تُعدّ الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية، حجر الزاوية في بناء اقتصادات المستقبل المستدامة. فمع تزايد الوعي العالمي بضرورة مكافحة التغيرات المناخية، والتحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري، أصبحت الاستثمارات في هذا القطاع مؤشرًا حقيقيًا على التزام الدول بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. في هذا السياق، تأتي خطوة أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا المصرية بتوقيع مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة CETC48 الصينية، لتشكل نقطة تحول فارقة في مسار مصر نحو الاعتماد على الطاقة النظيفة، وتضعها في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال على المستوى الإقليمي والدولي. هذا التعاون ليس مجرد اتفاق تقني، بل هو استثمار في المستقبل، وبناء للقدرات الوطنية، وتوطين لأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الخلايا الشمسية.
نقل التكنولوجيا وتطوير القدرات
لا يقتصر التعاون بين أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر وشركة CETC48 الصينية، إحدى أبرز الشركات في مجال تصنيع الأجهزة الدقيقة لأشباه الموصلات والخلايا الشمسية، على مجرد تبادل الخبرات، بل يهدف إلى إحداث نقلة نوعية في المعمل المصري–الصيني للطاقة الجديدة والمتجددة. بموجب هذه المذكرة، سيتم تحديث وتطوير المعمل من خلال إضافة ثلاثة أجهزة متقدمة، مصممة خصيصًا لرفع كفاءة التحويل الكهروضوئي (Photovoltaic Conversion Efficiency) للخلايا الشمسية. هذه الأجهزة من شأنها أن تزيد من قدرة الخلايا على تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء بكفاءة أعلى، مما يعني إنتاج كميات أكبر من الطاقة بتكلفة أقل.
لكن الأهم في هذه الشراكة هو توطين تقنية TOPCon (Tunnel Oxide Passivated Contact) لأول مرة في مصر. تُعتبر تقنية TOPCon من أحدث وأكثر التقنيات تقدمًا في صناعة الخلايا الشمسية عالميًا، حيث تساعد على زيادة كفاءة الخلايا وتقليل الفاقد من الطاقة. وفقًا لتقرير صادر عن مجلة “PV Magazine” المتخصصة في مجال الطاقة الشمسية، تُعدّ تقنية TOPCon مستقبل الصناعة، وقد حققت أرقامًا قياسية في الكفاءة وصلت إلى 26% في الخلايا المختبرية، وهو ما يتجاوز كفاءة الخلايا التقليدية التي غالبًا ما تتراوح بين 18-22%.
هذا التطور سيحول المعمل المصري–الصيني إلى مركز إقليمي للبحث والتطوير (R&D) والتدريب، مما سيُتيح لمصر ليس فقط الاستفادة من هذه التقنيات، بل أيضًا تصدير خبراتها وخدماتها إلى الدول الأفريقية والعربية، مما يعزز مكانتها كمركز للابتكار في المنطقة.
رؤية استراتيجية لمستقبل مستدام
تُؤكّد الدكتورة جينا الفقي، رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، أن هذا التعاون يعكس التزام مصر بتحويل البحث العلمي من مجرد نشاط أكاديمي إلى قاطرة حقيقية للتنمية. فالأكاديمية، بوصفها الجهة المسؤولة عن دعم الابتكار والبحث العلمي، تضع نصب عينيها نقل وتوطين أحدث التكنولوجيات في المجالات ذات الأولوية القومية، ومنها الطاقة المتجددة التي تُعدّ حجر الزاوية في استراتيجية مصر 2030 للتحول نحو الاقتصاد الأخضر.
من جانبه، يُضيف الدكتور محمد الأمير فتحي، أمين عام الأكاديمية، أن هذه الخطوة تُثبت أن البحث العلمي في مصر لم يعد كيانًا منعزلًا، بل أصبح شريكًا فاعلًا في بناء المستقبل، يساهم بشكل مباشر في توطين التكنولوجيا الحديثة وبناء قدرات وطنية قادرة على المنافسة عالميًا. هذا التوجه يُرسّخ مبدأ الاعتماد على الذات وتوفير الحلول المحلية للتحديات العالمية.
الدكتور محمد بيومي، المشرف على المعمل المصري–الصيني، يوضح أن المعمل بعد تطويره سيصبح منصة وطنية متكاملة لتقديم حلول علمية وصناعية لقطاع الطاقة الشمسية، مما يعزز من التكامل بين البحث العلمي والصناعة. وهذا ما يؤكده الدكتور عارف عليوة، الذي يعتبر هذه الخطوة “استثمارًا استراتيجيًا يضع مصر في موقع الريادة الإقليمية لتكنولوجيا الطاقة النظيفة”، ويدعم خطط الدولة للوصول إلى نسبة 42% من مزيج الطاقة المتجددة بحلول عام 2035، وهو هدف طموح يتطلب جهودًا متضافرة في مجالات البحث والتطوير والتصنيع.
آفاق واعدة وشراكة عالمية
تُعَدّ هذه الشراكة بين أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا وشركة CETC48 الصينية نموذجًا حيًا للتعاون الدولي المثمر الذي يهدف إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. فمن خلال مبادرة الحزام والطريق، تسعى الصين إلى تعزيز التعاون مع الدول النامية في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا، مما يتكامل تمامًا مع استراتيجية مصر 2030 التي تُعطي أولوية لتوطين التكنولوجيا، ودعم التصنيع المحلي، والتحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة.
يُظهر هذا التعاون أيضًا التزام مصر الجاد بتبني التكنولوجيا المتقدمة في قطاع الطاقة، ليس فقط لتلبية احتياجاتها المحلية المتزايدة، بل لتكون أيضًا فاعلًا رئيسيًا على الساحة الإقليمية والدولية. مع توطين تقنية TOPCon، ستكون مصر قادرة على إنتاج خلايا شمسية ذات كفاءة أعلى وتكلفة أقل، مما سيُسهم في تسريع وتيرة التحول نحو الطاقة النظيفة، وخلق فرص عمل جديدة، ودعم النمو الاقتصادي الشامل. إن شمس المستقبل في مصر تبدو أكثر إشراقًا بفضل هذه الخطوة الاستراتيجية، التي تؤكد أن العلم والابتكار هما مفتاح التقدم والازدهار.
في سماء يوليو 2025، لفت جرم سماوي غامض الأنظار، مذنب ضخم أطلق عليه اسم "3…
تعتبر أعماق المحيطات آخر الحدود المجهولة على كوكب الأرض، فهي عوالم غامضة لم تكشف بعد…
لطالما كانت كسور العظام كابوساً يؤرق الملايين حول العالم، فالطرق التقليدية لعلاجها غالباً ما تقتضي…
هناك اعتقاد سائد منتشر بشكل كبير بأن الإنسان والشمبانزي يتشاركان في ما يقرب من 99%…
في خطوة غير مسبوقة على الصعيد الأوروبي والعالمي، أعلنت ألبانيا عن تعيين وزيرة افتراضية تعمل…
في خضم التحديات الصحية التي تواجه البشرية، يبرز العقم عند الرجال كأحد أبرز القضايا التي…