...
Ad

من روائع بيتهوفن إلى عبقرية أينشتاين، ومن لمسات بيكاسو الفنية إلى ابتكار التيراميسو اللذيذ، ارتبط الإبداع دائمًا بأفراد استثنائيين تركوا بصمة لا تمحى في تاريخ البشرية. ومع ذلك، فإن الإبداع لا يقتصر على أفراد محددين؛ إنه جانب أساسي من حياتنا اليومية. ففي كل مرة نتوصل فيها إلى حلول جديدة للمشاكل اليومية أو نجد طرقًا مبتكرة لاستخدام الأشياء العادية، فإننا نكون مبدعين. ولكن هل تساءلت يومًا من أين تأتي هذه القدرة المذهلة؟ وما هو أصل الإبداع في الدماغ؟

وقد بحثت الدراسة، التي قادتها إليونورا بارتولي، الأستاذة المساعدة في جراحة الأعصاب في كلية بايلور للطب، في الأعمال المعقدة للدماغ البشري لتحديد الشبكات والمناطق المشاركة في التفكير الإبداعي. حيث قام الباحثون بتجنيد 13 مشاركًا وطلبوا منهم الانخراط في مهمة تختبر قدرتهم على ربط الأفكار بشكل إبداعي، من خلال جعلهم يقومون بسرد استخدامات بديلة جديدة للأشياء اليومية الشائعة (ماذا يمكنك أن تفعل بكرسي إلى جانب الجلوس عليه؟). وهي عملية تُعرف بالتفكير التبايني (divergent thinking).

مفهوم الإبداع

على مدى قرون، كانت البشرية مفتونة بالمفهوم الغامض للإبداع. ما الذي يثير خيال الفنانين والكتاب والمبتكرين، مما يسمح لهم بطرح أفكار جديدة ومبتكرة؟ هل هي هبة إلهية أم نتاج صدفة أم مهارة معينة؟ في حين أننا غالبًا ما نربط الإبداع بأفراد استثنائيين، فالحقيقة هي أننا جميعًا نمتلكه إلى حد ما. نحن نُظهر الإبداع عندما نحل المشكلات، أو نقيم روابط بين مفاهيم تبدو غير ذات صلة، أو عندما نتوصل إلى حلول مبتكرة للتحديات اليومية.

على الرغم من انتشار نتائج الإبداع في كل مكان، فهو لا يزال الإبداع مفهومًا غامضًا . حيث نكافح من أجل تعريفه، أو قياسه، أو إيجاده في مكان محدد في الدماغ. على عكس الوظائف المعرفية الأخرى مثل الانتباه أو الذاكرة أو اللغة، لا يبدو أن للإبداع “قسمًا” مخصصًا في بنيتنا العصبية. يبدو الأمر كما لو أن الإبداع هو روح حرة، تتنقل بين المناطق المختلفة، تاركة وراءها سلسلة من الأفكار المبتكرة.

وقد أدى هذا إلى العديد من النظريات والمناقشات بين العلماء والفلاسفة والفنانين. حيث يجادل البعض بأن الإبداع هو نتاج قدرة دماغنا على توليد أنماط جديدة وروابط بين المعرفة الموجودة. ويقترح آخرون أنها خاصية ناشئة للأنظمة المعقدة، تنشأ من تفاعلات وديناميكيات مكونات متعددة.

تاريخ موجز لأبحاث الدماغ

في الماضي، كان يُنظر إلى الدماغ في كثير من الأحيان على أنه كتلة بسيطة وغير منظمة من الخلايا، خالية من أي بنية أو وظيفة محددة. ومع ذلك، مع ظهور علم الأعصاب الحديث، شهد فهمنا للدماغ تحولًا كبيرًا.

كان أحد المعالم الحاسمة في هذه الرحلة هو اكتشاف مناطق الدماغ والوظائف المقابلة لها. لقد حددت عقود من البحث المجالات المسؤولة عن المعالجة البصرية، والتحكم الحركي، والذاكرة المكانية، وغيرها الكثير. وقد ساعدنا تقسيم الدماغ إلى مناطق مختلفة على فهم أعماله المعقدة بشكل أفضل. وقد أدى مفهوم شبكات الدماغ، أو مجموعات المناطق المترابطة، إلى تعميق فهمنا لوظيفة الدماغ.

أصل الإبداع في الدماغ

العلم وراء التفكير الإبداعي وأصل الإبداع في الدماغ

تعرف على شبكة الوضع الافتراضي (the default mode network (DMN)) وشبكة التحكم الجبهية الجدارية (The fronto-parietal control network (FPN))، وهما شبكتان دماغيتان تلعبان أدوارًا رئيسية في التفكير الإبداعي. إن شبكة الوضع الافتراضي، التي تم اكتشافها قبل 20 عامًا فقط، هي عبارة عن مجموعة من المناطق في القشرة الدماغية التي تنشط معًا أثناء أحلام اليقظة، والشرود الذهني، والتفكير الذاتي والتأمل. وقد سميت بالافتراضي لأنها تبدو وكأنها الحالة التي عاد إليها الدماغ عندما لم يكن منخرطًا بنشاط في مهمة ما.

من ناحية أخرى، ترتبط (FPN) عادةً بحل المشكلات والانتباه. فعندما نواجه تحديًا إبداعيًا، تبدأ شبكة (FPN) في العمل، مما يساعدنا على تقييم أفكارنا وتصفيتها. وفي الدراسة الأخيرة، وجد الباحثون أنه عندما طُلب من المشاركين التفكير في استخدامات بديلة للأشياء اليومية، عملت الشبكتين معًا في وئام.

ولكن كيف تعمل هذه الشبكات معًا لإثارة الإبداع؟ اكتشف الباحثون أن شبكة (DMN) تولد أفكارًا جديدة، بينما تقوم شبكة (FPN) بتقييمها وتحسينها. إنها علاقة دقيقة بين الإبداع والنقد، حيث توفر شبكة (DMN) الشرارة الأولية وتقوم شبكة (FPN) بتشكيلها إلى شيء جديد ومفيد.

وقد خطا الباحثون خطوة أخرى إلى الأمام من خلال تعطيل نشاط شبكة الوضع الافتراضي (DMN) أثناء المهمة الإبداعية، ولاحظوا انخفاضًا كبيرًا في أصالة الأفكار المولدة. يشير هذا إلى أن هذه شبكة هي بالفعل لاعب أساسي في العملية الإبداعية، ولكنها ليست الوحيدة. تدعم نتائج الدراسة فكرة أن الإبداع هو عملية معقدة ومتعددة الشبكات تتطلب تعاون العديد من مناطق وشبكات الدماغ.

إطلاق العنان لقوة الدماغ

إن معرفة أصل الإبداع في الدماغ سيجعلنا قادرين على الاستفادة من القوة الجماعية لشبكات الدماغ، وتسخير نقاط القوة الفريدة لكل منطقة لمواجهة التحديات المعقدة وجلب الأفكار الرائدة إلى الحياة. ومن خلال فهم العلاقة المعقدة بين شبكة الوضع الافتراضي، وشبكة التحكم الجبهية الجدارية، والشبكات الأخرى، يمكننا تطوير استراتيجيات جديدة لتعزيز إمكاناتنا الإبداعية.

هذه المعرفة لديها القدرة على تحويل جوانب مختلفة من حياتنا، من التعليم إلى ريادة الأعمال، ومن الفن إلى العلم. على سبيل المثال، يمكن للمعلمين تصميم مناهج دراسية تعزز التعاون بين شبكات الدماغ المختلفة، وتشجع الطلاب على التفكير بشكل إبداعي وتطوير حلول مبتكرة. في عالم الأعمال، يمكن للشركات إنشاء بيئات تعزز التعاون بين الوظائف، مما يؤدي إلى ابتكارات مذهلة ومزايا تنافسية.

المصدر

Where Does Creativity Come From? Scientists Work Out A Piece Of The Puzzle | iflscience

Default mode network electrophysiological dynamics and causal role in creative thinking | Brain

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أحياء طب

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 293
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.