
في رحلة ممتدة على مدار ربع قرن، تحولت مدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية (SRTA-City) من مجرد فكرة إلى صرح علمي شامخ، ومنارة للعلم والابتكار في مصر والشرق الأوسط. لم تكن هذه المسيرة مجرد تراكم للأعوام، بل كانت حافلة بالإنجازات والنجاحات التي رسخت مكانة المدينة كقاطرة للتنمية المستدامة، ومركز حيوي لخدمة المجتمع وتحقيق رؤية الدولة في بناء اقتصاد قائم على المعرفة. إن الاحتفال باليوبيل الفضي لهذه المدينة العريقة هو احتفاء بمسيرة حافلة، وتكريم لجهود أجيال من العلماء والباحثين الذين قدموا عصارة فكرهم وعلمهم لخدمة الوطن، وهو في الوقت نفسه نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر إشراقاً، تتجدد فيه الطموحات وتتضاعف فيه الجهود لمواجهة التحديات المستقبلية.

محتويات المقال :
اليوبيل الفضي: احتفال بالإنجاز وتطلع للمستقبل
في يوم الأربعاء الموافق 13 أغسطس 2025، امتلأت القاعة الرئيسية بمدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية بضيوف من مختلف القطاعات للاحتفال بمرور 25 عاماً على افتتاحها، وهو ما يطلق عليه “اليوبيل الفضي”. وقد جرى هذا الاحتفال الكبير تحت رعاية كريمة من السيد الأستاذ الدكتور محمد أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والأستاذة الدكتورة منى محمود عبداللطيف، مديرة المدينة.
شهد الحفل حضوراً رفيع المستوى ضم نخبة من المسؤولين والشخصيات البارزة، من بينهم الأستاذ الدكتور حسام الدين صالح عثمان، نائب وزير التعليم العالي والبحث العلمي لشؤون الابتكار، والأستاذ الدكتور ولاء محمد شتا، الرئيس التنفيذي لهيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار. كما حضر الاحتفالية عدد كبير من رؤساء المراكز البحثية والجامعات، وممثلين عن القوات المسلحة، بالإضافة إلى المديرين السابقين للمدينة، وعمداء المعاهد البحثية، وعدد من رؤساء مجالس إدارات الشركات الصناعية. هذا الحضور المتنوع يؤكد على الدور المحوري الذي تلعبه المدينة في منظومة البحث العلمي والابتكار في مصر، وعلاقاتها القوية مع مختلف المؤسسات الأكاديمية والصناعية والجهات الحكومية.

أهداف واستراتيجيات: خارطة طريق لمستقبل الابتكار
في كلمتها خلال الاحتفال، أكدت الأستاذة الدكتورة منى محمود عبداللطيف، مديرة المدينة، أن الاحتفال بمرور 25 عاماً ليس مجرد وقفة مع الماضي واستذكار للإنجازات، بل هو “نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر إشراقاً”. وتناولت الدكتورة منى بالتفصيل استراتيجيات المدينة في المرحلة المقبلة، والتي تتوافق مع رؤية الدولة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وأوضحت أن المدينة تركز على تطوير حلول مبتكرة لمجموعة من التحديات الوطنية الملحة، مثل:
- التعليم: تطوير آليات بحثية مبتكرة لخدمة العملية التعليمية.
- الصحة: تقديم أبحاث تطبيقية لتحسين الرعاية الصحية في المجتمع.
- الطاقة: البحث عن مصادر طاقة جديدة ومتجددة وكفاءة استخدامها.
- المياه: إيجاد حلول مبتكرة لمشكلات ندرة المياه وترشيد استهلاكها.
- حماية البيئة: دراسة التحديات البيئية وتقديم حلول مستدامة.
- تكنولوجيا المعلومات: تطوير تطبيقات تكنولوجية لخدمة مختلف القطاعات.
- الزراعة والأمن الغذائي: زيادة الإنتاجية الزراعية وتأمين الغذاء للمواطنين.
أكدت مديرة المدينة على عدة محاور أساسية لعمل المدينة في المرحلة المقبلة، منها:
- تأهيل الكوادر المتخصصة: من خلال برامج التدريب وورش العمل، بهدف بناء جيل جديد من الباحثين القادرين على المساهمة الفعالة في التنمية المستدامة.
- تعزيز التعاون والشراكات: سواء على المستوى المحلي أو الدولي، لتبادل الخبرات والمعرفة، والارتقاء بالبحث العلمي.
- تقديم الاستشارات: للمؤسسات الحكومية والخاصة والقطاع الصناعي، للمساهمة في تحسين أدائها وزيادة فعاليتها.
- دعم الابتكار وريادة الأعمال: عن طريق توفير بيئة حاضنة للمشروعات الناشئة، وتقديم الدعم الفني والمالي للباحثين ورواد الأعمال، بما يخلق فرص عمل جديدة ويدفع عجلة النمو الاقتصادي.
- نشر الوعي العلمي: من خلال إطلاق المبادرات المجتمعية لتعزيز الوعي بالقضايا المجتمعية المختلفة، وتفعيل دور العلم في تحسين جودة الحياة اليومية.

البحث العلمي قاطرة التنمية: رؤية الوزارة
أكد الأستاذ الدكتور حسام الدين صالح عثمان، نائب وزير التعليم العالي والبحث العلمي لشؤون الابتكار، على الأهمية الكبيرة للدور الذي تلعبه مدينة الأبحاث العلمية في دعم الابتكار وخدمة المجتمع. مشدداً على أن “البحث العلمي هو قاطرة التنمية المستدامة”. وتؤكد هذه الكلمة على إيمان الدولة العميق بأن الاستثمار في البحث العلمي ليس مجرد إنفاق، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل الأجيال القادمة، وبوابة رئيسية لتحقيق النهضة الشاملة.
تكريم الأجيال: عرفاناً بالفضل ودفعاً للعطاء
تخللت الاحتفالية عدة فقرات مميزة، كان أبرزها عرض فيلم وثائقي استعرض مسيرة المدينة على مدار 25 عاماً، منذ لحظة التأسيس حتى الإنجازات الأخيرة. وشهد الحفل تكريماً خاصاً للمديرين السابقين للمدينة، تقديراً لجهودهم المخلصة ورؤيتهم الاستراتيجية التي ساهمت في بناء هذا الصرح العلمي ووضع بصمته على الخارطة الإقليمية والدولية للبحث العلمي. كما تم تكريم عدد من العاملين المتميزين بالمدينة، بالإضافة إلى أبناء المدينة الذين وصلوا إلى مواقع قيادية مرموقة على المستويين القومي والدولي.
واستمتع الحضور بعرض فني قدمه كورال قصور الثقافة، مما أضفى على الاحتفالية أجواء من البهجة والاحتفاء. كما تضمنت الاحتفالية جولة تفقدية لمعرض مصغر، استعرض فيه الباحثون أبرز مخرجاتهم البحثية وتطبيقاتها العملية التي تخدم المجتمع وتدعم أهداف التنمية المستدامة.
كما قام الحضور بجولة ميدانية لمركز الحوسبة السحابية بالمدينة، في إطار الجهود الرامية لدعم البنية التحتية الرقمية وتعزيز استخدام التكنولوجيا المتطورة في البحث العلمي، وهو ما يمثل خطوة هامة نحو مواكبة الثورة التكنولوجية العالمية.

تاريخ المدينة: من الحلم إلى الواقع
تعود نشأة المدينة إلى عام 1993، حين صدر قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 85 لسنة 1993 بإنشاء “الهيئة العامة لمدينة مبارك للأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية”. كان الهدف الأساسي من إنشائها هو تنمية وتطوير التكنولوجيا الحديثة، وتطبيق الأساليب العلمية المتطورة في كافة مجالات الإنتاج والخدمات، بالإضافة إلى تحديد مشاكل التنمية واقتراح الحلول المناسبة لها.
تقع المدينة على مساحة 225 فداناً في مدينة برج العرب الجديدة غرب الإسكندرية. ووفقاً لقرار الإنشاء، كان من المقرر أن تضم 12 معهداً بحثياً ومركزاً تكنولوجياً يتم بناؤها على مراحل. وتضم المدينة حالياً 5 معاهد بحثية ومركزين تكنولوجيين.
وفي عام 2011، صدر قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 85 لسنة 2011 بتاريخ 9 مايو 2011، الذي قضى باستبدال مسمى “الهيئة العامة لمدينة مبارك للأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية” بمسمى “الهيئة العامة لمدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية”، وهو الاسم الذي تعرف به المدينة حالياً.

مسيرة مستمرة نحو المستقبل
لقد شكل الاحتفال باليوبيل الفضي لمدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية محطة هامة للتأمل في إنجازات الماضي، واستعراض خطط المستقبل. فمنذ نشأتها عام 1993، لعبت المدينة دوراً حيوياً في دعم البحث العلمي التطبيقي، وتحويل الأفكار إلى حلول مبتكرة تخدم المجتمع. لقد أثبتت المدينة أنها ليست مجرد مؤسسة أكاديمية، بل هي شريك استراتيجي في عملية التنمية، ومنصة لتعزيز التعاون بين الأوساط البحثية والصناعية.
وفي ختام الحفل، أكدت الأستاذة الدكتورة منى محمود عبداللطيف على التزام المدينة بمواصلة مسيرتها نحو تحقيق المزيد من الإنجازات، مشيرة إلى أنها ستظل “مركزاً حيوياً لدعم الابتكار وريادة الأعمال”. وأوضحت أن المدينة ستعمل على تعزيز الشراكات بين الأوساط الأكاديمية والصناعية لترجمة الأفكار البحثية إلى منتجات وخدمات ذات قيمة مضافة. وهذا يؤكد أن الرؤية المستقبلية للمدينة تقوم على أساس تحويل المعرفة إلى قيمة اقتصادية واجتماعية ملموسة، مما يضمن استمرار دورها الرائد في بناء مستقبل أكثر ازدهاراً لمصر.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :