يخضع كوكبنا للعديد من الدورات، من دورة المياه إلى الدورة الشمسية، وتلعب كل منها دورًا حاسمًا في الحفاظ على التوازن الدقيق لنظامنا البيئي. إحدى الدورات التي غالبًا ما يتم تجاهلها، ولكنها ذات أهمية حيوية، هي دورة الملح (Salt Cycle). فالأملاح ضرورية للحياة وقد فقدت دورتها الطبيعية التوازن بسبب الأنشطة البشرية. ولكن ما هو تأثير البشر على دورة الملح؟ وقد قام سوجاي كوشال، أستاذ الجيولوجيا بجامعة ميريلاند، وزملاؤه بدراسة دورة الملح وتأثيرها على البيئة.
محتويات المقال :
دورة الملح الطبيعية
إن دورة الملح الطبيعية هي عملية معقدة ورائعة ظلت تعمل منذ ملايين السنين. إنها توازن دقيق يتضمن الحركة المستمرة للأملاح بين وشاح الأرض (Earth’s mantle) والمحيطات والغلاف الجوي والتربة والكائنات الحية. حيث تلعب الأملاح دورًا حاسمًا في الحفاظ على الحياة على كوكبنا.
تنشأ الأملاح من وشاح الأرض، حيث يعرض النشاط التكتوني الصهارة إلى المحيط أو الهواء، مما يؤدي إلى تكوين الصخور. وبمرور الوقت، تتآكل هذه الصخور بفعل الرياح والأمطار، مما يؤدي إلى إطلاق أيونات الملح في البيئة. يتم بعد ذلك غسل الأملاح الزائدة عن طريق الأنهار، أو تطايرها في الغلاف الجوي بواسطة الرياح أو رذاذ البحر، أو تتسرب إلى البحار من خلال التفاعلات الكيميائية.. في النموذج المثالي، تكون دورة الملح عبارة عن حلقة مغلقة، حيث يتم تدوير الأملاح باستمرار مرة أخرى إلى البيئة.
وبمجرد وصولها إلى البيئة، تمتص النباتات والكائنات الحية الدقيقة أيونات الملح، والتي تستخدمها لتسهيل العمليات البيولوجية المختلفة. على سبيل المثال، تعتمد النباتات على الأملاح لإنتاج الكلوروفيل، وهو الصبغة الخضراء الضرورية لعملية التمثيل الضوئي. وتحتاج الحيوانات، بما في ذلك البشر، أيضًا إلى الأملاح لأنها تنظم وظائف الجسم المختلفة، مثل النبضات العصبية وتقلصات العضلات.
ظهور دورة الملح بشرية المنشأ
إن دورة الملح الطبيعية، التي كانت ذات يوم ذات توازن دقيق، قد فقدت توازنها بسبب الأنشطة البشرية. لقد أصبحنا المحرك الأساسي لتدفقات الملح، مما يغير اتجاه وحجم أيونات الملح عبر أنظمة الأرض. والأرقام مذهلة، إذ يتم إنتاج ما يقرب من 300 مليون طن من كلوريد الصوديوم سنويًا، مع زيادات كبيرة في إنتاج الملح خلال القرن الماضي.
لكن المشكلة ليست في الكمية فحسب، بل الطريقة التي نستخدم بها الملح هي التي تسبب الاضطراب. حيث أصبح ملح إزالة الجليد من الطرقات، مساهمًا رئيسيًا في دورة الملح، حيث تمثل الولايات المتحدة وحدها 44٪ من استهلاك الملح بين عامي 2013 و 2017. أضف إلى ذلك المطر الحمضي الذي يسرع عملية إطلاق الملح من الصخور، ومياه الصرف الصحي المليئة بالملح الناتجة عن العمليات الزراعية والصناعية.
العواقب بعيدة المدى. وقد أدت دورة الملح البشرية المنشأ (anthropogenic salt cycle) إلى متلازمة تملح المياه العذبة (freshwater salinization syndrome)، حيث تتراكم الأملاح الزائدة في المجاري المائية والبحيرات والتربة، مما يؤثر على النظم البيئية وصحة الإنسان. إن التأثير كبير جدًا لدرجة أن الباحثين يشيرون الآن إلى هذه الظاهرة باعتبارها كيانًا متميزًا، منفصلاً عن دورة الملح الطبيعية.
عواقب الملح الزائد
إن الكوكب يشبه الكائن الحي. وعندما تتراكم كمية كبيرة من الملح، يمكن أن يؤثر ذلك على عمل الأعضاء الحيوية أو النظم البيئية. بالنسبة لنا، الكثير من الملح يعني مشاكل في الكلى وارتفاع ضغط الدم. ولكن بالنسبة للكوكب، فهذا يعني تراكمًا هائلاً للأملاح في الممرات المائية والبحيرات، وحتى الهواء والتربة.
على مدى نصف القرن الماضي، أظهرت الأبحاث أن ما يقرب من 2.5 مليار فدان من التربة في مختلف أنحاء العالم، وهي مساحة تعادل مساحة الولايات المتحدة القارية تقريبًا، أصبحت مالحة إلى درجة تثير القلق. ونحن لا نتحدث عن كلوريد الصوديوم فقط. يشير مصطلح “الملح” إلى مركب يتكون من أيونات موجبة وسالبة الشحنة، لذلك هناك أنواع عديدة من الأملاح، منها تلك التي تعتمد على الحجر الجيري، والجبس، وكبريتات الكالسيوم.
عندما يضيف البشر الملح إلى المجاري المائية، فإنه يطلق الكثير من المواد الكيميائية الجانبية الخطيرة، والتي يمكن أن تكون أكثر ضررًا في المجموع من المكونات الفردية. وهذا بالضبط ما حدث خلال أزمة المياه في فلينت بولاية ميشيغان. هذه “الكوكتيلات الكيميائية” ضارة للغاية بالنظم البيئية الطبيعية.
هل يمكننا إيجاد حل لتأثير البشر على دورة الملح؟
إحدى الخطوات الحاسمة هي إعادة التفكير في استخدامنا لملح إزالة الجليد من الطرقات. كما رأينا، يعد هذا الملح مساهمًا كبيرًا في دورة الملح بشرية المنشأ، وتأثيراته على الممرات المائية والنظم البيئية لدينا مثيرة للقلق. ومن خلال التحول إلى طرق بديلة لإزالة الجليد، يمكننا تقليل كمية الملح التي تدخل بيئتنا.
هناك مجال رئيسي آخر للتحسين وهو ممارساتنا الزراعية. ومن خلال اعتماد أساليب الزراعة العضوية واستخدام البدائل الطبيعية للأسمدة الاصطناعية، يمكننا تقليل كمية الملح التي تدخل نظامنا البيئي.
ولكن ماذا عن الملح الموجود بالفعل في بيئتنا؟ حيث تعد إزالته عملية معقدة وتستهلك الكثير من الطاقة، لكن الباحثين يستكشفون حلولًا مبتكرة، مثل استخدام الأغشية لتصفية الملح من الماء أو تطوير تقنيات جديدة لاستخراج الملح من مياه الصرف الصحي.
في نهاية المطاف، تتطلب إعادة ضبط دورة الملح جهدًا جماعيًا ورغبة في إجراء تغييرات على حياتنا اليومية. ومن خلال فهم أهمية دورة الملح وتأثير أنشطتنا البشرية، يمكننا العمل معًا لإيجاد حل لهذه القضية البيئية الملحة.
المصدر
What Is The Salt Cycle, And What’s Going Wrong With It? | iflscience
The anthropogenic salt cycle | nature
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :