالمي بالتأثير الاقتصادي والمجتمعي الملموس لاختراعاته التي تزيد عن 250 براءة اختراع دولية. إن هذا التكريم يضعه في صفوة الصفوة من العلماء، إلى جانب حائزي جائزة نوبل ومؤسسي الإنترنت.

إن رحلة ماهر، التي بدأت بخطوات واثقة على أرض كلية العلوم بجامعة القاهرة، ثم انطلقت بعبقرية نحو جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA)، هي قصة إلهام يجب أن تروى لأجيالنا. إنها تجسيد حي للمثل القائل إن “الاجتهاد يولد الإبداع، والإبداع يقود إلى الثورة“. ندعو الله له بدوام التوفيق، ونفخر بكونه أحد النماذج التي رسمت خريطة مستقبل الطاقة والتكنولوجيا، ورفعت اسم مصر عالياً في محافل الابتكار العالمية. فلنحتفِ به، ولنستلهم من مسيرته نوراً يضيء درب الأجيال القادمة.

إن رحلة البروفيسور القاضي، من تفوقه في كلية العلوم بجامعة القاهرة وصولاً إلى دوره المحوري كباحث مساعد في قسم الكيمياء والبيوكيمياء بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA)، ومؤسس مشارك ومدير تقني رئيسي (CTO) في شركة نانوتك إنيرجي، هي قصة ملهمة تجسد العبقرية المصرية وقوة العقلية الدولية. في هذا التقرير المفصل، نسلط الضوء على دلالات هذا التكريم، ونستعرض أبرز إسهاماته التي شكلت طفرة في مجالات الطاقة، والإلكترونيات المتقدمة، والرعاية الصحية.

الأكاديمية الوطنية للمخترعين: قمة الهرم العلمي والابتكاري

يأتي انتخاب البروفيسور القاضي ضمن 169 عالماً ومخترعاً مؤثراً في الدفعة الجديدة من أعضاء الأكاديمية الوطنية للمخترعين، بالإضافة إلى 16 زميلاً دولياً. تأسست الأكاديمية في عام 2010، وتم إضافتها في عام 2012 كأكاديمية وطنية رابعة في الولايات المتحدة بجانب أكاديميات العلوم والهندسة والطب، لتمثل قمة الهرم العلمي والابتكاري في البلاد. مهمتها الأساسية تتركز في تحديد ورسم سياسات العلوم وتقديم المشورة المستقلة للحكومة الأمريكية، مما يمنح أعضاءها تأثيراً بالغاً في تحديد مسار التقدم التكنولوجي.

مواصفات نادي الكبار:

الإجمالي: يضم العدد الإجمالي لأعضاء الأكاديمية حالياً 2253 عضواً.

نوبل: يضم هذا النادي أكثر من 50 حائزاً على جائزة نوبل.

براءات الاختراع: يمتلك الأعضاء مجتمعين أكثر من 86  ألف براءة اختراع أمريكية، مما يبرهن على تأثيرهم المباشر على الصناعة والحياة.

التأثير الاقتصادي: تُرجمت ابتكارات أعضاء الأكاديمية إلى تأثير اقتصادي ضخم، حيث ساهمت في تحقيق أكثر من 3.8 تريليون دولار من الإيرادات وتوفير 1.4 مليون وظيفة.

هذا التكريم يُمنح فقط للعلماء والباحثين الذين يمتلكون اختراعات ذات تأثير اقتصادي ومجتمعي ملموس، مما يؤكد أن اختيار البروفيسور القاضي هو اعتراف دولي بحجم الأثر الذي تركته اختراعاته. ومن المقرر أن يتم الحفل الرسمي لتسلم الميدالية والشهادة في 4 يونيو 2026 في قاعة دولبي الشهيرة بمدينة لوس أنجلوس، وهي القاعة نفسها التي تستضيف حفلات توزيع جوائز الأوسكار سنوياً.

مسيرة القاضي: إنجازات كمية ونوعية

يُعد انضمام البروفيسور القاضي إنجازاً استثنائياً لجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA)، حيث أنه أصبح ضمن 31 عالماً فقط في تاريخ الجامعة الذين نالوا هذا الشرف على مدار 13 عاماً من تأسيس الأكاديمية. ومن بين زملائه في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، شخصيات أسطورية مثل البروفيسور ليونارد كلاينروك، الذي يُنسب إليه الفضل في تطوير النظرية الرياضية لشبكات البيانات وإجراء أول اتصال على شبكة الإنترنت على الإطلاق، مما يبرهن على أن اسم القاضي يسطع إلى جانب أساطير الابتكار التكنولوجي.

رصيد براءات الاختراع: من الخليج إلى المحيط الهادئ

يستند هذا التكريم في جوهره إلى الحجم الهائل والتنوع الجغرافي والنوعي لبراءات الاختراع التي يمتلكها البروفيسور ماهر القاضي.

254 براءة اختراع دولية: ثروة من الإبداع

وصل عدد براءات الاختراع الدولية التي يمتلكها البروفيسور القاضي إلى 254 براءة اختراع، موزعة على أهم المراكز الاقتصادية والتكنولوجية حول العالم، مما يعكس الأهمية التجارية والعلمية لاختراعاته:

المنطقة/البلد              عدد البراءات

الولايات المتحدة               52

الاتحاد الأوروبي               22

كندا                             22

اليابان                        22

كوريا الجنوبية              21

الصين                      19

أستراليا                    19

الهند                     18

تايوان                   12

بقية دول العالم         47

هذا التوزيع الواسع يضمن أن ابتكاراته تخضع لحماية قانونية واسعة وتؤثر في أسواق عالمية متعددة.

ثورة الابتكارات: حلول لمشكلات العصر

تركز اختراعات البروفيسور ماهر القاضي على حل مجموعة من المشاكل الرئيسية الملحة في عصرنا الحالي، وتمتد من تحديات الطاقة إلى الرعاية الصحية والدفاع.

أ. قطاع الطاقة وتخزينها

تُعد أزمة الطاقة وتغير المناخ من أكبر التحديات، وهنا تبرز أهمية اختراعاته في:

بطاريات سريعة وغير قابلة للاشتعال: تطوير أجيال جديدة من البطاريات التي تمتاز بقدرتها على الشحن السريع وتتميز بكونها غير قابلة للاشتعال. هذه التقنية حيوية للتطبيقات عالية المخاطر مثل مراكز البيانات (Data Centers) والتطبيقات العسكرية، مما يزيد من أمان وكفاءة تخزين الطاقة.

وقود الهيدروجين النظيف: ابتكار طرق رخيصة وفعالة لإنتاج وقود الهيدروجين، وتطوير خلايا وقود عالية الكفاءة. هذا الابتكار يقدم بديلاً نظيفاً ومستداماً للوقود الأحفوري، ويسهل استخدام السيارات الهيدروجينية.

ب. الإلكترونيات المتقدمة والدفاع

في مجال التكنولوجيا والدفاع، قدم البروفيسور القاضي إسهامات نوعية، منها:

• الحماية من الموجات الكهرومغناطيسية: تطوير مواد جديدة تحمي الأجهزة الحساسة من الموجات الكهرومغناطيسية الضارة.
• الدروع الإلكترونية: المساهمة في تطوير دروع إلكترونية تساعد الطائرات على التخفي عن الرادارات، المعروفة باسم “الطائرات الشبحية”، مما يعزز القدرات الدفاعية.
• الإلكترونيات المرنة: تطوير إلكترونيات مطبوعة ومواد لاصقة موصلة، مما يمهد الطريق لإنشاء أجهزة مرنة وخفيفة، مثل الملابس الذكية، أو التغليف الإلكتروني الحساس والمتفاعل.

ج. تطبيقات الرعاية الصحية والبيئة

تتضمن ابتكاراته حلولاً متقدمة في مجالات حيوية:

• أجهزة الاستشعار الحساسة: تطوير أجهزة استشعار متقدمة قادرة على الكشف عن المواد الخطرة بكفاءة عالية.
• الخلايا الشمسية: العمل على تحسين كفاءة الخلايا الشمسية.
• الروبوتات المجهرية:  روبوتات دقيقة جداً مصممة خصيصاً لتوصيل الدواء بدقة إلى المكان المطلوب داخل جسم الإنسان، مما يعد ثورة في مجال إيصال العلاجات الموجهة.

الأثر الاقتصادي: نانوتك إنيرجي

تأكيداً على التأثير الاقتصادي لاختراعاته، يعتبر البروفيسور القاضي مؤسساً مشاركاً ومديراً تقنياً رئيسياً (CTO) لشركة نانوتك إنيرجي (Nanotech Energy) . هذه الشركة تعمل على تحويل الاختراعات العلمية في مجال تقنية النانو إلى منتجات تجارية مبتكرة، وقد تجاوزت قيمتها السوقية المليار دولار أمريكي، مما يبرهن على نجاحه في ربط البحث العلمي بالصناعة والاقتصاد.

جوائز عالمية وتكريم مستمر

حاز البروفيسور القاضي على جوائز عالمية مرموقة تؤكد مكانته الدولية:

جائزة “C&EN Talented 12” (الموهوبون الـ 12) من الجمعية الكيميائية الأمريكية (ACS).

جائزة “Energy Storage Materials Young Scientist Award 2024” (جائزة عالم المواد الشاب في تخزين الطاقة 2024).

ذُكر ضمن قائمة «10 قادة مؤثرين في مجال e‑mobility لعام 2025» في مجلة CIO Look.

فخر العقلية الدولية

إن قصة البروفيسور ماهر القاضي هي خير مثال للنموذج الذي يجب أن يحتذى به الشباب العربي. إنه يمثل “العقلية الدولية” التي تجمع بين التفوق الأكاديمي والقدرة على تحويل الأفكار المبتكرة إلى منتجات ذات تأثير اقتصادي ومجتمعي ضخم. نجاحه لم يكن ليتحقق لولا سنوات من العلم، والاجتهاد، والمثابرة (المعافرة)، وهو تكريم مستحق له وللفرق البحثية التي عمل معها في جامعة كاليفورنيا وشركة نانوتك إنيرجي. كما أنه يوجه تحية خاصة وامتناناً لأساتذته في كلية العلوم بجامعة القاهرة، تأكيداً على قيمة الأصول الأكاديمية الراسخة.

في الختام، يُعد انتخاب البروفيسور ماهر القاضي عضواً في الأكاديمية الوطنية للمخترعين حدثاً فارقاً، لا يمثل مجرد تكريم شخصي، بل هو فخر لكل عربي وعلامة مضيئة تؤكد أن الكفاءات العربية قادرة على احتلال أعلى المراتب العلمية العالمية.

إن هذا الإنجاز هو رسالة قوية للجمهور العام: أن العلم والابتكار هما مفتاح حل مشكلاتنا، وأن الاستثمار في العقول هو الاستثمار الأكثر جدوى. ندعو الآباء والمربين إلى تعريف أبنائهم بهذه النماذج الملهمة، والتحدث عن سيرتهم، لخلق جيل يؤمن بقوة العلم والتأثير الإيجابي في مسيرة البشرية.