تاريخ الجاذبية
هناك أربعة قوانين فيزيائية أساسية تحكم الكون، الجاذبية، والكهرومغناطيسية، والقوة النووية الضعيفة، والقوة النووية القوية. ومع أن الجاذبية هي الأكثر ضعفًا بينها، إلا أنها قد شكلت عالمنا، فمن دوران الكواكب في مداراتها في الفضاء، إلى ثبات أقدامنا على الأرض، يمكن أن نرى تأثيرها في كل مكان، وعلى مدار عدة قرون تغير مفهومها ليصبح على ما هو عليه اليوم. يعرض المقال بعض الخطوط الرئيسية في تاريخ تطور فهمنا للجاذبية.
محتويات المقال :
العالم الإغريقي اليوناني
اعتقد الفيلسوف اليوناني أرسطو أنه لا وجود لتأثير أو حركة دون سبب، وأن العناصر الثقيلة تنجذب للأرض بفعل <<انجذاب داخلي-Inner Gravitas>> أو <<ثقالة-Heaviness>> تدفعها للتحرك باتجاه الأسفل دون تأثير قوة خارجية، إنما بتأثير طبيعتها الداخلية.
في القرن السادس، قام العالم البيزنطي الإسكندري << جون فيلوبنوس-John Philoponus>> بتقديم <<نظرية الزخم-Theory of Impetus>> التي تنص بأن الحركة المستمرة تعتمد على قوة مسببة تتقلص بفعل الزمن، والتي جاءت كتعديل لنظرية أرسطو حول أن استمرارية الحركة يتطلب تطبيق قوة ثابتة مستمرة.
العالم الإسلامي
في القرن الحادي عشر اقام العالم الفارسي ابن سينا بنشر نظرية الزخم الخاصة به، والتي جاءت في كتاب الشفاء، وبعكس فيلوبنوس ، الذي اعتقد بأن القوة المؤثرة على الأجسام ستتناقص حتى في الفراغ، أظهرها ابن سينا على أنها مستمرة في الأصل، وتحتاج لقوة خارجية كمقاومة الهواء لتشتيتها. قام ابن سينا بالتمييز بين القوة والميل، وجادل في أن الجسم قد كسب ميلًا عندما يتحرك بعكس اتجاه حركته الطبيعية، واستنتج أن استمرارية الحركة معتمدة على الميل المنقول إلى الجسم، وأن الجسم سيبقى في حالة حركة حتى يفقد ميله.
في القرن نفسه، اقترح العالم الفارسي البيروني أن ثقل الأجسام ذات الثقالة لديها كتلة، ووزن، وجاذبية، كالأرض تمامًا. وقام بنقد أرسطو وابن سينا لعرضهما الأجسام ذات الثقالة كفاقدة لتلك الخصائص. في القرن الثاني عشر افترح العالم الخازيني أن الجاذبية هي جسم يتغير اعتمادُا على المسافة من مركز الكون (يقصد بها الأرض).
وقدم أبوبكر الخازني تفسيراً لتسارع جاذبية الأجسام الساقطة. وافترض أنه يمكن تسريع سقوط الأجسام من خلال تراكم الزيادات المتتالية للقوة مع الزيادات المتتالية للسرعة، والتي تخالف نظرية أرسطو التي تنص بأن أن القوة الثابتة تنتج حركة موحدة-كان ذلك في القرن الثاني عشر-وفي ذات القرن اقترح العالم العربي ابن باجه أن كل قوة هي رد فعل لقوة ما، لكنه لم يحدد ضرورة تساوي تلك القوتين ولا اتجاههما (كما جاء في قانون نيوتن الثالث في ما بعد) [1].
جاليليو جاليلي
<<كان جاليلو جاليلي-Galileo Galilei>> أول من تحدى نظرية أرسطو، وتعتبر تجربته الشهيرة التي أجرها من برج بيزا المائل، أولى التجارب العلمبة المضبوطة، واهتم جاليلو جاليلي بمعدلات سقوط الأجسام، واعتقد أنه بدون وجود مقاومة للهواء ستسقط بمعدل يتناسب وكثافتها، وهذا يخالف رأي أرسطو القائل بأن الأجسام الأثقل ستسقط بسرعة أكبر لأن طبيعتها ترجع للأرض، وقرر القيام بتجربة للتأكد من صحة ادعائه، ووجد بعدها أن الأجسام الأثقل تأخذ زمنًا أقل للوصول إلى الأرض، ولكن بفارق بسيط تسببه مقاومة الهواء، وبدون هذا الفارق ستسقط الأجسام بنفس السرعة تقريبًا. [2][3].
نيوتن
مستخدما اقتراح <<روبرت هوك- Robert Hooke >> الذي نص بوجود قوة جاذبية تعتمد على مقلوب مربع المسافة، نشر نيوتن “Philosophiæ Naturalis Principia Mathematica” الذي جاء فيه <<قانون التربيع العكسي للجاذبية الكونية- Inverse Square Law of Universal Gravitation >>، والذي ينص على أن القوة المطبقة على الكواكب يجب أن تتناسب مع عكس مربع المسافة من المركزين لكل كوكبين. استخدم نتيوتن نظريته في حساب قوة الجاذبية، وذلك باستخدام القوة اللازمة لابقاء القمر في مداره من الأرض، ولكن الرقم الذي وصل إليه لم يكن دقيقًا، نظرًا لأن المسافة من سطح الأرض لمركزها لم يعرف بعد أنذاك.
ادعى نيوتن بأن الجاذبية هي قوة كونية، وأن جاذبية الشمس هي ما يبقي الكواكب في المجموعة الشمسبة في مداراتها، واليوم، جميع الحسابات المتعلقة بمدارات الكواكب والأقمار الإصطناعية تتبع الخطوات رسمها نيوتن [4].
أينشتاين
أتى أينشتاين في النسبية الخاصة بأن جميع القوانين الفيزيائية هي نفسها لكل المراقبين غير المتسارعين، وأن سرعة الضوء في الفراغ هي نفسها بغض النظر عن سرعة المراقب، وكنتيجة لذلك، وجد أن الزمان والمكان متشابكين فيما يعرف بالزمكان، والأحداث التي تظهر في وقت معين لمراقب ما، يمكن أن تحدث في وقت مختلف لمراقب آخر، وذلك ما يدعى بـ<<نظرية الارتباط العامة-General Theory of Relativity>>.
أثناء عمل أينشتاين على نظرية الإرتباط، لاحظ أن الأجسام الثقيلة تسبب تشوهًا في الزمكان، تخيل وضع جسم كبير في وسط ترامبولين، سيقوم الجسم بسحب غلاف الترامبولين المحيط به باتجاه الأسفل، وإذا كانت هناك أجسام أخرى صغيرة عليه، فستندفع باتجاه الجسم الكبير-بنفس الكيفية تجذب الكواكب الصخور في الفضاء [5].
بناءً على التجارب والملاحظات، فإن وصف آينشتاين للجاذبية يفسر العديد من التأثيرات التي لا يمكن تفسيرها بقانون نيوتن؛ كالإختلافات الدقيقة في مدارات عطارد والكواكب الأخرى. تتنبأ النسبية العامة أيضًا بتأثيرات جديدة للجاذبية، مثل <<موجات الجاذبية-Gravitational Waves>>، و<<عدسة الجاذبية-Gravitational Lensing>> وتأثير الجاذبية على الوقت المعروف باسم <<تمدد الزمن الثقالي-Gravitational Time Dilation>>. تم تأكيد العديد من هذه التنبؤات عن طريق التجربة أو الملاحظة، وكان آخرها موجات الجاذبية [6].
- المصادر:
[1] History of Gravitational Theory
[4] Newton’s theory of “Universal Gravitation”
[6] Introduction to Genera Relativity
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :