
في إنجاز علمي يجمع بين عجائب التكنولوجيا وأمل الإنسانية، شهد العالم ولادة “ثاديوس دانيال بيرس“، طفل حطم الرقم القياسي لأكبر جنين عمرًا يولد حيًا، بعد أن قضى أكثر من 30 عامًا متجمدًا في درجات حرارة شديدة الانخفاض. هذه القصة ليست مجرد خبر عابر، بل هي شهادة حية على التقدم الهائل في تقنيات الإنجاب المساعدة (Assisted Reproductive Technology – ART)، وقوة الأمل في تحقيق حلم الأبوة والأمومة. يلقي هذا التقرير الضوء على تفاصيل هذه الولادة الاستثنائية، التقنيات المستخدمة، الآثار العلمية والأخلاقية لهذا الإنجاز، وكيف يمهد الطريق لمستقبل جديد في عالم الخصوبة والعلاجات الإنجابية.
الولادة القياسية: تفاصيل قصة “ثاديوس”
في يوليو 2025، اهتز المجتمع العلمي والأسري بخبر ولادة طفل في ولاية تينيسي الأمريكية، حطم كل الأرقام القياسية. “ثاديوس دانيال بيرس” ليس طفلاً عاديًا، فجنينه الذي نشأ منه كان قد جُمد في العام 1994، أي قبل أكثر من ثلاثة عقود. والده، تيم بيرس، كان في ذلك الوقت لا يزال طفلاً صغيرًا. هذه الحقيقة وحدها تبرز البعد الزمني المذهل لهذه الولادة.
الجنين المتجمد كان واحدًا من أصل ثلاثة أجنة تم تجميدها من قبل متبرعة تدعى ليندا آرتشرد (Linda Archerd) في عام 1994. كانت ليندا قد خضعت لعملية إخصاب في المختبر (IVF) وأنجبت طفلتها بنجاح، وقررت الاحتفاظ بالأجنة الثلاثة المتبقية مجمدة، في حالة تأهب للحاجة إليها لاحقاً أو التبرع بها.
رحلة الجنين من التجميد إلى الحياة
بعد مرور ثلاثين عامًا، لم تكن ليندا بحاجة إلى الأجنة المتبقية، فقررت التبرع بها عبر برنامج “ندفات الثلج” الذي تديره وكالة “نايتلايت كريستيان أدوبشنز” (Nightlight Christian Adoptions). هذه الوكالة متخصصة في ما يعرف بـ “تبني الأجنة”، وتُقدم خيارات للآباء الراغبين في تبني أجنة تم التبرع بها، خاصة تلك التي تعتبر “قديمة” أو “محفوفة بالمخاطر” بالنسبة لمعظم عيادات الخصوبة التقليدية. هذا البرنامج فتح الباب لآلاف الأزواج لتحقيق حلم الأبوة والأمومة، ووفر لهذه الأجنة فرصة للحياة بدلاً من التخلص منها.
تحديات علمية وتقنية: كيف تمكن الأطباء من تحقيق المستحيل؟
لم تكن عملية إنعاش الجنين سهلة، فقد واجهت عيادة “ريجويس فيرتيليتي” (Rejoice Fertility) في تينيسي تحديات كبيرة. الأجنة التي جُمّدت في التسعينيات كانت تستخدم تقنيات تجميد أبطأ وأقل تطورًا من التقنيات الحالية. في ذلك الوقت، كانت عملية التجميد البطيء (Slow-freezing) هي السائدة، وهي طريقة عرضت الأجنة لخطر أكبر من التلف أثناء عملية التجميد والذوبان. على النقيض، تستخدم العيادات الآن تقنية “التزجيج” (Vitrification)، وهي طريقة تجميد سريعة تمنع تكون بلورات الثلج التي قد تدمر الخلايا.
على الرغم من هذه الصعوبات، تمكن فريق الأطباء في “ريجويس فيرتيليتي” من إذابة جنينين بنجاح من الأجنة الثلاثة المتوفرة، وتم زرعهما في رحم الأم ليندسي بيرس. وبعد فترة وجيزة، استقرت إحدى الأجنة ونمت لتصبح “ثاديوس”.
الآثار العلمية والأخلاقية: ما الذي يعنيه هذا الإنجاز؟
تفتح ولادة “ثاديوس” الباب لمناقشات علمية وأخلاقية عميقة. من الناحية العلمية، تؤكد هذه الولادة أن مدة التجميد لا تؤثر بشكل كبير على قابلية الجنين للحياة، وهو ما يمنح أملاً جديداً للأجنة القديمة المخزنة. كما تشجع على تطوير تقنيات أفضل لتجميد الأجنة وحفظها، وتفتح المجال لمزيد من الأبحاث حول الآثار طويلة المدى على صحة الأجنة المتجمدة.
من الناحية الأخلاقية، تثير هذه الحالة تساؤلات حول الوضع القانوني والأخلاقي للأجنة المتجمدة. هل هي مجرد خلايا يمكن التخلص منها؟ أم أنها تمثل حياة محتملة يجب حمايتها؟ برامج مثل “تبني الأجنة” تقدم حلاً أخلاقياً للأجنة غير المستخدمة، وتجمع بين العلم والإنسانية لخلق أسر جديدة.
اقتران العلم بالإنسانية
يمثل إنجاب الطفل “ثاديوس دانيال بيرس” من جنين مجمد منذ عام 1994 إنجازًا علميًا غير مسبوق، ويحطم الرقم القياسي لأطول مدة تجميد لجنين ينجو ليولد. بفضل برنامج “تبني الأجنة” الذي تديره وكالة “نايتلايت كريستيان أدوبشنز” وتقنيات الإنجاب المتقدمة في عيادة “ريجويس فيرتيليتي”، تمكن الزوجان ليندسي وتيم بيرس من تحقيق حلم الأبوة والأمومة بعد سنوات من المعاناة. هذه القصة الملهمة لا تسلط الضوء على مرونة الحياة فحسب، بل تؤكد أيضًا على أهمية البحث العلمي المستمر وتطوير التقنيات لتقديم الأمل لملايين الأزواج حول العالم.
إن ولادة “ثاديوس” ليست مجرد قصة فردية، بل هي قصة عالمية عن التفاؤل والإصرار. إنها دليل على أن العلم، عندما يقرن بالإنسانية، يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة لم تكن متخيلة من قبل. في المستقبل، قد نشهد المزيد من هذه الإنجازات التي تغير فهمنا لما هو ممكن، وتمنح المزيد من العائلات فرصة لتجربة معجزة الحياة.
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :