حصاد العقول والعدسات: “نيتشر” تكشف عن الشخصيات والصور التي صاغت وجه العلم في 2025

من أعماق المحيط إلى حدود الكون: هؤلاء هم أبطال العلم لعام 2025

لم يكن عام 2025 مجرد ورقة أخرى تسقط من تقويم الزمن، بل كان فصلاً ملحمياً في رواية العلم البشري. في هذا العام، وقف العالم على أطراف أصابعه مراقباً البشرية وهي تعود بجدية نحو القمر، وتغوص إلى أعمق نقاط المحيطات التي لم تطأها قدم، وتخوض معارك شرسة في أروقة المختبرات والمحاكم لحماية النزاهة العلمية وصحة الكوكب.

وكعادتها السنوية، أطلقت دورية “نيتشر” (Nature) المرموقة تقريرها السنوي الذي ينتظره المجتمع العلمي، مسلطة الضوء على عشر شخصيات (Nature’s 10) كان لها التأثير الأكبر في تشكيل مسار العلم هذا العام، بالإضافة إلى أفضل الصور العلمية (Science Images) التي وثقت لحظات لا تتكرر، من تفاصيل الخلايا الدقيقة إلى عظمة الانفجارات الكونية.

عام 2025 في ميزان “نيتشر” هو عام التناقضات المدهشة والإرادة البشرية الصلبة. من جهة، نرى تكنولوجيا فائقة تصعد بنا للقمر وتغوص بنا في المحيطات، ونماذج ذكاء اصطناعي تعيد تشكيل طرق البحث. ومن جهة أخرى، نرى صراعاً بشرياً أصيلاً للحفاظ على القيم العلمية، سواء عبر محاربة الأبحاث المزيفة أو التفاوض السياسي من أجل عدالة صحية عالمية. القائمة ضمت 10 أسماء، لكنها مثلت آلاف الباحثين الذين يعملون في الظل. الصور المرفقة بالتقرير لم تكن مجرد فن، بل بيانات علمية بصرية وثقت لحظات كونية ومجهرية فارقة.

هذا التقرير يغوص بكم في تفاصيل هذه الإنجازات، بلغة تجمع بين دقة الأكاديمي وسلاسة الصحفي، لنفهم كيف يغير هؤلاء الرواد حياتنا ومستقبلنا.

العشـرة الكبـار.. صُنّاع التغيير في 2025

تجاوزت اختيارات “نيتشر” لهذا العام الحدود التقليدية، لتشمل محاربين من أجل الصحة العامة، ومدافعين عن الحقيقة، ورواد فضاء. إليكم القائمة التفصيلية للشخصيات التي شكلت عام 2025:

1. ريد وايزمان (Reid Wiseman): قائد العودة إلى القمر

• الدور: قائد مهمة “أرتميس 2” (Artemis II) التابعة لوكالة ناسا.
• الإنجاز: في عام 2025، اتجهت الأنظار نحو السماء حيث قاد “وايزمان” الطاقم الذي مهد الطريق لعودة البشرية للهبوط على سطح القمر. لم تكن مهمته مجرد رحلة فضائية، بل اختباراً حاسماً لقدرة البشر على العيش والعمل في الفضاء السحيق مرة أخرى بعد عقود من توقف برنامج “أبولو”. يمثل “وايزمان” الوجه الجديد للاستكشاف البشري الجريء.

2. سوزان موناريز (Susan Monarez): حارسة الصحة العامة

• الدور: عالمة أحياء دقيقة ومناعة (الولايات المتحدة).
• الإنجاز: في وقت واجهت فيه المؤسسات الصحية تحديات سياسية وإدارية هائلة، برزت “موناريز” كصوت للعلم والمبدأ. وقفت بصلابة أمام ضغوط تهدف لتمرير سياسات لقاحات غير مدعومة علمياً أو إقالة كفاءات علمية لأسباب سياسية. أصبحت رمزاً لنزاهة المؤسسات العلمية (Scientific Integrity) في وجه العواصف السياسية، مؤكدة أن القرارات الصحية يجب أن تُبنى على الأدلة لا الأهواء.

3. توني تايسون (Tony Tyson): عين البشرية الجديدة على الكون

• الدور: رائد التلسكوبات وفيزيائي فلكي.
• الإنجاز: ارتبط اسم “تايسون” هذا العام ببدء عمل “مرصد فيرا روبين” (Vera C. Rubin Observatory) في تشيلي. هذا المشروع العملاق، الذي ناضل تايسون لعقود من أجله، بدأ بمسح السماء بشكل غير مسبوق، واعداً بكشف أسرار المادة المظلمة (Dark Matter) والطاقة المظلمة. يُعتبر تايسون “مهندس الرؤية الجديدة” للكون، حيث سيوفر المرصد “فيلماً” متواصلاً للكون المتغير.

4. سارة تبريزي (Sarah Tabrizi): قاهرة “هنتنغتون”

• الدور: طبيبة أعصاب وباحثة في كلية لندن الجامعية.
• الإنجاز: بعد سنوات من البحث المضني، قادت “تبريزي” فريقاً حقق اختراقاً طبياً في علاج مرض “هنتنغتون” (Huntington’s disease)، وهو مرض وراثي قاتل يدمر الخلايا العصبية. العلاج الجديد الذي ساهمت في تطويره أظهر قدرة على إبطاء تطور المرض، مانحاً الأمل لآلاف العائلات التي كانت تواجه حكماً طبياً لا مفر منه.

5. مينغران دو (Mengran Du): مكتشفة الأعماق

• الدور: عالمة جيولوجيا في الأكاديمية الصينية للعلوم.
• الإنجاز: بينما كان العالم ينظر للقمر، كانت “دو” تغوص في الاتجاه المعاكس. قادت فريقاً في غواصة مأهولة وصلت لعمق 9000 متر تحت سطح المحيط، حيث اكتشفت نظماً بيئية جديدة تماماً وكائنات غريبة لم ترها عين بشرية من قبل. عملها يعيد تعريف فهمنا للحياة في الظروف القاسية (Extremophiles) وجيولوجيا قاع المحيطات.

6. بريشوس ماتسوسو (Precious Matsoso): دبلوماسية الأوبئة

• الدور: مسؤولة صحة عامة ومفاوضة دولية (جنوب أفريقيا).
• الإنجاز: نجحت “ماتسوسو” في المهمة شبه المستحيلة: التوسط لإبرام أول معاهدة عالمية للاستعداد للأوبئة (Pandemic Treaty). بعد سنوات من المفاوضات الشاقة وتضارب المصالح بين الدول الغنية والفقيرة، قادت ماتسوسو الجهود لضمان أن يكون العالم مستعداً، وبشكل عادل، لأي تهديد فيروسي قادم، مع التركيز على عدالة توزيع اللقاحات والعلاجات.

7. أتشال أغراوال (Achal Agrawal): محقق النزاهة العلمية

• الدور: عالم بيانات ومحقق في الاحتيال العلمي (الهند).
• الإنجاز: كرس “أغراوال” وقته لكشف الأبحاث المزيفة وسحب الأوراق العلمية غير الدقيقة (Retractions) التي تلوث السجل العلمي. باستخدام أدوات تحليل البيانات، كشف عن شبكات من “مكاتب بيع الأبحاث” (Paper Mills)، مما ساعد في تنظيف العلم من الدراسات التي قد تضلل الباحثين والأطباء.

8. لوتشيانو موريرا (Luciano Moreira): مروض البعوض

• الدور: باحث في “فيوكروز” (Fiocruz)، البرازيل.
• الإنجاز: في مواجهة حمى الضنك (Dengue) التي تفتك بالملايين، قاد “موريرا” توسعاً هائلاً في استخدام بكتيريا “ولباخيا” (Wolbachia). عند حقن البعوض بهذه البكتيريا، تصبح غير قادرة على نقل الفيروسات. مشروعه ساهم في حماية مدن بأكملها في البرازيل وأمريكا اللاتينية، مقدماً حلاً بيولوجياً مستداماً بدلاً من المبيدات الكيميائية.

9. ليانغ وينفنغ (Liang Wenfeng): مُزلزل عالم الذكاء الاصطناعي

• الدور: رائد أعمال في مجال التكنولوجيا (الصين).
• الإنجاز: أحدث “ليانغ” وفريقه ضجة عالمية بإطلاق نماذج ذكاء اصطناعي (AI) قوية ومفتوحة المصدر (أو مفتوحة الأوزان – Open Weights)، مما كسر احتكار الشركات الغربية الكبرى. أتاحت تقنياته للعلماء حول العالم أدوات قوية بتكلفة منخفضة، مما سرّع من وتيرة البحث العلمي المعتمد على الذكاء الاصطناعي.

10. يفعات ميربل (Yifat Merbl): كاشفة أسرار الخلايا

• الدور: عالمة أحياء أنظمة (Systems Biologist).
• الإنجاز: اكتشفت “ميربل” وجهاً جديداً للجهاز المناعي من خلال دراسة “البروتيازوم” (Proteasome) – وهي آلات إعادة التدوير داخل الخلية. أبحاثها فتحت آفاقاً جديدة لفهم كيفية تخلص الخلايا من البروتينات التالفة، مما يحمل مفاتيح مستقبلية لعلاج السرطان وأمراض المناعة الذاتية.

معرض 2025: عندما يتحدث العلم بالصورة

بالإضافة إلى الشخصيات، أشار التقرير إلى أفضل الصور العلمية لعام 2025، والتي كانت بمثابة نوافذ بصرية مذهلة على عالمنا:

ما بعد 2025

إن اختيار هذه الشخصيات وهذه الصور يبعث برسالة واضحة: العلم ليس مجرد اكتشافات في أنابيب اختبار، بل هو “فعل اجتماعي” وأخلاقي. العلماء اليوم هم محاربون في جبهات متعددة؛ من قاعات المحاكم إلى منصات إطلاق الصواريخ.

بينما نودع عام 2025، تظل الأسئلة التي أثارها هؤلاء الرواد مفتوحة: هل سننجح في بناء مستعمرة قمرية؟ هل سيقضي الذكاء الاصطناعي المفتوح على احتكار المعرفة؟ وهل ستصمد معاهدة الأوبئة أمام الاختبار الحقيقي الأول؟ الإجابة تكمن في استمرار دعم البحث العلمي النزيه والجريء، تماماً كما فعل هؤلاء العشرة.

المصادر:

• Nature’s 10: Ten people who shaped science in 2025 – رابط المصدر (Nature)
• https://www.nature.com/immersive/d41586-025-03935-3/index.html