إن القدرة على الإمساك بشيء صغير مثل خلية أو حتى جزيء واحد باستخدام الضوء قد يبدو كالخيال العلمي، لكنه أصبح الآن حقيقة بفضل فريق من الفيزيائيين بقيادة الدكتور ديفيد فيليبس في جامعة إكستر. وبالاعتماد على تقنية الملقط البصري الحائزة على جائزة نوبل، فقد طوروا ملاقط بصرية مصممة خصيصًا، مما يعزز إمكانيات الاحتجاز البصري. وقد نُشرت الورقة البحثية في مجلة (Science Advances).
محتويات المقال :
يتمتع الاحتجاز البصري (optical trapping) بتاريخ غني يعود إلى السبعينيات، عندما أثبت العلماء لأول مرة القدرة على احتجاز الأجسام الصغيرة باستخدام أشعة الليزر. ومع ذلك، لم يولد مفهوم الملقط البصري (optical tweezer) إلا في الثمانينيات. في عام 1986، نجح فريق بقيادة الدكتور آرثر أشكين، وهو عالم فيزياء أمريكي، في محاصرة الذرات الفردية باستخدام شعاع ليزر مركَّز. أدى هذا الإنجاز الرائد إلى حصول أشكين على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2018.
وأحدث تطور الملقط البصري ثورة في مجال الفيزياء، مما مكن العلماء من معالجة ودراسة الجسيمات المجهرية بدقة غير مسبوقة. ويستند هذا المفهوم على مبدأ أن الضوء يمارس نوع من القوة على المادة، تعرف باسم الضغط الإشعاعي (Radiation pressure). ومن خلال تركيز شعاع الليزر على جسيم صغير، يمكن للعلماء توليد قوة بما يكفي لمواجهة الحركة الحرارية (thermal motion) للجزيئات المحيطة، مما يؤدي إلى محاصرة الجسيم بشكل فعال.
لقد كان تطوير الملقط البصري إنجازًا رائدًا في المجتمع العلمي. ومع ذلك، كما هو الحال مع أي تكنولوجيا، هناك حدود لقدراتها. أحد التحديات الكبيرة التي يواجهها الباحثون هو حجم ما يمكن احتجازه. فكلما كان الحجم أصغر، كلما أصبح الاحتجاز أكثر فائدة. ولكن عندما تصبح الجسيمات أكبر، تنشأ مشكلة أن معظم الضوء يتركز بالقرب من مركز الجسيم، وليس على سطحه حيث يكون التفاعل بين الجسيم والضوء أقوى.
للتغلب على هذا التحدي، يحتاج العلماء إلى إيجاد طريقة لتحسين التفاعل بين الضوء والجسيم. وهذا يتطلب فهمًا أفضل للديناميكيات المعقدة المرتبطة بالاحتجاز البصري. وقد عالج فريق جامعة إكستر هذه المشكلة من خلال اقتراح نهج جديد من شأنه أن يسمح باستخدام أكثر كفاءة للضوء من خلال تشكيل الضوء بطريقة تغلف الجسيم، بدلاً من مجرد التركيز على مركزه.
من خلال تغليف الجسيم بالضوء، تمكن الباحثون من احتجازه بفاعلية أكبر، على عكس الطريقة التقليدية المتمثلة في تركيز الضوء في منتصف الجسيم. وقد سمح هذا النهج للجسيم بتحقيق أقصى استفادة من الضوء المتاح، مما أدى إلى تحكم أكثر دقة.
فكر في الأمر على هذا النحو: عندما تسلط مصباحًا يدويًا على جسم كبير، ينتشر الضوء ويضرب سطح الجسم، وليس مركزه فقط. وبالمثل، ابتكر الباحثون “بدلة من الضوء” تلتف حول الجسيم، مما يسمح للضوء بالتفاعل بقوة أكبر مع سطح الجسيم. وهذا يزيد من حجم الاحتجاز، مما يجعل الاحتجاز البصري أكثر فعالية.
لنقل أنك تحاول تصميم بدلة لشخص ما دون أخذ قياساته. قد تنجح، لكنها لن تكون مناسبة تمامًا. وبالمثل، في الاحتجاز البصري، يجب أن يتم تصميم الضوء وفقًا لحجم الجسيم المحدد وشكله وخصائصه البصرية لتحقيق الاحتجاز الأمثل.
وللتغلب على هذا التعقيد، كان على الباحثين تطوير طرق رياضية وعددية متقدمة لحساب شكل الضوء المثالي لكل جسيم. وشمل ذلك محاكاة التفاعل بين الضوء والجسيم، مع الأخذ في الاعتبار الخصائص الفريدة للجسيم.
كان على الفريق أيضًا إتقان تقنيات تجريبية صارمة لتحقيق أشكال الضوء المخصصة هذه في المختبر. وقد تم تحقيق ذلك من خلال التعاون مع باحثين في جامعة جلاسكو وجامعة فيينا للتكنولوجيا.
إن التقدم في محاصرة الجزيئات الصغيرة بالضوء له آثار بعيدة المدى في مجالات مختلفة، من الطب إلى التصنيع. حيث يستطيع الأطباء عزل الخلايا الفردية ودراستها لفهم الأمراض بشكل أفضل، أو التعامل مع الجزيئات الدقيقة لإنشاء مواد جديدة ذات خصائص فريدة. مع هذا الابتكار، فإن الاحتمالات واسعة ومثيرة.
في المجال الطبي، يمكن للقدرة على احتجاز الخلايا والتلاعب بها بالضوء أن تُحدث ثورة في علاج السرطان. ومن خلال استهداف خلايا معينة، قد يتمكن الأطباء من تطوير علاجات أكثر دقة وفعالية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد هذه التكنولوجيا في تطوير الطب التجديد (Regenerative medicine)، حيث يتم استخدام الخلايا الجذعية لإصلاح الأنسجة التالفة.
ويمتد تأثير هذا الاكتشاف إلى ما هو أبعد من المجتمع العلمي، مع تطبيقات محتملة في المراقبة البيئية، واستكشاف الفضاء. ومن خلال تسخير قوة الضوء، يستطيع العلماء تطوير طرق أكثر كفاءة لمراقبة جودة المياه، أو الكشف عن السموم، أو تحليل تكوين الكواكب البعيدة.
Scientists develop new technique for bespoke optical tweezers / phys.org
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…