منذ ما يقرب من 14 مليار سنة، بدأ الكون بتوسع مفاجئ وسريع، مدفوعًا بطاقة غامضة لا تزال لغزًا عميقًا حتى يومنا هذا. ووفقا لنظرية الانفجار العظيم، تشكل هذه الطاقة، المعروفة باسم الطاقة المظلمة (dark energy)، ما يقرب من 70% من الكون، ومع ذلك فقد ناضل العلماء لفهم طبيعتها. والآن، تلقي دراسة جديدة الضوء على هذا اللغز الكوني. حيث تشير الدراسة إلى وجود علاقة تربط الثقوب السوداء والطاقة المظلمة ببعض
يشير البحث، المدعوم ببيانات من جهاز التحليل الطيفي للطاقة المظلمة (DESI)، إلى سيناريو رائع، حيث يمكن إنتاج الطاقة المظلمة عندما تنهار النجوم الضخمة وتشكل ثقوبًا سوداء. ومع توسع الكون، قد تنمو هذه الثقوب السوداء، مما يؤدي إلى إطلاق الطاقة المظلمة في الكون. يمكن لهذه النظرية الرائدة أن تُحدث ثورة في فهمنا للكون وتطوره. ولكن ما هي الطاقة المظلمة بالضبط، وما علاقتها بالثقوب السوداء؟
محتويات المقال :
تضخم الكون والطاقة المظلمة
منذ ما يقرب من 14 مليار سنة، كان الكون عبارة عن مساحة شديدة الحرارة تتوسع بمعدل سريع. ويُعتقد أن هذه الفترة استمرت لجزء من الثانية، لكن كان لها تأثير عميق على الكون كما نعرفه اليوم. خلال هذا الوقت، كانت هناك طاقة غامضة، تشبه الطاقة المظلمة، قادت توسع الكون، وخلقت نسيج المكان والزمان.
ولطالما انبهر العلماء بهذا العصر، لأنه يحمل المفتاح لفهم تطور الكون وطبيعة الطاقة المظلمة. تشير نظرية التضخم الكوني إلى أن الكون شهد توسعًا سريعًا، حيث تم إنشاء المادة من هذه الطاقة القديمة. وكان من شأن هذه العملية أن تترك توقيعًا على الكون، وهو ما يمكن ملاحظته اليوم.
أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في هذه الفترة هو التشابه بين الطاقة القديمة والطاقة المظلمة. إن كلاهما يشتركان في خصائص رئيسية، مثل تحفيز توسع الكون وتشكيل جزء كبير من الكتلة والطاقة في الكون.
ارتباط الثقوب السوداء والطاقة المظلمة
وفقًا للعلماء الذين قاموا بهذه الدراسة الجديدة، فمن الممكن أنه خلال هذا انهيار النجوم، تتحول مادة النجم مرة أخرى إلى طاقة مظلمة، وهي ظاهرة تشبه بشكل مخيف الانفجار الكبير نفسه، ولكن في الاتجاه المعاكس.
قد تبدو هذه الفكرة كالخيال العلمي، لكنها متجذرة في المفهوم العلمي للاقتران الكوني، الذي يشير إلى إمكانية ربط الثقوب السوداء بنمو الكون. إذا كان هذا هو الحال، فإن نمو الثقوب السوداء مع مرور الوقت يمكن أن يكون مسؤولاً عن التوسع المتسارع للكون، وهي ظاهرة تعزى مباشرة إلى الطاقة المظلمة.
يقترح الباحثون الذين قاموا بهذه الدراسة أن توسع الكون أثناء الانفجار الكبير كان مدفوعًا بالطاقة القديمة التي تشترك في السمات الرئيسية مع الطاقة المظلمة. وبالتقدم سريعًا إلى يومنا هذا، فمن الممكن أن تتحول مادة النجوم الضخمة مرة أخرى إلى هذه الطاقة الغامضة عندما تنهار إلى ثقوب سوداء.
بيانات جديدة تكشف أسرار الطاقة المظلمة
قدمت أحدث البيانات الصادرة عن جهاز التحليل الطيفي للطاقة المظلمة (DESI) دليلاً مثيرًا على أن كثافة الطاقة المظلمة تزداد بمرور الوقت. ويدعم هذا الاكتشاف النظرية القائلة بأن الثقوب السوداء يمكن أن تكون مصدر للطاقة المظلمة. لكن كيف توصل الباحثون إلى هذا الاستنتاج؟
تم تركيب جهاز التحليل الطيفي للطاقة المظلمة على تلسكوب (Mayall) في مرصد (Kitt Peak) الوطني. حيث يرجع الجهاز مليارات السنين إلى الماضي لجمع بيانات حول توسع الكون. ومن خلال تحليل الضوء الصادر من عشرات الملايين من المجرات البعيدة، تمكن الفريق من تحديد مدى سرعة توسع الكون بدقة رائعة. وهذا بدوره سمح لهم باستنتاج كيفية تغير كمية الطاقة المظلمة مع مرور الوقت.
وتشير البيانات إلى أن كمية الطاقة المظلمة زادت بالطريقة الصحيحة، بما يتوافق مع تكوين ثقوب سوداء جديدة بعد موت النجوم الضخمة. وهذا الارتباط قوي جدًا بحيث لا يمكن اعتباره محض صدفة، كما أنه يوفر دليلًا مقنعًا على أن الثقوب السوداء مرتبطة بالفعل بالطاقة المظلمة.
ويعتقد الباحثون أنه مع تشكل ثقوب سوداء جديدة، يمكن أن “تقترن” بالكون المتوسع، مما يؤدي إلى تسارع نموه. وتدعم هذه الفكرة حقيقة أن نمو الثقوب السوداء وتوسع الكون يبدو أنهما يحدثان جنبًا إلى جنب.
عصر جديد من الاكتشاف
تمثل النتائج الرائدة لهذه الدراسة نقطة تحول مهمة في سعينا لكشف سر الطاقة المظلمة. ومع استمرار الباحثين في الكشف عن أسرار هذه القوة الغامضة، يمكننا أن نتوقع ظهور حقبة جديدة من الاكتشافات. بفضل البيانات الدقيقة التي جمعها جهاز التحليل الطيفي للطاقة المظلمة ومجموعة الأبحاث المتزايدة حول الاقتران الكوني في الثقوب السوداء، يستعد المجتمع العلمي لتحقيق اكتشافات غير مسبوقة.
المصادر
Study links black holes to dark energy | phys.org
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :