Ad

استعاد أكثر من 40 شخصًا مصابون بالشلل من الرقبة إلى الجزء السفلي من جسدهم السيطرة جزئيًا على أذرعهم وأيديهم، وذلك بفضل جهاز ثوري جديد طورته شركة التكنولوجيا الطبية السويسرية (Onward). يعد هذا الإنجاز بمثابة بارقة أمل للأشخاص الذين يعانون من إصابات في النخاع الشوكي، والذين يمكنهم الآن تصور مستقبل يتمتعون فيه بقدر أكبر من الاستقلالية. وفي دراسة واسعة النطاق نشرت في مجلة (Nature Medicine)، أثبت باحثون من جامعة كاليفورنيا والمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا فعالية هذا الجهاز غير الجراحي في استعادة الوظيفة الحركية للأطراف المشلولة.

شملت الدراسة 60 مشاركًا يعانون من إصابات في النخاع الشوكي حيث يوفر الجهاز تيارًا كهربائيًا من خلال أقطاب كهربائية يتم وضعها على جلد المرضى المصابين بالشلل بالقرب من مكان تلف الحبل الشوكي، مما يسمح لهم باستعادة القوة والحركة في أذرعهم وأيديهم.

الواقع المدمر لإصابات النخاع الشوكي

تخيل أن تستيقظ يومًا ما لتجد نفسك غير قادر على الحركة، وجسدك مشلول من الرقبة إلى الأسفل. هذا هو الواقع المدمر الذي يواجهه آلاف الأشخاص حول العالم الذين يعانون من إصابات النخاع الشوكي. إن عواقب مثل هذه الإصابة بعيدة المدى، ولا تؤثر على الفرد فحسب، بل تؤثر أيضًا على أحبائه.

الحبل الشوكي، هو عبارة عن حزمة من الأعصاب التي تمتد من قاعدة الدماغ إلى أسفل الظهر، هو المسؤول عن نقل الرسائل بين الدماغ وبقية الجسم. عند الإصابة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان الوظيفة الحركية، والإحساس، وحتى صعوبات في التنفس. كلما حدثت الإصابة في أعلى الحبل الشوكي، كلما كانت التأثيرات أكثر خطورة. يمكن أن تؤدي الإصابات القريبة من الرقبة إلى الشلل الرباعي، حيث تتأثر جميع الأطراف الأربعة. في حين أن الإصابات في الأسفل قد تسبب شلل نصفي، مما يؤثر على الساقين فقط.

تتنوع أسباب إصابات النخاع الشوكي، بدءًا من حوادث السيارات والسقوط وحتى الإصابات الرياضية والهجمات العنيفة. في الولايات المتحدة وحدها، هناك ما يقرب من 12 ألف حالة جديدة من إصابات النخاع الشوكي كل عام، وتؤثر أغلبها على الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 30 عاما. والتأثير على الحياة اليومية هائل، مما يجعل حتى أبسط المهام، مثل ارتداء الملابس أو إطعام النفس تحدي.

وبعيدًا عن القيود الجسدية، تؤثر إصابات النخاع الشوكي أيضًا على الصحة العقلية. ويعد الاكتئاب والقلق ومشاعر العزلة من النتائج الشائعة لمثل هذه الإصابة التي تغير الحياة. يمكن أن يكون فقدان الاستقلال والحاجة إلى رعاية مستمرة أمراً مرهقاً، ليس فقط بالنسبة للفرد ولكن أيضاً لمقدمي الرعاية.

تاريخ أبحاث الحبل الشوكي

يعود أحد أقدم وأهم المعالم في هذه الرحلة إلى القرن التاسع عشر، عندما وصف عالم الأعصاب الفرنسي جان مارتن شارك لأول مرة مفهوم الصدمة الشوكية (spinal shock)، وهي فقدان مؤقت لوظيفة الحبل الشوكي بعد الإصابة. وقد وضع هذا الاكتشاف الأساس لفهم التفاعل المعقد بين الدماغ والحبل الشوكي والجهاز العصبي المحيطي.

وفي منتصف القرن العشرين، بدأ يتشكل مفهوم التحفيز الكهربائي كوسيلة لتحفيز النشاط العصبي. في ستينيات القرن الماضي، كان علماء مثل وايلدر بنفيلد وهربرت جاسبر رائدين في استخدام النبضات الكهربائية لرسم خريطة للدماغ البشري، مما مهد الطريق للبحث المستقبلي في الاضطرابات العصبية.

شهدت الثمانينيات تقدمًا كبيرًا في تطوير التحفيز الكهربائي الوظيفي (FES)، والذي يستخدم النبضات الكهربائية لتحفيز العضلات المشلولة. وقد مكّن هذا النهج المبتكر بعض المصابين بالشلل النصفي من استعادة القدرة المحدودة على الحركة. مما أوقد نور الأمل في مستقبل يمكن فيه التغلب على إصابات النخاع الشوكي.

في التسعينيات، كان إدخال التحفيز فوق الجافية، والذي يتضمن زرع أقطاب كهربائية بالقرب من الحبل الشوكي لتوصيل نبضات كهربائية، بمثابة قفزة كبيرة إلى الأمام. سمحت هذه التقنية لبعض المرضى الذين يعانون من إصابات كاملة في النخاع الشوكي باستعادة بعض الوظائف الحركية، وإن كان ذلك بنجاح محدود.

شهد العقدان الماضيان طفرة في الأبحاث المتعلقة بإصابات النخاع الشوكي. حيث اكتشف العلماء أساليب جديدة مثل العلاج بالخلايا الجذعية، وتحرير الجينات (genome editing)، وعلم البصريات الوراثي (Optogenetic). إن تطوير واجهات الدماغ والحاسوب غير الجراحية، مثل تلك المستخدمة في جهاز Onward، يمثل خطوة مهمة إلى الأمام في السعي لتسخير قوة الدماغ البشري للتغلب على الشلل.

جهاز شلل النخاع الشوكي الثوري الجديد

يقوم الجهاز بتوصيل تيار كهربائي من خلال أقطاب كهربائية يتم وضعها على جلد المرضى المصابين بالشلل بالقرب من موقع إصابة الحبل الشوكي. يعد هذا العلاج غير الجراحي بمثابة تغيير جذري، خاصة عند مقارنته بالأجهزة الموجودة التي تتطلب عملية جراحية لزرع الأجهزة بالقرب من الحبل الشوكي.

وفي دراسة واسعة النطاق، استعاد 43 من أصل 60 مريضًا تلقوا العلاج القوة والقدرة في أذرعهم وأيديهم بعد شهرين فقط من العلاج. يعد هذا إنجازًا كبيرًا، نظرًا لبساطة الجهاز وطبيعته غير الجراحية.

إذًا، ما الذي يجعل هذا الجهاز ثوريًا إلى هذا الحد؟ وفقًا لمؤلف الدراسة الرئيسي شيت موريتز، فإن القدرة على تجاوز الجراحة، يجعله خيارًا أكثر سهولة وجاذبية للمرضى. وتعزى فعالية الجهاز أيضًا إلى قدرته على إنشاء اتصالات جديدة بين الدماغ والأطراف المصابة، مما يزيد الفوائد بمرور الوقت، حتى عندما لا يكون الجهاز متصلاً.

ولوضع الأمر في نصابه الصحيح، وصفت ميلاني ريد، وهي صحفية بريطانية ومشاركة في التجربة، التدريب باستخدام الجهاز بأنه يشبه أداء تمارين بيلاتيس بأصابعك. قد يكون هذا عملاً شاقاً، لكن النتائج لا يمكن إنكارها. كانت ريد مسرورة بالجهاز الذي سمح لها باستعادة قبضتها وحتى استخدام هاتفها باستخدام يدها اليسرى. أشار شيرون كامبل إلى أن الجهاز أدى إلى تحسين سرعة الكتابة والطهي، مما أدى في النهاية إلى تحسين نوعية حياته.

حجم الدراسة ونطاقها جديران بالملاحظة أيضًا. فباعتبار الجهاز الأول من نوعه الذي يُظهر السلامة والفعالية في تحسين التعافي لدى المصابين بالشلل الرباعي. فإنه يمهد الطريق لمزيد من البحث والتطوير. ومع إجراء (Onward) محادثات للحصول على الموافقة في الولايات المتحدة، وقريبًا في أوروبا، قد يصبح هذا الجهاز حقيقة واقعة لعدد لا يحصى من الأفراد الذين يعانون من إصابات في النخاع الشوكي.

مستقبل أكثر إشراقًا

تخيل عالمًا يستطيع فيه المصابون بالشلل الرباعي تصفح هواتفهم، أو كتابة رسائل البريد الإلكتروني، أو حتى طهي وجبة طعام بأنفسهم. إن الآثار المترتبة على هذه التكنولوجيا بعيدة المدى، مع إمكانية تحسين نوعية الحياة للملايين من الناس في جميع أنحاء العالم. لا يقتصر الأمر على استعادة القدرات البدنية فحسب؛ يتعلق الأمر باستعادة الاستقلالية.

إحدى أهم مزايا هذا الجهاز غير الجراحي هو إمكانية اعتماده على نطاق واسع. على عكس الغرسات الجراحية، التي تتطلب عملية جراحية وتأتي مع المخاطر المرتبطة بها، يمكن استخدام هذا الجهاز في بيئة سريرية أو حتى في المنزل، مما يجعله في متناول جمهور أوسع. وستكون القدرة على تحمل تكاليف هذه التكنولوجيا وإمكانية الوصول إليها حاسمة في تحديد تأثيرها على حياة الأفراد المصابين بالشلل.

وبينما يعمل الباحثون والمطورون على تحسين الجهاز، فمن الضروري مراعاة العامل البشري. غالبًا ما تكون الرحلة نحو التعافي طويلة وشاقة، وتتطلب الصبر والتفاني والمرونة. ومن خلال توفير أنظمة الدعم وبرامج التدريب والموارد، يمكننا تمكين المرضى من التحكم في عملية إعادة تأهيلهم وتعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع وتشجيع التقدم المستمر.

وبعيدًا عن إصابات النخاع الشوكي، فإن هذه التقنية تحمل أملًا لحالات أخرى، مثل ضحايا السكتات الدماغية وأصحاب الاضطرابات العصبية. التطبيقات المحتملة واسعة، ومع استمرار المجتمع العلمي في دفع حدود هذا الابتكار، فقد نكتشف طرقًا جديدة لتحسين الوظيفة البشرية ونوعية الحياة.

المصادر:

science alert

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


طب صحة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 100
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق