علم نفس

دراسة الوحش، تجربة التلعثم التي استغلت الأيتام كفئران للتجارب!

يقال ان الطريق لجهنم مرصوف بالنوايا الحسنة. وهذا يبدو بوضوح في تجربة وندل جونسون التي بدأت بنوايا سليمة لإثبات منشأ التلعثم عند الطفل. وانتهت بنتائج شنيعة كان ضحيتها 22 طفل يتيم. كنيت التجربة باسم “دراسة الوحش” لتدل على وحشية هذه التجربة.

أطفال الميتم الذين أجريت عليهم التجربة، حقوق الصورة: factrepublic

دراسة الوحش: تجربة بنوايا سليمة

عام 1939 شرع وندل جونسون وطالبته ماري تيودور، في مركز أبحاث التلعثم في جامعة آيوا بإجراء دراسة على مجموعة من الأطفال في ميتم. هدفها الأساسي كان إثبات أن منشأ التلعثم من الوصم وليس بالضرورة بيولوجيًا. أي التلعثم قد يكون ناجمًا عن وصم الطفل بأنه متلعثم، وإظهار أثر التحفيز السلبي والإيجابي على نطق الطفل.
جونسون نفسه كان طفلًا متلعثمًا، وعانى خلال طفولته وشبابه من ذلك، الأمر الذي شجعه ليصبح أخصائي أمراض نطق. إذ أنه أراد أن يعرف أكثر عن أسباب التي تسبب التلعثم للأطفال. [1]


الأطروحة التي مهدت للتجربة

جادل جونسون أن التلعثم ليس ذو منشأ بيولوجي بالضرورة؛ أي أن الطفل ممكن ألا يكون متلعثماً ويكتسب ذلك بسبب التنشئة. والتلعثم قد يكون سلوكًا مكتسبًا.
أراد جونسون معارضة الأراء السائدة حول منشأ التلعثم، فكانت فكرة المنشأ البيولوجي من المسلمات في وقته ذاك، وأراد أن يبرهن على صحة أفكاره بالتجربة العملية لإثبات أن الشخص لا يولد متلعثمًا بالضرورة. [2]

تجربة تيودور وجونسون

بدأت التجربة باختيار 22 طفل من الميتم كعينة. وإجراء الاختبارات التي تقيم معدل ذكاء كل طفل، ومهارات التحدث، وهيمنة اليد اليسرى أو اليمنى. أظهر 10% من الأطفال علامات التلعثم وإعاقة الكلام. ثم تم اختيار 12 طفل من بين الأطفال الطليقين في الكلام بشكل عشوائي من العينة، وحددت مهارات الكلام لديهم على مقياس من 1 إلى 5.
قُسم الأطفال بعدها إلى مجموعة ضابطة وجموعة تجريبية. تلقى نصف هؤلاء الأطفال علاجًا للنطق، تمثل ذلك في:
-لتعزيزات الإيجابية للطفل و
-الثناء عليه عند الكلام وغرس الثقة عنده
-استخدام عبارات مثل: “لا تهتم بما يقوله الآخرون، نطقك سيتحسن مع التدريب”.
بينما تعرضت المجموعة الثانية للتالي:
-التعنيف اللفظي والجسدي أحيانًا
-استخدام العبارات السلبية وتعنيف الطفل عند ارتكابه لأبسط خطأ
-إخبارهم بشكل متكرر بأنهم متلعثمين ولن يتحسنوا في حديثهم مطلقًا. [3]


نتائج التجربة

استمرت التجربة لمدة 5 أشهر ولوحظ أن الأطفال في مجموعة العلاج السلبي بدأوا يعانون من مشاكل كبيرة في النطق والثقة بالنفس، فمن بين الأطفال الستة الطبيعيين، بدأ خمسة منهم بالتلعثم بعد العلاج السلبي. ومن بين خمسة من الأطفال المتلعثمين أساسًا تفاقمت حالة ثلاثة. فيما كان واحد من الأطفال في المجموعة المصنفة “طبيعي” يعاني من مشاكل أكبر في الكلام بعد التجربة. [2]

Related Post

إخفاء النتائج عن الناس

أدرك الباحثون قوة تجربتهم وخطر آثارها، وحاولوا التراجع عن الضرر الذي تسببوا به للأطفال ولكن دون جدوى، كانت آثار وصف الأطفال المتلعثمين دائمة وكان على هؤلاء الأطفال التعايش مع هذه المشكلة طوال حياتهم .
بعد أن انتهاء التجربة لم ينشر جونسون هذه الأبحاث عكس ما فعله مع معظم أبحاثه، حيث كانت التجارب النازية على البشر في أوجها حينها وخشي جونسون من ربط تجاربه بهذه التجارب فتلحق ضررًا بسمعته. وتم إخفاء التجربة والنتائج عن الناس إلى عام 2001 حيث تم نشرها في سلسلة من المقالات في سان خوسيه نيوز. كانت هذه الأطروحة متوفرة في مكتبة الجامعة لكنها كانت مجهولة ومنسية إلى نشرها بعد عقود من إجراءها.

النقد ولا أخلاقية التجربة

الجوانب التي ظهرت فيها لا أخلاقية التجربة عديدة، فوجود نوايا جيدة عند البدء في التجربة لن يخفف من وقع الآثار السلبية للتجربة. كما وأن وندل الذي كان نفسه طفلًا متلعثمًا، كان يجري التجارب على نفسه وعلى زملاءه خلال دراستهم للتلعثم، وهذا أيضًا لن يتشفع له في جرمه بتجربته.
من جهة إجراء التجارب على الأطفال غير أخلاقي، وفكرة اختيار الطفل اليتيم الذي لا يرعاه أحد، ولن يهتم أحد إن أجرى تجربته عليه فكرة مؤلمة إنسانيًا. الجانب الآخر في لا أخلاقية التجربة كان في الإخفاء والكذب؛ القائمين بلغوا السلطات بأنهم كانوا “يعطون الأطفال بعض النصائح”. والأطفال لم يكن لديهم أي علم بكونهم جزء من تجربة حتى.
تجنبوا نشر النتائج خوفًا على سمعتهم، وكانوا على علم بأن ما يفعلونه غير أخلاقي ولكنهم استمروا في فعله وبرروه بالنوايا الحسنة. [4]

المصادر:

1- gvsu
2- uh.edu
3-pubsasha
4- nytimes

Author: Farah Al Hussain

just a curious syrian sociologist

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 5]
Farah Al Hussain

just a curious syrian sociologist

View Comments

Share
Published by
Farah Al Hussain

Recent Posts

لغز “أطلانطس اليابان”: هل “هرم يوناجوني” الغارق يعيد كتابة تاريخ الحضارات الإنسانية؟

هرم يوناجوني": الحقيقة الكاملة للغز الياباني الذي يتحدى الأهرامات منذ اكتشافه صدفة عام 1986، تحوّل…

أسبوع واحد ago

جيمس واتسون.. رحيل العبقري الجدلي الذي غيّر وجه البيولوجيا للأبد

وداعاً "أيقونة الحمض النووي": جيمس واتسون ببالغ الحزن والتقدير، أعلن العالم عن رحيل أحد أبرز…

أسبوع واحد ago

“عاشق العلم بروح التصوف”.. رحيل الدكتور أحمد شوقي وإرث “كراسات علمية” الخالد

ببالغ الحزن والأسى، ودعت الأوساط الأكاديمية والعلمية في مصر والعالم العربي قامة من قامات الوراثة…

أسبوع واحد ago

نظرية “إعادة التدوير الحيوي” تكتسح “داروين” وتُعيد تعريف الحياة

الحياة منظومة تتجدد ذاتياً لا آلة عشوائية! في إنجاز تاريخي هزّ أركان علم الأحياء التطوري،…

أسبوعين ago

مملكة أورارتو القديمة: موقعها، تاريخها وأهم آثارها

تعد مملكة أورارتو واحدة من أبرز الحضارات الحديدية في الشرق القديم، إذ نشأت في القرن…

أسبوعين ago

المتحف المصري الكبير رمز لاستمرارية البصمة الجينومية للحضارة المصرية

لطالما مثلت مصر، بموقعها الاستراتيجي عند ملتقى قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا، نقطة محورية للتفاعل البشري…

أسبوعين ago