هذا المقال خالي من حرق أي أحداث في القصة، فلا تقلق من قراءته إن لم تشاهد الأنمي بعد. إن هجوم العمالقة هو مسلسل أنمي خيالي سوداوي ياباني، يستكشف مجموعة متنوعة من الأحداث والأفكار الفلسفية المتضمنة. وقد حاز على تقييم 9 من 10 على موقع imdb حتى لحظة نشر هذا المقال وهو ما يجعله ضمن أعلى 10 مسلسلات في تاريخ الموقع.
نشرت حلقته الأخيرة في 4 نوفمبر 2023، أي بعد حوالي 10 سنوات من أولى حلقاته. ونستعرض في هذه المقالة خمسة أفكار فلسفية رئيسية استعرضها هجوم العمالقة، فما هي؟
محتويات المقال :
1. طبيعة الحرية
تصارعت الشخصيات في أنمي هجوم العمالقة “Attack on Titan” باستمرار مع مسألة ما إذا كانوا أحرارًا حقًا. رغم أنهم محاصرون داخل جدران تحميهم من العمالقة، لكن هذه الجدران تحِد أيضًا من حريتهم. وعندما عرفوا المزيد عن العالم خارج الجدران، بدأوا في التساؤل عما إذا كانوا أفضل حالًا حقًا في الداخل. ذلك التناقض عبّر عنه الفيلسوف الفرنسي الشهير جان جاك روسو في مقولته:
يسلط هذا الاقتباس لجان جاك روسو الضوء على التناقض المتأصل بين الطبيعة البشرية وقيود المجتمع. تمامًا كما تكون الشخصيات في هجوم العمالقة محصورة جسديًا داخل الجدران، فهي أيضًا مقيدة نفسيًا بمخاوفهم وأحكامهم المسبقة.
تبدو تلك الرغبة والتساؤلات مشابهة لما يدور ببال الكثيرين منا، ممن يظنون أن الانعزال حلًا يضمن حريتهم. فيختارون ترك محيطهم ويبنون الأسوار حول أفكارهم ومعتقداتهم ظنًا منهم أنها تحمي حريتهم، لكنها في حقيقة الأمر تحبسهم داخلها. لكن ما يفاجئنا به الأنمي أن أبطاله لم يجدوا الحرية بمفهومها المطلق لا خارج الأسوار ولا داخلها لتبدو نسبية المفهوم أكثر واقعية. وكأن الحرية مثلها مثل السعادة، شعور مؤقت لن يلبث أن يزول مع أول تهديد.
2. دورة العنف
عالم هجوم العمالقة “attack on titans” مليء بالعنف، وتسقط الشخصيات باستمرار في دائرة من الانتقام لا تنتهي. هم يرون العنف شرًا ضروريًا لحماية أنفسهم من العمالقة، ولكنه يؤدي أيضًا إلى المزيد من العنف. إنهم يكافحون من أجل كسر هذه الحلقة وإيجاد طريقة للعيش في سلام. حتى تصل أفكار العنف إلى قمتها في الموسم الأخير وتتصاعد إلى منتهاها بكم هائل من الضحايا فيفقد السعي إلى السلام معناه.
يشير هذا الاقتباس لفريدريك نيتشه إلى أن إيجاد الهدف في الحياة يمكن أن يوفر القوة لتحمل حتى أصعب الظروف. الشخصيات في هجوم العمالقة، مدفوعين برغبتهم في حماية أحبائهم والتحرر من الاضطهاد، يجدون العزاء في النضال من أجل البقاء. وقد تحملوا في سبيل ذلك الدخول في دائرة العنف رغم مشاركة بعضهم في بدئها من جديد بمجرد كسرها. من الهجوم الأول وحتى الحلقة الأخيرة، تتكر دوامات العنف، فيمارس العنف من يُمارس عليه العنف ويقحم آخرين في دائرة جديدة من الانتقام وهكذا.
لكن العنف المؤدي للسلام بالكاد يسمى سلامًا حتى، وهذه الدائرة نراها يوميًا في صراعات الشعوب والحضارات وعلى شاشات الأخبار. تحارب القبائل الأفريقية بعضها البعض سعيًا إلى سلام لن يتحقق إلا بإبادة إحداها للأخرى، فهل هذا سلام حقًا؟ سعى المستعمرون الأوروبيون إلى إبادة السكان الأصليين في أمريكا الشمالية من أجل السلام، فهل ما حققوه هو السلام بالفعل؟ ألم يختر من أبادوا السكان الأصليين، إبادة قريتي هيروشيما ونجازاكي في سياق آخر وبعد قرون من الحالة الأولى؟ هل ينسى القاتل جريمته؟ وهل سينساها العالم؟ وكيف سيتعايش معها؟ أسئلة صعبة يعجز عقل من يدخل دائرة العنف في إيجاد إجابة لها، لكن ربما وجدها إيرين ييغر في نهاية القصة.
3. طبيعة الحقيقة
الشخصيات في هجوم العمالقة يتم الكذب عليهم والتلاعب بهم باستمرار. إنهم غير متأكدين أبدًا مما هو صحيح وما هو خطأ، وهذا يصّعب عليهم اتخاذ قرارات مستنيرة. فيتعلمون بمرور الحلقات أن الحقيقة نسبية وأن لكل شخص وجهة نظره الخاصة. قد تبدو مواقف كل شخص أخلاقية وسليمة تمامًا، وقد تبدو غير أخلاقية وكارثية للطرف الآخر.
تشير هذه العبارة الشهيرة لرينيه ديكارت إلى مركزية الوعي في فهمنا للواقع. وكما تشكك الشخصيات في هجوم العمالقة في تصوراتهم للعالم، فقد تحدى ديكارت فكرة الحقيقة الموضوعية، مشيرًا إلى أن أفكارنا وتجاربنا هي أساس معرفتنا.
تسير كمشاهد مع شخصيات القصة وفي كل جزء تكتشف عالم أوسع ويزيد وعيك مع كل حلقة وشعورك بمدى تعقد الحقيقة. هذا تحديدًا ما قصده ديكارت بمركزية العقل، فما تراه وتسمعه تعتقد أنه الحقيقة، ولن تعرف الحقيقة إلا بمعرفة المزيد والمزيد. وستظل الحقيقة نسبية وغير مكتملة طالما لم تعرف كل جوانب القصة. وقد ظلت حقيقة أغلب أبطال القصة تقريبًا غير واضحة حتى الحلقة الأخيرة.
4. أهمية التعاطف
غالبًا ما كانت الشخصيات في هجوم العمالقة مدفوعة بالكراهية والانحياز. إنهم يرون العمالقة على أنهم وحوش، والناس خارج الجدران كأعداء، ويرون أنفسهم كمظلومين. ومع ذلك، فقد تعلموا أيضًا أن العمالقة ليسوا جميعًا أشرار، وأن الأشخاص خارج الجدران مثلهم تمامًا. ذلك التدرج جعلهم يبدأون في فهم أهمية التعاطف مع الآخر. أن تضع نفسك مكان خصمك وتعرف كيف يفكر وكيف يشعر هو أمر لا غنى عنه للبشرية.
يؤكد هذا الاقتباس لهاربر لي عن روايتها “أن تقتل عصفورا محاكيًا” على أهمية التعاطف في تعزيز الروابط الهادفة. في هجوم العمالقة، تتعلم الشخصيات تدريجيًا كيفية التغلب على انحيازاتها والتعرف على إنسانية الآخرين. حتى أولئك الذين اعتبرونهم أعداء في البداية، تدور الأحداث ويكتشفون كيفية فهمهم والتعاطف معهم.
لا تخلو القصة من تناقضات التعاطف أيضًا، فقد تعاطف الضحايا مع جلاديهم أحيانًا فيما يعرف باسم متلازمة ستوكهولم. كان هذا التناقض أحد محاور القلق والخلط للمشاهد في بعض الأحيان، لكن لم يعيق ذلك الشخصيات فيما بعد عن إدراك حقيقتهم.
5. البحث عن معنى الحياة
غالبًا ما تواجه الشخصيات في هجوم العمالقة الموت واليأس. إنهم يتساءلون عن معنى الحياة في عالم قاسٍ للغاية ولا يرحم. ومع ذلك، فإنهم يجدون أيضًا القوة في علاقاتهم مع بعضهم البعض وفي كفاحهم من أجل البقاء. يتعلمون أن الحياة ثمينة وأنها تستحق القتال من أجلها.
نجا فيكتور فرانكل، من أهوال معسكرات الاعتقال، فسلط الضوء في هذا الاقتباس على الدافع البشري لإيجاد المعنى في الوجود. الشخصيات في هجوم العمالقة، على الرغم من مواجهة اليأس والخسارة، تكتشف الهدف في كفاحها باستمرار، وتجد القوة في روابطها مع الآخرين وتصميمها على خلق مستقبل أفضل. حتى من خلال التدمير، سواء مارسوه هم أو مورس عليهم، في كل الأحوال يبحثون عن المعنى كآلية دفاعية تضمن سلامتهم النفسية وبقاءهم.
إليكم ملخص كتاب بحث الإنسان عن معنى (الجزء الأول)
ما ستشاهده في هجوم العمالقة سيدفعك للتفكير كثيرًا في كيف بدأت كل شخصية في ذلك المسار المظلم الذي سلكته. ستتعجب في النهاية وستتساءل عمن كانوا الأخيار في البداية ومن كانوا الأشرار. وستجد أن الجميع امتلك المعنى ولكن ذلك المعنى ظل يتغير بتغير الأحداث والمواقف ودفعه لمسارات متشابكة مع الآخرين.
تلك كانت مجرد أمثلة من بعض الأفكار الفلسفية المقدمة في هجوم العمالقة. إن المسلسل عمل معقد ومثير للتفكير وسيبقى معك لفترة طويلة بعد الانتهاء من مشاهدته.
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :